ملتمس الرقابة.. هل تنجح أحزاب المعارضة في إسقاط الحكومة؟

عاد تقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، إلى البرلمان من جديد، بعد عام من إثارة المبادرة لأول مرة في ظل الولاية التشريعية الحالية. إذ قرر رؤساء الفرق والمجموعة النيابية للمعارضة بمجلس النواب، يوم الإثنين 5 ماي 2025، بدء أولى خطواتهم في هذا الصدد خلال الأسبوع المقبل.
وقد أعدّت المعارضة البرلمانية، يوم الأحد 4 ماي 2025، مسودة لمذكرة الملتمس، التي كان من المقرر طرحها وجمع التوقيعات بشأنها اليوم الإثنين، غير أن التزامات متعلقة بمهامهم البرلمانية حالت دون ذلك، ليتقرر تأجيل الأمر إلى الأسبوع القادم.
- ما هو ملتمس الرقابة؟
يُعدّ ملتمس الرقابة من أخطر الآليات البرلمانية لمراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها سياسياً، وغالباً ما تلجأ إليه المعارضة، رغم أن الدستور يتيح لكل مكونات البرلمان الحق في تقديمه.
ويخول الفصل 105 من الدستور لمجلس النواب حق سحب الثقة من الحكومة، باعتباره الجهة التي منحتها الثقة ابتداءً. فرغم أن الحكومة تُعيَّن من طرف الملك، إلا أنها لا تصبح قانونية ومكتملة الأركان إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب. وبالتالي، فإن المجلس الذي منح الثقة يملك أيضاً حق سحبها، بحسب أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عبد الرحيم العلام.
وفي المقابل، يمنح ملتمس الرقابة لرئيس الحكومة – في إطار مبدأ توازن السلط – حق طلب حل مجلس النواب، بعد إذن من الملك، “وهو ما يُشكل سيفاً مسلطاً على المجلس من طرف رئيس الحكومة”، حسب تعبير العلام.
- هل يُمكن لملتمس الرقابة إسقاط الحكومة؟
يوضح عبد الرحيم العلام، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن ملتمس الرقابة حق دستوري يخص مجلس النواب فقط دون مجلس المستشارين، وتلجأ إليه المعارضة بغرض إسقاط الحكومة.
غير أن نجاح هذا المسعى يتطلب توفر المعارضة على النصاب القانوني اللازم. ويضيف العلام: “المعارضة اليوم لا تتوفر على هذا النصاب، وبالتالي، عملياً، لن يكون بالإمكان إسقاط الحكومة ما لم ينضم أعضاء من الأغلبية إلى صفوف المعارضة ويصوتوا لصالح الملتمس”.
وينص الفصل 105 من الدستور على أن مجلس النواب يحق له معارضة استمرار الحكومة في تحمل مسؤولياتها، من خلال التصويت على ملتمس رقابة، ولا يُقبل هذا الملتمس إلا إذا وقّعه على الأقل خُمس أعضاء المجلس.
أما إذا التحق بعض أعضاء الأغلبية بالمعارضة، فقد يصبح من الممكن بلوغ النصاب القانوني، وبالتالي إسقاط الحكومة.
ويضيف العلام أن “المعارضة لم تتمكن حتى من تشكيل لجنة تقصي الحقائق، لأنها لا تتوفر على ثلث أعضاء مجلس النواب. فكيف لها بالنصاب اللازم لملتمس الرقابة إذا لم يكن لديها حتى هذا الثلث؟”
- لماذا تصر المعارضة على الملتمس رغم غياب النصاب؟
أمام هذا المعطى، يُطرح تساؤل مشروع: “إذا كانت المعارضة تدرك مسبقاً أنها لا تملك النصاب، فلماذا تلجأ إلى تقديم ملتمس الرقابة؟”
يجيب العلام بأن هذا الأمر يشير إلى أنه رغم علم المعارضة بصعوبة إسقاط الحكومة، فإنها لا تفقد الأمل في إمكانية انضمام بعض أعضاء الأغلبية خلال اللحظة الحاسمة. وبالتالي، يُعدّ ملتمس الرقابة خطوة سياسية بامتياز، تُستخدم لتفعيل آليات الرقابة “وتمنح المعارضة مكسباً سياسياً”، حتى وإن لم تُسقط الحكومة فعلياً.
- هل كانت هناك تجارب سابقة؟
شهدت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول سنة 1964 والثاني سنة 1990، دون أن يؤدي أي منهما إلى إسقاط الحكومة، بسبب القيود الدستورية.
ففي يونيو 1964، تقدم عبد اللطيف بنجلون، رئيس الفريق النيابي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بملتمس رقابة ضد السياسة الاقتصادية لحكومة أحمد باحنيني، لكنه فشل بسبب عدم توفر التوقيعات اللازمة، وفقاً لما كان ينص عليه دستور 1962.
أما الملتمس الثاني، فقدّمته المعارضة ممثلة في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ضد حكومة عز الدين العراقي سنة 1990، لكنه فشل أيضاً بسبب عدم توفر النصاب المنصوص عليه في دستور 1972.
وقد جاء هذان الملتمسان في سياق وطني ودولي صعب، طبعته أزمات اقتصادية حادة وتحولات إقليمية ودولية، فضلاً عن توتر العلاقة بين القصر وأحزاب الحركة الوطنية.
وقد شكل هذا السياق حينها أرضية موضوعية لتقديم ملتمسي الرقابة، رغم أنهما لم يحققا هدفهما المباشر، إلا أنهما خلّفا تداعيات سياسية مهمة على المديين القريب والبعيد.
- متى بدأ النقاش بشأن الملتمس في الولاية التشريعية الحالية؟
كانت أول محاولة لتقديم ملتمس رقابة في هذه الولاية التشريعية خلال أبريل 2024، بمبادرة من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر. غير أن المبادرة لم تلق تجاوباً من باقي مكونات المعارضة، بل أعلن حزب العدالة والتنمية رفضه المطلق لها.
وتخلى لاحقاً الاتحاد الاشتراكي عن المضي في تقديم الملتمس بعد أن بقي وحيداً في تبني المبادرة، رغم دفاع كاتبه الأول عنها باستماتة.
أما في الظرفية الحالية، فيبدو أن هناك توافقاً مبدئياً بين مختلف مكونات المعارضة حول المبادرة، إذ حسم حزب العدالة والتنمية موقفه بالانضمام إليها من خلال مجموعته النيابية، إلى جانب كل من الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، والفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية.
وقد عقدت هذه المكونات الأربعة مساء الأحد 4 ماي 2025 اجتماعاً جمع رؤساء فرقها النيابية، لوضع اللمسات الأخيرة على هذه المبادرة السياسية.