story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

مغرب البالوعات

ص ص

يعود بي حادث سقوط الطفلة في بالوعة الصرف الصحي ليلة أمس ببركان إلى وجع مرير عشته سنة 1988. كنت طفلا ذا عشر سنوات حينما صُدِمْنا في بيتنا بسقوط قريبة لي في بالوعة للصرف الصحي في مدينة الدار البيضاء بسبب غياب غطائها الجانبي. لم تكن هناك أمطار أو فيضانات، بل كان الجو صافيا وللمصادفة في نفس الفترة من السنة شهر مارس.

كنت أتقاسم ساعات طويلة معها لشدة درجة قرابتنا، وكلما مررنا بجانب بالوعة، كان حسها البريء يحذرنا من الاقتراب منها رغم كونها مجرد مخازن أرضية لعدادات استهلاك الماء المزروعة على طول أبواب منازل الأحياء القديمة في الدار البيضاء.

في ذلك الصباح، تراجعت إلى الخلف خوفا من شاحنة قادمة في الطريق، لتجد نفسها معلقة في مجرى للصرف الصحي يجرفها بقوة، بالحي الصناعي الذي ظلت طيلة سنواتها السبع تتنفس هوائه النتن، وتتحمل غباره الوسخ. كانت كمية المياه المتحركة جارفة، ولم تكن بنيتها الصغيرة قادرة على تحملها، وكادت الكارثة أن تكون أكبر لولا تدخل المارة الذين أوقفوا رغبة والدتها في الارتماء خلفها، لعلها تنقذها بغريزة أمومتها.

ظل هذا الشهر محركا للمواجع سنويا ولو بعد زمن طويل، تنتاب خلاله والدتها حالة اكتئاب وحزن، على طفلة جميلة بعمر سبع سنين، عاشت تجربة لفظها على شاطئ عين السبع بالبيضاء بعد ثلاث أيام من الانتظار القاهر.

أتذكر حملة السلطات من أجل إغلاق البالوعات المفتوحة، والخبر الذي تناولته الصحف آنذاك خاصة المعارضة منها، والحساب الذي لم يطل أحدا بعد ذلك، فالوطن كان منشغلا بكأس إفريقيا التي خسرناها ذلك العام (ما بين 13 و27 مارس 1988).
الكثير من المصادفات بين الحادثتين، حادث 1988 بالدار البيضاء، وحادث بركان 2025 في عام كأس إفريقيا، لكن ما وقع يضع أسئلة عميقة حول دور السلطة المحلية والجماعات الترابية، ونوعية تسيير الشأن العام، وطينة أصحاب القرار التي لم تتغير، واستمرار نفس اختيارات تهميش المواطن وعقيدة تقديم الأولويات وفق الأهواء. وسبحان الله، مازلنا بنفس التخلف التسييري للشأن المحلي الذي يقدم ملعب كرة قدم للقرب أو البعد أو حتى للقطران الأسود، على إصلاح بالوعة يفترض أن تحمي الحياة، وتنجي من الغرق والفيضان، لكنها كانت قبل 37 سنة، وظلت حتى أيام الله هاته مجلبة للموت والحزن والأسى.

لا أحدثكم عما عشناه ونعيشه جميعا يوميا من حوادث عرضية، تسبب الالتواءات والكسور للبشر والدواب، والأضرار والأعطاب للدراجات والسيارات، مما يكشف لنا مكانة الإنسان المواطن لدى المسؤولين. فقبل أيام فقط، ونتيجة لعودة السماء لعادتها الحميدة، عادت الحفر والمطبات والمدن الغريقة معها لتكشف لنا حقيقة التنمية، وتعايش عالمينا المتوازيين حيث موروكو الشاهقات من المباني والمولات والملاعب والفنادق، ومغرب المجاري المغلقة والحفر المنتشرة والدور الآيلة للسقوط والبالوعات التي تنتظر القرابين من الحين إلى الآخر.

قدرنا أن تتكشف أزمة اختياراتنا بكلفة كبيرة، لكننا نؤديها بصمت، وننتظر برضى غريب الفاتورة القادمة، ونحن على أتم الاستعداد للأداء دونما ضجر، بل أصبحنا ننفس عن أنفسنا ببعض الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير من العناوين التي تنقل موجة غلبنا العارم في عالمنا الثالث، بينما نتعايش بسلام داخل موروكوهم ومغربنا.

أستودعكم الله، وإلى “موجة غاضب عارم تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي”، هذا موروكوهم يتمنى لمغربكم الفوز بكأس إفريقيا…