مصطفى الخلفي يكتب: 50 سنة على نزاع الصحراء ورهان المنعطف الجديد.. تفاؤل حذر وسط تحديات

لعلها قد تكون سنة انعطاف في تاريخ القضية الوطنية، مع الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب ونزعتها البراغماتية والضيقة أحيانا في التعاطي مع النزاعات الدولية والإقليمية، وذلك بعد أن كانت بدايتها مقلقة وحاملة لمخاطر هددت بإضعاف ما تراكم من مكتسبات.
قد تبدو القضية في منأى عن الصراعات المحتدمة والمتسارعة في الساحة الدولية والإقليمية، سواء تعلق الأمريكية بالقضية الفلسطينية واستمرار العدوان الصهيوني على غزة وتوسعه ليشمل لبنان وإيران وسوريا واليمن، أو تعلق بما استمرار الحرب في أوكرانيا مع روسيا أو تعلق الأمر بتطورات الوضع في كل من الصحراء الكبرى والساحل ومعه ليبيا والسودان، إلا أن الواقع خلاف ذلك، فالملاحظ مع المنطق الأمريكي الذي برز في الموقف من قسد الكردية بسوريا وإقرار أولوية مبدأ الوحدة الترابية وقبلها مع حزب العمال الكردستاني في تركيا وإنهاء عقود من حرب الانفصال، فضلا عن القبول بواقع اجتزاء قطع من أوكرانيا وضمها لروسيا تحت مبدأ الحدود التاريخية ورفض الانفصال القسري الذي فرض قبل حوالي ثلاثين سنة ونصف، دون تجاهل فشل المشروع الانفصالي للسويداء والذي قامر البعض علية لكنه ارتد خائبا، أي أننا إزاء تحول في السياسة الدولية يتجاوز أمريكا يناهض حلول الانفصال للنزاعات والتوترات الإقليمية، هذا بالرغم من صعوبات المقارنة بفعل وجود القضية كمنطقة متنازع عليها في أجندة مجلس الأمن على خلاف القضايا السابقة، لكن لا يمنع ذلك من وجود آثارها لهذه التطورات على الموقف الدولي في ظل اصطفاف المغرب إلى جانب المعسكر الغربي وتعزيز ذلك بتواصل الاعترافات بمغربية الصحراء.
في هذا السياق يعتبر البعض، أن بوادر قصة نجاح أخرى في نزاع الصحراء المغربية هي في طور التشكل، وذلك في سنة انطلقت بعناصر مقلقة، فمن ناحية أولى صدر قرار محكمة العدل الأوروبية الذي ألغى اتفاق الصيد والبروتوكول الفلاخي من أن يشمل تطبيقه الصحراء المغربية، والأخطر هو ما جاء في حيثياته حيث أضفى شرعية وهمية على تمثيلية البوليساريو لساكنة الصحراء ومنحها صفة غير قانونية وذلك ضدا على التشريعات الأوربية فضلا عن سقوطه في تحريف القانون الدولي حول استغلال الثروات الطبيعية وإقصاء الساكنة الفعلية ذات الأغلبية من حقها في الاستفادة من الثروات، ومن ناحية ثانية وقبل انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب سقط المبعوث الشخصي في إحياء فكرة التقسيم والتي وئدت في مارس 2002 كورقة تهديد للمغرب وقدمها في تقرير له أمام مجلس الأمن ومن ناحية ثالثة، أمعنت الجزائر في مشروع حكامها العدائي بإطلاق تكتل المغاربي مع تونس وليبيا ضد المغرب في ظل اشتداد سباق التسلح ببلوغ سقف 25 مليار دولار كميزانية جزائرية اعتمدت لسنة 2025.
لماذا نتحدث اليوم عن انعطاف جديد مشوب بتفاؤل وإن كان حذرا؟ الأسباب كثيرة، منها أن قرار محكمة العدل الدولية ولد شبه ميت وفي الوقت الضائع، بحيث لم يتجاوز تعامل البرلمان الأوروبي وقبله اللجنة الأوربية أخد العلم به فقط ودون أثر على الواقع، ولم يستطع إيقاف الدينامية التي انطلقت قبله بحوالي شهرين مع الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، بعد أن أصبحت شراكة فرنسا الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية مع المغرب أقوى مما مضى في ظل الأزمة المستحكمة مع الجزائر، وتقلص النفوذ الفرنسي في منطقة الصحراء الكبرى والساحل بعد الانسحاب الذي انطلق في 2022 من النيجر ومالي وبوركينافاسو ثم تشاد في نهاية 2024.
