محللون: دعم الشباب في انتخابات 2026 خطوة تحفيزية تحمل مخاطر عديدة
يرى عدد من المراقبين أن قرار مجلس الوزاري الأخير القاضي بتشجيع الشباب على الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بشكل مستقل، عبر تغطية مصاريف حملاتهم الانتخابية بنسبة 75%، “خطوة تهدف إلى تشجيع المشاركة السياسية وتوسيع قاعدة التمثيل النيابي”.
غير أنه في مقابل ذلك، يعتبرون آخرون أن الإجراء، رغم طابعه التحفيزي، “يحمل في طيّاته مخاطر ومساوئ متعددة، سواء على مستوى الأحزاب السياسية أو على صعيد مصداقية العملية الانتخابية ككل”، وهو الطرح الذي ذهب إليه ضيوف برنامج “من الرباط” الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”.
وفي هذا الصدد، اعتبر الأستاذ الجامعي إسماعيل حمودي أن إجراء دعم الشباب في الترشح لانتخابات 2026 خطوة مهمة في ظاهرها، لكنها قد تحمل نتائج سلبية على الأحزاب السياسية، لأنها، بحسب رأيه، قد تُعيد إلى الواجهة ظاهرة المترشحين المستقلين.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن هذه الظاهرة ليست جديدة في المشهد الانتخابي المغربي، “إذ كانت حاضرة بقوة في العقود الماضية، خصوصاً في العالم القروي، وغالباً ما كانت تُستعمل كأداة لتوازن القوى مع أحزاب المعارضة السياسية، خاصة خلال المرحلة التي سبقت دستور 1996”.
وبخصوص الشباب الذين سيستفيدون من دعم الدولة في الحملة الانتخابية بنسبة 75%، تساءل حمودي عن كيفية التعامل معهم، موضحاً أن الترشح للانتخابات لا يقوم فقط على المال، بل يحتاج إلى بنية تنظيمية، سواء كانت حزباً سياسياً، أو إطاراً مدنياً، أو حاضنة مؤسساتية.
وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث أن شباب “جيل Z” يتميزون بكونهم قيادات غير معروفة بعد، وهي نقطة قوة من جهة، لكنها في الوقت نفسه نقطة ضعف بسبب غياب الدعم المؤسسي الذي يمكن أن يسندهم في مسارهم السياسي.
واعتبر أن واقع الممارسة الانتخابية قد يصدم هؤلاء الشباب، رغم الإغراء المالي الذي يوفره الدعم العمومي، متسائلاً: “هل ستعمل السلطات العمومية على إنجاحهم؟ وكيف ستتعامل مع هذه الحالات؟”.
وأضاف أن هذا الإجراء قد لا ينجح في جذب شباب “جيل Z” فعلياً، لأنهم ما زالوا مجهولين ولا يرغبون في الظهور العلني، ربما تجنّباً للمخاطر أو خوفاً من تكرار ما حدث لأقرانهم في حركات احتجاجية سابقة مثل حراك الريف وحركة 20 فبراير.
ومن جانب آخر، يرى حمودي أن هذا الإجراء، ورغم نيته التشجيعية، “يضرب في عمق الأحزاب السياسية، لأنه قد يؤدي إلى إضعافها أكثر مما هي ضعيفة اليوم”، وقال: “نحن نحتاج إلى تقوية الأحزاب وتجديد نخبها، لا إلى خلق بدائل موازية تضعفها أكثر”.
وختم الأستاذ الجامعي بالقول إن فعالية الشباب المستقلين، حتى لو فاز بعضهم بمقاعد برلمانية، ستظل محدودة، لأن العمل البرلماني مؤطر بالانتماء إلى فرق منظمة، متسائلاً: “هل سيؤسسون فريقاً برلمانياً للمستقلين؟ وهل يمكن أن يتطور ذلك إلى حزب جديد للشباب؟”
ومن جهتها قالت الفاعلة المدنية هدى سحلي إن الإجراء الداعم لترشح الشباب في انتخابات 2026 لا يشكل جوابًا حقيقيًا لا على احتياجاتهم، ولا على وعيهم السياسي، ولا على أعطاب التنظيمات الحزبية.
وأضافت سحلي أن الشاب، مهما كانت إرادته قوية، لن يستطيع مواجهة الآلة الانتخابية الحزبية المنظمة، مردفة أنه حتى الأحزاب ذاتها، رغم تجربتها الطويلة، تعاني في مواجهة الأعيان والمال والنفوذ المحلي، وهو ما جعلها تتراجع في حضورها السياسي والاجتماعي.
وفي مقابل ذلك، أقرت سحلي بوجود اختلالات عميقة داخل الأحزاب السياسية المغربية، من انغلاقٍ ذاتي وجمودٍ في الممارسة، وعدم مواكبة التحولات السريعة التي يعيشها الشباب اليوم، إضافة إلى تكييف القوانين الداخلية وفق مزاج الزعماء الحزبيين.
