story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

متى يدفع العرب الجِزية لنتنياهو؟

ص ص

الإبادة الجماعية أشنعُ ما يمكن أن يتعرّض له شعب. لهذا نكتبُ بلا كللٍ عن غزة، شهوداً بين يديْ التاريخ.

لا منطقة وسط في إدانة الإبادة. الفلسطينيون يخوضون حرب تحرير شرعيةً، يحوزون بموجبها الحقّ في استعمال ما يُنهي الاحتلال: من الفعل المدني، إلى المقاومة المسلّحة.

أكتبُ فجر الخميس (18 شتنبر) ومدينة غزة تتعرّض لقصف وحشي، لتدمير ما تبقى من مقومات حياة فيها، بغرض فرض النزوح القسري على مئات الآلاف نحو الجنوب، لإجبارهم تالياً على التهجير خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. تهجير متدرّج وبالتقسيط.

يُفْجِع، ونحن نتابع الإبادة منقولة على الهواء، أن نكون مضطرين لكل هذا الإلحاح حتى لا نسمح لـ”سُرّاق الضمير الإنساني” بتشويه معركة شعب مظلوم، مادام بيننا من يبرّرون الإبادة، ويكتبون رفضاً لمحاكمة مجرمي الحرب، ولا يُظهرون أيّ تعاطف مع الضحايا، أو يعتبرونهم خسائر هامشية. وأيضا، ماداموا لا يرون هول تحديّات تطوّق دول الإقليم، بحيث لن تكون نزوع التقسيم بعيدةً عن أحد.

طوفان الأقصى تفجّر في وجه الاحتلال، وضد الخذلان العربي الإسلامي، ولكسر التواطؤ الدولي. ولم يترك أحداً على الحياد.

الآن، وبعد عامين عن هجوم 7 أكتوبر المقاوِم، يصحّ أن نقول: طوفان الأقصى ورّط إسرائيل بأن نزَع عنها إلى الأبد رداءَ “بكائية” منحدرة من مظلومية الهولوكوست ضد اليهود، بعدما أصبح للدولة اليهودية إبادتها الخاصة، الموثّقة بألف دليل.

أيضاً، ورّط هجوم 7 أكتوبر نظاما عربيا يتمرّغ في وحلِ التطبيع، ويواجه اليوم تحديثات هائلة وحقائق مُغيّبة عن طبيعة هذه الدولة الاحتلالية التوسعيّة. كما ورّط غرباً جعله في حالة صدام مع قيمٍ تدوسها إسرائيل التي طالما اعتبروها “جنّة ديمقراطية في منطقة قاحلة”.

بهذا المعنى، يكون طوفان الأقصى “تغييرا لوجه الشرق الأوسط” عن حقّ، بقرار المقاومة، وليس كما يريد نتنياهو. إسرائيل لن تعود كما كانت وقد خسرت “امتياز” ابتزاز العالم بسبب التاريخ العُنفي للغرب ضد اليهود. والنظام العربي أيضا، وفاعلون إقليميون آخرون، تتحرك الأرض من تحت أرجلهم، ولن تستقر مادامت مقاديرُ 7 أكتوبر تتفاعل. وغربٌ يخسر من رصيده الرمزي وهو يناقض مقولات كبرى أسست للنظام العالمي المتهالك.

إسرائيل تتحدث بشكل صريح عن أهدافها التوسّعية، وتفعل الأفاعيل على الأرض تنزيلا لأراجيف متطرفيها.

تسمع وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش يتحدث قبل أيام (الأربعاء 17 شتنبر) عن تحويل غزة إلى مشروع استثماري، وأنه “بُحِث مع واشنطن، وتجري مناقشة تقسيم النسب على الأرض” (هكذا)، لتدرك حجم القُبح، حين يصير مصير شعب يُبادُ مجرّد حصص. ولمن لا يريد أن يصدّق من عربٍ خفّ وزنهم فاستُخِفَّ بهم، يؤكد الوزير الإسرائيلي المتطرف: “أنا لا أمزح.. دفعنا الكثير من المال في هذه الحرب. لقد أنجزنا بالفعل مرحلة الهدم.. والآن يجب أن نبدأ البناء”.

كل هذا العدوان الكلامي المدعوم بالأفعال تُقابِله “رخاوة” عربية. ما يتفوّه به متطرفو حكومة اليمين في إسرائيل له ارتدادات على أنظمة كانت تعتقد أنها بعيدة عن “خراب مالطا/ غزة”.

الجاري حربٌ واسعة وممتدة، لا تحتاج تحشيدات جنود مادامت تحقّق أغراضها بالضرب الخاطف والقضم المتدرّج للمساحات، الجغرافية والسياسية.

