من هزيمتين قاسيتين إلى ربع النهائي.. أشبال الأطلس يكتبون ملحمة في مونديال قطر
رسم المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة مسارا استثنائيا في بطولة كأس العالم لكرة القدم، المقامة بدولة قطر، وذلك بعد تأهله لدور ربع النهائي بعد انتصاره على منتخب مالي بـ 2-3، في المباراة التي جمعت بينهما الثلاثاء 18 نونبر 2025.
تأهل أشبال الأطلس إلى دور الربع من البطولة العالمية، لم يكن تأهلا عاديا بعدما ظن الجميع أنهم سيغادرون المسابقة من دورها الأول عقب هزيمتين قاسيتين أمام اليابان بـ 0-2 في المباراة الأولى، وأمام البرتغال 0-6 في المباراة الثانية، قبل أن يستدرك أبناء المدرب نبيل باها الأمر بفوز تاريخي بـ 16-0 أمام منتخب كاليدونيا الجديدة في المباراة الثالثة، ليتأهل المنتخب الوطني إلى الدور الثاني كأحد أفضل المنتخبات التي احتلت المركز الثالث.
وشكل الانتصار العريض ضد منتخب كاليدونيا الجديدة شرارة التألق للعناصر الوطنية التي تخلصت من حجم الضغط الكبير الذي مورس عليها قبل انطلاق كأس العالم بقطر، خاصة وأن هذه البطولة تزامنت مع التتويج العالمي الذي حققه المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة على الأراضي الشيلية الشهر الماضي، مما زاد من حجم الضغط على كتيبة نبيل باها.
وبعد المرور إلى الدور الثاني، ظهر المنتخب الوطني لأقل 17 سنة بوجه مغاير تماما، توجه بانتصار كبير على منتخب الولايات المتحدة الأمريكية بالضربات الترجيحية، أحد أقوى المنتخبات المرشحة للفوز باللقب، قبل أن يؤكد ذلك بانتصار آخر على منتخب مالي في دور الثمن بـ 3-2، وبأداء قوي أثبت من خلاله أن الهزيمتين أمام اليابان والبرتغال كانتا نتيجة الضغط المفرط وغياب الاستعداد النفسي لدخول البطولة.
وفي هذا الصدد يقول الإطار الوطني والمحلل الرياضي مهدي كسوة، “إن كل من يعود إلى مسار المنتخب الوطني في هذه البطولة، سيعرف بأنه كانت هناك عدة متغيرات، أولها الحالة الذهنية للاعبين، الذين تعرضوا لضغط مبالغ فيه قبل بداية مونديال قطر”.
وأضاف أنه، ” حتى على مستوى توظيف اللاعبين من طرف المدرب، كان هذا المعطى من بين الأمور التي ساهمت بشكل سلبي في الهزيمتين أمام اليابان والبرتغال، فضلا عن الحالة البدنية لعدد من اللاعبين الذين لم يكونوا في كامل جاهزيتهم”.
“وبالتالي يمكن القول إن المقابلة الأولى والمقابلة الثانية كانتا ربما فرصة لاكتشاف ثقافة الدورة، وكذلك طريقة لعب المنتخبات المنافسة من أجل أخذ رؤية واضحة على المستوى الذي سيقدمه الخصوم”، يؤكد المتحدث ذاته.
غير أن المقابلة الثالثة أمام كاليدونيا الجديدة، عرفت تغييرات كثيرة، “بداية بالانضباط الكبير للاعبين داخل رقعة الملعب، إلى جانب عمل المدرب الذي عرف كيف يستعمل الأدوات اللازمة من خلال اختيار العناصر التي كان لها تأثير كبير من الناحية الجماعية أكثر من الحالة الفردية وهذا معطى إيجابي”.
وتابع المتحدث أن “المعطى الثالث الأكثر أهمية بالنسبة لي هو أن المدرب ركز في اختياره لتشكيلة المباريات الأخيرة، على مردودية اللاعبين وسط الميدان فقط، وليس على أسماء الفرق التي تلعب لها عناصر المنتخب، كما حصل في المباراة الأولى والثانية، وهو الأمر الذي غير عددا من الأشياء على مستوى أداء المنتخب الوطني”.
وفي هذا الإطار، أوضح مهدي كسوة، “أننا بتنا نرى حالة ذهنية شديدة المثالية لدى اللاعبين، مع انضباط تكتيكي كبير، وقوة في التعامل وتدبير الأمور من ناحية الجاهزية البدنية، إضافة إلى التعامل الإيجابي مع الخصوم وفق النظام الذي نلعب به، سواء على مستوى طريقة اللعب أو منهجنا التكتيكي المعتمد على 4-1-4-1”.
واستطرد بالقول، إن الخط التصاعدي للمنتخب الوطني مبنيّ على ثلاثة عوامل، “أولها اختيار العناصر المثالية من طرف المدرب، وثانيها الاعتماد على طريقة لعب مناسبة على مستوى النهج التكتيكي، والعامل الثالث هو تدبير المباريات بطريقة إيجابية، سواء من ناحية الجاهزية البدنية أو من ناحية الحالة الذهنية للاعبين”.
ومن جانب آخر، شدد الإطار الوطني على أهمية الحضور الجماهيري الذي كان له تأثير واضح على مردودية العناصر الوطنية، “إذ شهدت المباريات الأخيرة حضوراً كبيراً للجماهير المغربية مارس ضغطاً رهيبا على الخصوم وشكل دعما قويا للاعبي المنتخب الوطني”.
إلى جانب ذلك، يعتبر نظام التعايش بين اللاعبين معطى مثالياً، ساهم في التطور الذي عرفته المجموعة الوطنية، “إذ يسود بينهم جوّ عائلي مبنيّ على الاحترام والمهنية والاحترافية بدرجة كبيرة”.
“والأهم أنهم يملكون رغبة حقيقية في السير على مسار النجاح الكبير الذي تعرفه كرة القدم المغربية في السنوات الأخيرة، خاصة على مستوى الفئات السنية”، يقول المتحدث.
وخلص مهدي كسوة إلى أن مقومات النجاح في هذه البطولة باتت متوفّرة، سواء من ناحية البنية التحتية، أو من ناحية الحضور الجماهيري، “أما الأهم فهو أننا نسير بمنحى تصاعدي، أي أن نكون اليوم أفضل من الأمس، وغداً أفضل من اليوم، وهذه هي الثقافة التي يجب أن ندخل بها كل البطولات المجمّعة لتحقيق الأهداف المرسومة”.