لكنها شددت من جهة أخرى على أن إصلاح الأحزاب لا يمكن أن يتم إلا من داخلها، “لا من خلال خلق بدائل موازية أو لوائح مستقلة”.
واستطردت أن إنشاء لوائح مستقلة للشباب يفرغ العملية السياسية من مضمونها المؤسساتي، “لأن الترشيحات الحزبية يفترض أن تعكس رؤىً تنموية واختيارات سياسية واضحة، بينما كثير من الشباب الذين قد يترشحون بشكل مستقل ليست لديهم تجربة تنظيمية، لا مدنية ولا حزبية، ومنهم من انسحب من الأحزاب بسبب انغلاقها”.
وتساءلت سحلي عن مآل هؤلاء الشباب في حال نجاحهم في الانتخابات، مشيرة إلى أن خياراتهم محدودة داخل البرلمان إما الانضمام إلى أحد الفرق البرلمانية، أو تأسيس حزب جديد، “وهو خيار سبق تجريبه دون نجاح، أو البقاء مستقلين تمامًا، وفي هذه الحالة ستضعف فاعليتهم البرلمانية إلى أقصى حد، لأن العمل البرلماني يحتاج إلى مرجعية فكرية وتنظيمية تؤطر الممارسة والمواقف”.
وختمت سحلي بالقول إن هذا المسار، رغم نواياه التحفيزية، “قد لا يحقق الغاية المرجوة في تجديد الحياة السياسية بالمغرب، بل قد يؤدي إلى مزيد من التفكك والضعف المؤسساتي”.
أما أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أحمد بوز، فقد أشار إلى أن شباب “جيل Z” المحتج لم يطالب بالتمثيل السياسي، “بل ركّز في خطابه على قضايا التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، دون أن يرفع أي شعارات تتعلق بالمشاركة السياسية أو التمثيل داخل المؤسسات”.
وأكد بوز أن هذا معطى أساسي يجب استحضاره عند مناقشة علاقة الشباب بالمؤسسات السياسية، “لأنه يعكس طبيعة أولوياتهم وعمق أزمتهم مع النظام السياسي والاجتماعي”.
وتساءل الأستاذ الجامعي عما إذا كان هذا الوضع، “هو قدر المغرب أو قدر الدول ذات الأنظمة السلطوية التي ما زال فيها النقاش حول تمثيل الشباب قائمًا”، في حين أن الديمقراطيات الحقيقية تجاوزت هذه الإشكالية، لأن إدماج الشباب فيها يتم عبر قنوات طبيعية داخل الأحزاب والمجتمع المدني، دون الحاجة إلى إجراءات استثنائية.
وأوضح بالمناسبة، أن خطاب الشباب يعود إلى الواجهة مع كل موجة احتجاجية، كما حدث خلال حركة 20 فبراير التي أفرزت آنذاك فكرة اللائحة الوطنية للشباب، الهادفة إلى تمكينهم من دخول البرلمان.
غير أن التجارب اللاحقة، حسب بوز، أثبتت محدودية هذا الخيار، “لأن التراكم الزمني أضعف فعاليته، مما يجعل إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والشباب ضرورة ملحة”.
وأكد أستاذ القانون الدستوري أن هذه العلاقة لا يمكن إصلاحها عبر إجراءات ظرفية أو مالية فقط، “بل تحتاج إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد يعيد تعريف العلاقة بين التنمية والسياسة، ويجعل المواطن، وخاصة الشباب، يشعر فعلًا بجدوى المشاركة”.
ولفت إلى أن مثل هذه الإجراءات، رغم مشروعيتها من الناحية السياسية، لا تكفي لتلبية طموحات فئات واسعة من الشباب، مبرزا في المقابل “أن بعض الأحزاب احترمت نفسها ورشحت مناضلين حقيقيين من داخلها، بينما تحولت أخرى إلى أدوات انتخابية في يد الأعيان”.
وقال في هذا الصدد، “إن المال والنفوذ أصبحا يتحكمان في العملية الانتخابية، بحيث يشتري المرشحون مواقعهم داخل الأحزاب لأنهم أقوى منها ماديًا وشعبيًا”، مضيفًا أن بعضهم يشترط ترشيح أبنائه أو أقاربه بدلًا منه، “في مشهد يعكس تغوّل المصالح الخاصة على القيم الحزبية والسياسية”.
وخلص أحمد بوز إلى أن التمثيل النيابي ليس مجرد مسألة عمرية، فـ”حين يدخل المرشح البرلمان، لا يبقى مجرد شاب أو امرأة، بل يصبح ممثلًا للأمة بكل تنوعها”، مؤكدًا أن التمثيل يتطلب كفاءة وتجربة ونضجًا سياسيًا وفكريًا.
لمشاهدة الحلقة كاملة، يرجى الضغط على الرابط