الهوس باحتلال أراضي الآخرين يقضمُ من سوريا التي تعيد واشنطن صياغتها لأداء وظيفة “حارس” خاصرة إسرائيل في الشمال الشرقي، ويرهق لبنان لتجريده من مقاومته بعد إنهاك حزب الله، فيما تطْرقُ إجراءات استيطانية عدوانية في الضفة الغربية باب الأردن، وتكاد إسرائيل تكسر النافذة على مصر بالتهجير القسري من غزة. وإذا ما نجحت كل هذه الترتيبات، ستعاني هذه الدول أضرارا غير قابلة للإصلاح. وكلما تأخّر الرد كان أكثر كُلفة. وحينها سيكون المشهدُ أشبه بلعبة دومينو لن يستطيع أحدٌ الزعم بتوقّع مداها.

قُصف الدوحة كان “باكورة” الاستباحة، وهدَفَ إلى تبليغ رسالة شديدة اللهجة للانكفاء، و”عدم الإزعاج” في لحظة إعادة رسم الخرائط.

ورغم أن المشهد يكاد يكون صارخاً بالعدوان، اجتمع قادة الدول العربية والإسلامية وتفرّقوا بلا قرارات تُظهر أن الكأس فاضَ بمن يدخلون الزمن الإسرائيلي باستسلام.

وقد يأتي على الناس زمان يجولُ مجرم الحرب نتنياهو في المنطقة العربية لجمع ملايير الدولارات، كما يفعل ترامب اليوم، وقد يرشّحونه لجائزة نوبل.

اجتماعُ الدوحة كان فرصةً مهدورةً لبداية تصويب اختلال شديد، بردّ يكون متناسباً مع حجم الاستهداف للجغرافيا العربية، التي تَرَسَّمَ تَهَتُّكُها إسرائيلياً، وتأكد أنها بأنظمتها، السلطوية وغير السيادية، توفرّ “قابلية الاستعمار”.

ولأنهم بلا وزن، تصرّف نتنياهو بوفرة راحة يوم اجتماعهم بعد أن تحصّل على ما يكفي من دعم أمريكي لن يكون يوماً في صالح العرب. وزير الخارجية الأمريكي روبيو، الذي “تخشّع” في حضرة الحاخامات أمام حائط المبكي، أكد أن إسرائيل هي الشريك الوحيد والأوثق لواشنطن، موجهاً بذلك الكلام إلى رؤساء وممثلي قادة 57 دولة خطبوا طويلا في الدوحة دون أن يتخذوا موقفاً، وأصدروا بيانا غرَقَ في المناشدات و”دعوة جميع الدول إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني (..)، وتعليق تزويدها بالأسلحة والذخائر والمواد العسكرية أو نقلها أو عبورها (..) ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها”. تقرأ هذا البند مثلا وتحاول أن استيعاب إلى من تتوجّه الدعوة. ثم تتذكّر أن دولا عربية، بينها المغرب والإمارات ومصر والأردن والبحرين، معنيةٌ به أكثر من غيرها، وأنه يُلزِمها قبل “جميع الدول”، وأن سفن تسليح الإبادة في غزة تعبر موانئها.

واشنطن سنَدَت نتنياهو بعد العدوان على قطر من خلال رسالة زيارة روبيو، لذلك لم تنتظر إسرائيل كثيرا للردّ على كل ذلك الإنشاء في بيان قمة الدوحة بتوسيع عملياتها في مدينة غزة.

قصارى القول

وقد هدأت العاصفةُ، نعود لنستمع لكلام الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، الذي حذّر من أن السماح باستمرار العربدة الإسرائيلية من شأنه تهديد عروش وأنظمة.

لا يهتمّ كاتبُ هذه المقالة بأي سجال يفتقد للمعنى والأخلاق مع من “يعتاش من ضرب لحجر”. يهمّ أن ننظر في معنى المواطنة، والاستقلال الوطني، والسيادة. شعوب هذه الجغرافيا ( المسمّاة عربية إسلامية)، والتي تربطها بفلسطين روابط، ترى هدراً فادحاً للكرامة الإنسانية في غزة، وتعيش عجزاً عن وقف المقتلة، وترى إحجاما من دولها عن التحرك لوقف الإبادة. ثم تستفيق بعد ذلك على قصف 5 دول أعضاء في جامعة الدول العربية في يوم واحد. أضف إلى ذلك خلطة الفساد والسلطوية التي تنخر هذه الأنظمة، التي تأكّد أن كثيرا منها يفشل في ضمان السيادة في مواجهة العدوان الخارجي، وأيضا في تأمين الكرامة لمواطنيه.

هذه العناصر مجتمعةً تشكّل عناصر تهديد، وتستبطن أسباب تفجير، وتزرع بذور خطر على أنظمة وعروش.

وإذا استمرت الإبادة في غزة، وفُرِض التهجير، وأُنهيت حالة المقاومة، فإن الكُلفة على النظام العربي ستكون أعظم، واحتمال تفتّت أوطان غير بعيد، وحينها سيكون سقوط أنظمة عاجلاً عابراً في شريط أخبار أسفل الشاشة.

هذه الشعوب لن تستلم لأكذوبة أنها تعيش في “تابوت من البحر إلى البحر”. وقديماً قِيل إن “معظم النار من مستصغر الشرر”. فكيف إذا كان إبادة.