من يُخلص الصحافة من قبضة أخنوش؟

في كتابه “بؤس الصحافة ومجد الصحفيين” (2009)، يطرح الباحث والناقد السعودي نعيمان عثمان مسألة استقلالية الصحافة والصحفيين في الوطن العربي ويسلط الضوء على آليات التحكم في الإعلام والسيطرة عليه عبر أساليب بعضها خشن والكثير منها ناعم.
وبالفعل، إن من يتابع واقع الصحافة ببلادنا، يخرج بخلاصة واحدة وهي أن “السلطة الرابعة” تعيش اليوم واقعا بئيسا بسبب عوامل داخلية وخارجية مقابل مجد زائف لبعض المنتسبين لمهنة الصحافة الذين لم يعودوا يستحيون من إعلان علاقاتهم المشبوهة مع دوائر الاقتصاد والسياسة، بل أنتج هؤلاء مدرسة جديدة تقوم على التشهير حتى بزملائهم الذين يدافعون عن ما تبقى من شرف المهنة.
ظلت الصحافة توصف بأنها سلطة رابعة لانفلاتها من سطوة المال والسلطة، فالصحافة المستقلة والنزيهة بمثابة جهاز سكانير للكشف عن الأعطاب التي يعاني منها المجتمع والدولة. ولذلك، تعتبر الصحافة، تجليا من تجليات الديمقراطية المعاصرة، فكلما ارتفع منسوب حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ارتفع منسوب الديمقراطية والعكس صحيح.
لقد ناضلت الصحافة الحرة والنزيهة من أجل حماية مهنة المتاعب من تدخل الحكومات. وعلى هذا الأساس، تم إحداث مجلس وطني للصحافة وفدرالية للناشرين تنتخب أجهزتهما بشكل ديمقراطي للإشراف على تنظيم المهنة، قبل أن تتخذ حكومة أخنوش، التي توصف بأنها ليبرالية، قرارها بتعيين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر لمدة عامين لأسباب غير مقنعة، اللهم بالنسبة لبعض الصحفيين والناشرين الباحثين عن مجدهم الشخصي و لو أدى ذلك إلى بؤس المهنة التي ينتمون إليها.
هذا المجلس الذي تحول من مؤسسة للنهوض بمهنة الصحافة إلى سيف مسلط على رقاب الصحفيين من خلال المتابعات القضائية وتناسى رئيسه المعين أن من بين مهامه ممارسة دور الوساطة في النزاعات القائمة بين المهنيين أو بين هؤلاء والأغيار، دون الحديث عن الإشكالا التي يجدها بعض الصحفيين في الحصول على البطاقة المهنية.
ومهما حاولت حكومة أخنوش تبرير هذا القرار، فإن الهدف واضح، وهو شل الجسم الإعلامي وإضعاف السلطة الرابعة عبر آلية التعيين، بعدما بسطت يدها على السلطة التشريعية، حتى تبقى بمنأى عن أي مساءلة أو مراقبة بالرغم من أن الدستور ينص في الفصل 28 على أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية… وتشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة،بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به”.
وختاما، ينبغي الانتباه جيدا للتقرير الأخير الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، والذي فضح إحكام القبضة على الإعلام من طرف “حكومة رجل الأعمال النافذ عزيز أخنوش”، وذلك باستخدام “نفوذه المالي للتأثير على الخط التحريري لوسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في المملكة، بينما تطال القيود المالية المنابر المعارضة لسياسات حكومته، إذ يقوِّض هذا التحالف بين المال والسلطة قدرة الصحافة على تناول قضايا الفساد المرتبطة بإدارة الشأن العام، مما يجعل أي محاولة لإدانة الفساد مجازفة قد تجرّ على أصحابها تبعات مالية وقانونية جسيمة”.
*عبد اللطيف الحاميل