“هيئة النزاهة” تقرر معالجة مظاهر الفساد في القطاع الصحي الخاص

أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن الفساد في النظم الصحية لا يُقوض فقط ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، بل يُهدد الأمن الصحي الوطني، ويُعطل تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
وأوضح بنعليلو أن تقديرات منظمة الشفافية الدولية تشير إلى فقدان نحو 7% من الإنفاق الصحي العالمي بسبب الفساد، في حين تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الفساد يشكل أحد “المخاطر النظامية” التي تعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجال الصحي.
وجاء ذلك خلال افتتاح ورشة العمل المخصصة لموضوع “مخاطر الفساد في قطاع الصحة”، الثلاثاء 17 يونيو 2025.
وشدد على أن الحديث عن الفساد في قطاع الصحة لا يتعلق بحالات فردية أو معزولة، بل بـ”مظاهر بنيوية تمسّ الحق في الحياة والكرامة والعلاج”، مسجلا أن الدراسة التي أنجزتها الهيئة كشفت أن “قطاع الصحة يشكل أحد أبرز انشغالات المواطنين، وأن ولوجهم إلى العلاج يواجه عقبات عدة، منها الرشوة، وضعف الجودة، وتداخل المصالح، والتمييز غير المعلن في الحصول على الخدمات”.
وأشار إلى أن هذه الورشة التكوينية تشكل خطوة في اتجاه الانتقال من التحليل القطاعي إلى المعالجة الهيكلية، إدراكا بأن الفساد الصحي ليس دوما نتاجا لسلوك فردي، بل يعكس في كثير من الأحيان “هشاشة المنظومة، من خلال ضعف الحوكمة، وانعدام الشفافية في تدبير الصفقات، وضعف الرقابة، ووجود تضارب في المصالح”.
وفي هذا السياق، أعلن بنعليلو أن الهيئة قررت الشروع في معالجة مجالين حيويين في المنظومة الصحية، هما، سلسلة القيمة الخاصة بالأدوية والمنتجات الطبية، والتي ما زالت تشهد مخاطر الفساد والتلاعب رغم الجهود المبذولة، والقطاع الطبي الخاص، الذي تطور بشكل سريع، لكنه يعاني من “ثغرات تنظيمية” تتيح ممارسات غير نزيهة مثل الفوترة الوهمية والتدخلات الطبية غير المبررة.
وأكد أن “مسار المريض” سيكون من بين المحاور التي سيتم الاشتغال عليها في المراحل المقبلة، مشددا على أن الورشة الحالية لا تندرج فقط ضمن سياق تقني أو تشاوري، بل تعبر عن التزام سياسي وأخلاقي جماعي من أجل صون الحق في العلاج العادل والمنصف، كما يكفله الدستور.
وختم بنعليلو مداخلته بالتأكيد على أن مشروع إعداد خريطة لمخاطر الفساد في قطاع الصحة ليس مجرد مبادرة تقنية، بل خطوة تأسيسية لخلق مناعة مؤسساتية ضد الفساد، شبيهة بالمناعة البيولوجية التي تحمي الجسد، مشددا على أن النزاهة الصحية تمثل ركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية وثقة المواطنين في الدولة.
من جانبه، أكد لارسن سيجور، السفير النرويجي لدى المملكة المغربية، خلال مشاركته في افتتاح ورشة العمل التي ينظمها برنامج “U4” حول مكافحة الفساد في قطاع الصحة، أن هذه المبادرة تأتي في إطار دعم النرويج وباقي دول U4 لجهود المغرب في محاربة الفساد.
وأوضح السفير أن الورشة، الممتدة على مدى يومين، تُعد الأولى من نوعها، معربًا عن أمله في أن تكون مفيدة وغنية لجميع المشاركين، وأن تفتح آفاقًا جديدة للتعاون وتبادل الخبرات في هذا المجال الحيوي.
وأشار إلى أن إمكانية استمرار هذا النوع من المبادرات يبقى مرهونًا باهتمام المشاركين ونتائج هذه الورشة، مؤكدًا التزام بلاده بدعم مسارات الإصلاح وتعزيز النزاهة في القطاعات الأساسية، وعلى رأسها قطاع الصحة.
وتهدف هذه الورشة التي تنظمها الهيئة الوطنية للنزاهة بالتعاون مع وزارة الصحة، وسفارة مملكة النرويج بالرباط ومركز البحث في مجالات الحكامة U4، من 17-18 يونيو 2025 إلى تعزيز قدرات الفاعلين في قطاع الصحة لفهم آليات حدوث الفساد ومنهجيات تدبير مخاطره.
كما سيشارك في الورشة التكوينية ممثلون لعدد من القطاعات الحكومية المعنية بالموضوع، بالإضافة إلى المهنيين وفعاليات من المجتمع المدني، وسيؤطرها خبراء من مركز البحث U4 الذي راكم تجربة مهمة في هذا المجال.
ويعد برنامج “U4” مبادرة لمكافحة الفساد تهدف إلى دعم جهود الحكومات والمؤسسات في محاربة الفساد، خاصة في البلدان النامية. ويديره مركز الموارد الدولية لمكافحة الفساد التابع لـمعهد كريستيان ميشلسن (CMI) في النرويج، كما يعمل بالشراكة مع مجموعة من الدول المانحة، من بينها النرويج، ألمانيا، المملكة المتحدة، السويد، كندا، سويسرا، والدنمارك.