هكذا أغلق بنسعيد باب التعديلات و”فرض رؤيته” على قانون مجلس الصحافة
لم يكن اجتماع لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، المنعقد يوم الإثنين 22 دجنبر 2025 بمجلس المستشارين، مجرد محطة عابرة في المسار التشريعي لمشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، بل شكّل خطوة دقيقة حسمتها لغة الأرقام الصارمة وتمسّك الحكومة برؤيتها التي وُصفت بـ”الأحادية” من طرف مستشارين ومهنيين.
إذ في الوقت الذي كانت فيه الهيئات النقابية والمهنية تنتظر “انفراجاً” عبر بوابة التعديلات البرلمانية، اختار وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، رفع راية الرفض في وجه ما يقارب 140 مقترح تعديل، متمسكاً بكل فاصلة ونقطة في النص الأصلي للمشروع، حسب جدول التعديلات الذي اطلعت صحيفة “صوت المغرب” على نسخة منه.
ومما كان مثيراً للانتباه في فصول هذه “المواجهة التشريعية” أن الحسم مرّ عبر “سُمّ الخياط”؛ إذ في جلسة طبعها عزوف لافت لما يقارب نصف الأعضاء (9 أعضاء من أصل 20)، نجحت الحكومة في إسقاط ترسانة تعديلات المعارضة والمركزيات النقابية بفارق صوت واحد فقط (6 أصوات مقابل 5).
هذا “الحسم العددي” الضئيل، الذي عبّدت طريقه فرق الأغلبية بصمتها المطبق وتصويتها الجماعي ضد جميع التعديلات، حسبما أكدته مصادر لصحيفة “صوت المغرب” من داخل اللجنة، يفتح الباب أمام دخول القانون حيز التنفيذ بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، ويحول دون إعادته إلى مجلس النواب في قراءة ثانية.
وقد تقدمت كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، والفريق الحركي، والفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بمجموعة من التعديلات التي قوبلت بالرفض التام من طرف الحكومة، في وقت تشبثت فيه هذه المكونات بمقترحاتها إلى آخر لحظة.
في المقابل، صوّتت فرق الأغلبية، الممثلة في التجمع الوطني للأحرار، والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، وفريق الأصالة والمعاصرة، ضد مجمل التعديلات المقدمة، دون أن تتقدم بأي مقترحات تعديلية بديلة.
واتسم موقف وزير الشباب والثقافة والتواصل، حسب ذات المصادر، “بالرفض القاطع والشامل لجميع التعديلات”، مستنداً إلى مبررات متكررة، أبرزها “الوضوح وتفادي اللبس”، عبر التأكيد على أن النص الأصلي دقيق بما يكفي ولا يحتاج إلى إضافات تفسيرية، و”الانسجام مع المنظومة القانونية”، من خلال رفض أي تعديل تعتبره الحكومة متعارضاً مع القوانين ذات الصلة، وعلى رأسها قانون الصحافة والنشر رقم 89.13.
كما اعتبر الوزير أن عدداً من التعديلات يدخل في خانة “تحصيل الحاصل”، موضحاً أن العديد من المقترحات “موجودة ضمنياً” في النص، ولا حاجة لتدوينها بشكل صريح.
وفي ما يخص اقتراح تغيير عنوان المشروع ليصبح “بتغيير وتتميم” عوض “إعادة تنظيم”، إلى جانب إضافة ديباجة تؤطر الحقوق والحريات، رأت الحكومة أن عنوان “إعادة التنظيم” ينسجم مع المنهجية المعتمدة في مؤسسات وطنية أخرى، مثل المركز السينمائي المغربي والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، كما اعتبرت أن الديباجة غير ضرورية، مادام الإطار الدستوري واضحاً ولا يحتاج إلى تكرار في نص تشريعي.
أما بشأن محاولة دسترة مفاهيم من قبيل “الصحافي المهني”، و”الناشر”، و”المنظمة المهنية الأكثر تمثيلية” ضمن المادة الأولى، فقد قوبلت بالرفض بدعوى أن هذه التعريفات منصوص عليها بالفعل في القانون 89.13. وبخصوص اعتماد “الانتداب” بدل “الانتخاب” لفئة الناشرين، دافعت الحكومة عن هذا الخيار باعتباره “آلية عملية وواقعية”.
هذا واقترحت التعديلات التنصيص على أن المجلس “شخص من أشخاص القانون العام”، مع إحداث فروع جهوية له. غير أن الحكومة رفضت منح المجلس صفة “شخص من أشخاص القانون العام”، واعتبرت أن إحداث فروع جهوية قد يشكل عبئاً إدارياً يمكن الاستغناء عنه بالاعتماد على الرقمنة.
وفي ما يخص التعديلات المتعلقة بإضافة مهام ذات طابع اجتماعي لفائدة الصحافيين، ووضع معايير شفافة لمنح البطاقة المهنية، وتقليص آجال الاستشارة القانونية، اعتبرت الحكومة أن الجانب الاجتماعي يندرج ضمن “الاختصاص الحصري للنقابات”، ولا ينبغي للمجلس التدخل فيه. كما رأت أن المطالبة بالتنصيص على “الشفافية” في منح البطائق المهنية أمر تحصيل حاصل، ما دامت الإدارة، بحكم طبيعتها، ملزمة بالشفافية.
أما في ما يتعلق بالتأديب والجزاءات، فقد اقترحت الفرق إحداث “مدونة جزاءات” دقيقة لتفادي العقوبات الفضفاضة، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة داخل المجلس الوطني للصحافة. غير أن الحكومة رفضت هذه المقترحات، معتبرة أن النظام الداخلي للمجلس “كفيل بتفصيل هذه الإجراءات، وأن الصيغة الحالية للنص تضمن حقوق الدفاع بما فيه الكفاية”.
وبخصوص الطعن في تركيبة اللجنة المؤقتة، والمطالبة بإشراك أوسع للهيئات المهنية خلال المرحلة الانتقالية، شددت الحكومة على أن “الاستمرارية المؤسساتية” تقتضي الإبقاء على اللجنة بالصيغة المقترحة، تفادياً لأي فراغ قانوني، رافضةً في الآن ذاته أي تعديل في جدولة انتخاب أو انتداب الأعضاء الجدد.
وفي المحصلة، تم إسقاط جميع التعديلات المقدمة (ما مجموعه 139 تعديلاً) بكتلة تصويتية حرجة (6 مقابل 5)، وهو ما يعكس، حسب ذات المصادر، أن الحكومة لم تكن مستعدة للتنازل عن النص الذي تقدمت به في مشروعها، مبررة ذلك بـ”الحفاظ على فلسفة المشروع” وضمان “الأمن التشريعي”.