أما فكرة التقسيم فقدت صارت من الماضي مرة أخرى ودون الحاجة لدفنها بموقف رسمي علني للمغرب، إذ اضطر قائلها المبعوث الشخصي ديميستورا هو من قام بذلك بعودته في أبريل 2025 للحديث عن إرهاصات تحول ودعوة المغرب لتقديم تدقيقات حول مقترح الحكم الذاتي. ونفس النقل يهدد المشروع الجزائري الذي أعد لمناكفة مشروع المبادرة الأطلسية لكن في اتجاه الشرق وليس الغرب.
شكلت هذه السنة سنة صعبة على الطرح الانفصالي لا توازيها إلا سنة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، حيث جاء الاعتراف البريطاني ثم الموقف الكيني الجديد، في ظل حالة إنكار جزائري يردد كما جاء على لسان الرئيس الجزائري المزيد من 50 دولة، في حين أن الثابت اليوم أن القبول بالطرح الانفصالي تقلص من 84 دولة إلى أقل من 25 دولة ضمنها 15 في القارة الأفريقية أي الربع بعد أن كان الثلثين أواسط الثمانينيات، بما حول الاعترافات من دينامية مواقف ثنائية إلى دينامية ذات بعد دولي متعدد الأطراف يكرس واقع إنهاء النزاع، لكن ما هو أهم هو تكريس حالة الانحسار بفعل الفشل العسكري الجلي طيلة حوالي خمس سنوات بإعلان إنهاء احترام وقف إطلاق النار في نونبر 2020 وتحول ذلك من مغامرة إلى استنزاف جعل من انهيار هذا المشروع مسألة وقت ودليلا يخدم السعي لتصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية.
كيف يمكن استشراف مآل القضية اليوم على ضوء ما سبق؟
تبدو شروط وآفاق الانتقال إلى طور جديد قائمة، ونعتبر أن عناصرها تتمثل في أربع نقط:
- استصدار قرار أممي يعتبر الحكم الذاتي بمثابة إطار وحيد للتفاوض قابل للتطوير، وترسيم تجاوز التفسير الأحادي لتقرير المصير، وهو مايفرض الامتناع عن تنزيل مشروع الحكم الذاتي فذلك أمر سابق لأوانه، وأي تنزيل استباقي يفقد المغرب أوراقا تفاوضية أساسية تجعله مطالبا بالتنازل أكثر، وعوضا عن ذلك التوجه نحو التأهيل الذاتي للنخب الصحراوية الوحدوية وتعزيز اندماجها في منظومة القرار بمنطقة الصحراء مع تقوية مسار التنمية الاقتصادية.
- عزل المشروع الانفصالي وفصله عن ساكنة المخيمات في ظل مسعى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، وفصل فكرة العودة عن مشروع الحل النهائي والتي وضعت عند اعتماد خطة الاستفتاء، وهو مسار سينهي كلية وهم تمثيلية ساكنة الصحراء، ولعل من المناسب عدم التشويش على توجه التصنيف أعلاه.
- إخراج ملف النزاع من اللجنة الرابعة بالجمعية العامة، في ظل أغلبية تفوق 170 دولة مؤيدة لبلادنا، وهو امتحان ليس بالسهل، استمرار اشتغال اللجنة عليها يبقى مشوشا بسبب اعتبارها قضية تصفية استعمار في الوقت الذي تبنى مجلس الأمن نهج الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه أي لا غالب ولا مغلوب، وهو نقيض منطق تصفية الاستعمار الذي هو حل حدي.
- طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، والانتقال إلى مرحلة جديدة في إنهاء العبث الانفصالي بالاتحاد الافريقي، ورغم الإشكاليات القانونية المطروحة، فإن التقدم نحو تجميد عضوية الجمهورية الانفصالية الوهمية لانتفاء الشروط القانونية لها كدولة، في ظل وجود ثلاثة أرباع دولة القارة مع بلادنا، ونعتقد أن امتحان انتخابات نيابة رئاسة المفوضية الإفريقية يمثل أرضية للانطلاق.
يمثل ما سبق محاور انطلاق ما نعتبره طورا جديدا تعززه الفرص التي فتحتها دينامية التوازنات الدولية وتراكمات الإنجازات المحقق بنفس طويل طيلة العشر سنوات الأخيرة.
- هذا المقال هو جزء من ملف العدد 75 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط