“منافس قوي في جنوب إفريقيا”.. ما دلالات زيارة زوما للمغرب؟

حل الرئيس الجنوب إفريقي السابق ورئيس حزب رمح الأمة، جاكوب زوما، بالرباط، حاملاً معه اعتراف حزبه الحديث النشأة بمغربية الصحراء بعد أسابيع قليلة من إعلانه دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لتسوية القضية.
واعتبر زوما، خلال لقائه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، يوم الثلاثاء 15 يوليوز 2025، أن مبادرة الحكم الذاتي من شأنها أن “تمكّن من توفير حكم محلي فعّال لسكان منطقة الصحراء، مع ضمان سيادة المغرب”، على الأقاليم الجنوبية.
وفي هذا الصدد، عدّ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة خالد الشيات، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، زيارة الرئيس الجنوب إفريقي السابق للمغرب “تتويجاً لموقف يُعبّر عنه فاعل بارز في الحياة السياسية بجنوب إفريقيا، ومنافس قوي لحزب ‘المؤتمر الوطني الإفريقي’، الذي كان زوما من أبرز رموزه سابقاً”.
وتكمن أهمية هذا الموقف من حيث الرمزية، بحسب الشيات، في كونه تأكيداً على أن حزب زوما “أومكونتو وي سيزوي” الذي يحمل شعار “رمح الأمة” منفذ من المنافذ المساندة للمغرب على المستوى السياسي في جنوب إفريقيا، وهو “ما يضحد فكرة ‘الإجماع’ الجنوب إفريقي ضد مغربية الصحراء”، إذ أن هناك “منافذ تبرز من خلال أحزاب سياسية تتبنى مواقف مختلفة عن الحكومة الحالية، وهذا الحزب أحد هذه التوجهات”.
كما يُعد حزب “أومكونتو وي سيزوي” منافساً قوياً للمؤتمر الوطني الإفريقي في الانتخابات، “خاصة في ظل التراجع المستمر على مستوى شعبية هذا الأخير، دورة انتخابية بعد أخرى”. بحيث أن الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لحكوماته “لا تجد تطبيقاً ناجحاً على أرض الواقع، مما أضعف نفوذه السياسي رغم محاولاته المستمرة للارتكاز على الرمزية التاريخية”، باعتباره حزب نيلسون مانديلا.
ويرى الشيات أن هذا الخطاب أصبح يُنظر إليه على أنه “خطاب ديماغوجي لم يعد يجدي على مستوى الانتخابات”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى أن هناك مؤشرات قوية “تُظهر إمكانية فوز حزب زوما في الانتخابات المقبلة، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء المغربية”.
وقال الخبير في العلاقات الدولية إن موقف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه “لم يكن معادياً من قبل للوحدة الترابية للمغرب”، خاصة في عهد مؤسسيه ومناضليه الأوائل، حتى أن الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، يضيف المتحدث “رفض أن يكون موقف جنوب إفريقيا عدائياً تجاه المغرب طيلة فترة رئاسته”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن الموقف الحالي للمؤتمر الوطني الإفريقي “لا يُمثّل توجهاً مبدئياً”، معتبراً إياه “موقفاً ظرفياً يرتبط بحسابات مصلحية وعلاقات سياسية مرحلية، خاصة مع الجزائر”، كما أنه “لا يُعبر عن قناعة ثابتة أو موقف مبدئي أصيل”.
ويعتبر الشيات موقف حزب الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما “تعبيراً طبيعياً وعادلاً عن دعم مغربية الصحراء، في سياق تراكمي من الانتصارات السياسية والمواقف الدولية التي تُساند مبادرة الحكم الذاتي”، التي طرحها الملك محمد السادس سنة 2007، “كحل واقعي وجاد” لهذا النزاع الإقليمي.
من جانبه، أشار عبد الفتاح الفاتحي مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية إلى أن الزيارة التي يقوم بها رئيس جنوب إفريقيا السابق للمملكة، ودعم حزبه لمبادرة الحكم الذاتي “باعتبارها الحل الأنسب للنزاع المفتعل”، تأسيساً لمرحلة اعتبرها “فارقة” في تاريخ العلاقات المغربية الجنوب إفريقية “على أسس جديدة قوامها التعاون لمصلحة إفريقيا، نظراً لوزن البلدين في القارة السمراء”.
ويعتبر الفاتيحي أن حزب زوما الجديد في المشهد السياسي الجنوب إفريقي يؤسس بدوره، عبر وزنه السياسي، لمرحلة “وعي جديد تستحضر المتغيرات الإقليمية والدولية، وتستهدف إعادة تطبيع العلاقات مع المملكة لنفوذها في القارة، ولقوة علاقاتها”.
ويشير الباحث في الشأن الإفريقي إلى أن حزب زوما يبرز بهذا الموقف أن هناك تطور على مستوى رؤى الفاعل السياسي والاقتصادي الجنوب إفريقي نحو المملكة المغربية “على اعتبار انطلاقها كدولة صاعدة”.
وعدّ الفاتيحي موقف حزب “أومكونتو وي سيزوي” المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي “صوتاً جديداً وشجرة تخفي غابة من مواقف العديد من الشخصيات السياسية المؤثرة في المشهد السياسي الجنوب إفريقي، التي تدعم إعادة النظر في العلاقات بين الرباط وكيب تاون على أسس جديدة”.
وخلال لقائه بوريطة في الرباط، أشار الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما في البيان، إلى أن زيارته تندرج في سياق “استمرارية اللقاء التاريخي” الذي جمعه مع الملك محمد السادس سنة 2017، على هامش القمة الإفريقية الأوروبية بساحل العاج، “والذي أعطى دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين”، قبل تعطيل هذا الزخم بعد مغادرة زوما للرئاسة.
وأشار المسؤول الجنوب إفريقي إلى أن حزبه يدافع عن “سيادة ووحدة الدول الإفريقية”، مشيراً إلى أن هذا الموقف يجد صدى متزايداً داخل جنوب إفريقيا، خصوصاً في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات داخلية تهدد وحدة أراضيها، في إشارة إلى الحركات الانفصالية في منطقة الكاب.
يذكر أن حزب “أومكونتو وي سيزوي” الذي يقوده جاكوب زوما، منذ تأسيسه في دجنبر 2023، يعد ثالث أكبر قوة سياسية في مجلس النواب الجنوب إفريقي حالياُ، حيث يمتلك 58 نائباً، خلف التحالف الديمقراطي الذي يضم الأقلية البيضاء بزعامة جون ستينهايسن (87 نائباً)، وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) بزعامة رامافوزا، الذي يتصدر المشهد السياسي بـ159 نائباً.