مع اقتراب الانتخابات وتكثيف اللقاءات حول الماء.. خبير يحذر من تسييس ملف حيوي

منذ بداية أزمة الماء في المغرب، التي امتدت لعدة سنوات وشهدت خلالها الموارد المائية تراجعًا كبيرًا، تأثر بشكل مباشر تزويد عدد من المناطق بالماء الصالح للشرب، ومنذ ذلك الحين، حظيت قضية الماء باهتمام واسع من قبل المؤسسات الرسمية، والأوساط العلمية، والمجتمع المدني، وارتفع منسوب النقاش العمومي حولها، إلا أن هذا الاهتمام بدأ في الآونة الأخيرة يأخذ أبعادًا جديدة تثير الكثير من التساؤلات.
وبرز بشكل متزايد، اهتمام بعض الهيئات الحزبية بموضوع الماء، وهو اهتمام يرى خبراء أنه “أصبح في كثير من الأحيان ينحرف نحو التسييس، أكثر مما يعكس مقاربة واقعية لحل أزمة مائية تؤثر بشكل مباشر على المواطنين”، إذ تحوّلت الموارد المائية، في بعض المبادرات، إلى “أداة دعائية تُستعمل في الحملات واللقاءات السياسية، حيث تُرفع شعارات كبرى دون أن تُترجم إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع”.
وفي هذا السياق، علّق الخبير في الموارد المائية، محمد بازة، على الظاهرة، مشيرًا إلى أن العديد من الأحزاب السياسية شرعت في الآونة الأخيرة بتنظيم ندوات وتظاهرات داخل القاعات تحت عنوان “الأمن المائي”، وذلك بالتزامن مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما يفتح الباب أمام ما سماه بـ”تسييس الماء”.
وأوضح بازة أن “هذا التسييس يتجلى في محاولات بعض الأحزاب أو المنظمات والجمعيات التابعة لها، الركوب على موضوع الماء لما له من أهمية استراتيجية وإنسانية، مستغلة رمزية الماء وشحنته السياسية في لقاءات ترفع شعارات كبيرة، رغم أن الجهات المنظمة لا علاقة فعلية لها بالموارد المائية، سوى أنها تستهلكه للشرب والنظافة وأغراض أخرى”.
ورغم اعترافه بأن “اهتمام الأحزاب السياسية بموضوع حيوي كالأمن المائي هو أمر طبيعي بل ومحمود”، إلا أن بازة استغرب “غياب مبادرات عملية من قبل هذه الأحزاب”، متسائلًا: “لماذا لم نر أي هيئة حزبية تقوم بحملات تحسيسية لترشيد استهلاك الماء في الشرب أو في الزراعة، رغم أن المغرب يعيش أزمة مائية متواصلة منذ أربع سنوات على الأقل؟”.
وفي هذا السياق، أشار الخبير المائي إلى أن “عدداً من المراكز والقرى النائية انقطعت عنها مياه الشرب خلال هذه الأزمة، وأن الجهة الوحيدة التي تدخلت لتوفير المياه هي المصالح الرسمية المختصة، من خلال نقل المياه في شاحنات صهريجية، أو عبر حفر الآبار، أو تشغيل محطات تحلية متنقلة”.
وشدد المتحدث ذاته، على أن هذا الدور يدخل ضمن المهام الأساسية للدولة، لكنه في الوقت ذاته، “لا يعفي باقي الفاعلين، خاصة منظمات المجتمع المدني والأحزاب، من تحمّل جزء من المسؤولية”.
وأوضح أن “المساهمة الممكنة لهذه الأطراف لا تقتصر على تقديم الحلول المباشرة، بل يمكن أن تشمل التوعية، والتأطير، وتوفير الدعم المالي أو اللوجستي، مثل تمويل مشاريع لحفر وتجهيز الآبار أو اقتناء المضخات والمعدات اللازمة”.
لكن الواقع، حسب قوله، يكشف عكس ذلك، حيث أشار إلى أن “ما نراه مؤخرًا لا يخرج عن تنظيم مناظرات ولقاءات داخل القاعات حول قضية الماء، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية”، مضيفًا أن “مستوى هذه اللقاءات، سواء من حيث العمق العلمي أو الجدوى العملية، غالبًا ما يكون ضعيفًا، ولا يتعدى تكرار لما سبق أن تم طرحه في ندوات علمية نظمتها جامعات ومؤسسات رسمية”.
وشدد بازة على أن “هدف هذه الهيئات من تنظيم مثل هذه اللقاءات ليس سوى إيصال رسالة للناس مفادها أن الحزب المعني يهتم بقضية الماء، وكأن لسان حالهم يقول: “شفونا وما تنساوناش نهار الانتخابات”، مستدركا أن “المواطن المغربي اليوم أصبح أكثر وعيًا، وبات يميز بين المبادرات الجادة وتلك التي تحكمها حسابات انتخابية ضيقة”.