متدخلون يرصدون “الإنزلاقات الخطيرة” في مشروع قانون مجلس الصحافة

حذّر عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، كريم التاج، من “خطورة” مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، واصفًا إياه بـ”الفضيحة الحقيقية”، كون أن ما يجري اليوم يتجاوز مجرد قرار سيئ أو تصرف فردي، ليبلغ مستوى “مخطط مدبَّر بليل” أعدّته جهات تعرف جيدًا ما تريده، وفق تعبيره.
وقال التاج، في كلمة ألقاها خلال مائدة مستديرة نظمها حزب “الكتاب” يوم الأربعاء 16 يوليوز 2025 بالرباط لمناقشة مضامين مشروع القانون المذكور، إن هذا المشروع ليس وليد لحظة عابرة أو ردة فعل ظرفية، بل هو تتويج لمسار طويل من التحضيرات والتراكمات، يرمي في نهاية المطاف إلى تفريغ فلسفة التنظيم الذاتي للصحافة من مضمونها، وتحويله إلى أداة في يد السلطة ورأس المال، بدل أن يكون أداة لضمان استقلالية المهنة وخدمة الصالح العام.
واعتبر القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن التحول الذي يُراد فرضه اليوم “يمثّل تراجعًا خطيرًا عن المكتسبات التي تحققت في السنوات الماضية”، مشيرًا إلى أن الفكرة الجوهرية للتنظيم الذاتي للمهنة الصحافية لم تكن شكلية، بل كانت مؤسسة على مرجعيات واضحة، أبرزها لقاء الصخيرات سنة 2005، وما راكمه من مبادئ وتوصيات وإجماع وطني.
ركائز محورية
وأوضح المتحدث أن الفلسفة التي حكمت مرحلة الإصلاح السابقة كانت تعتبر الصحافة ركيزة أساسية في المشروع الديمقراطي، مشددًا على أن المبادرة الإصلاحية التي انطلقت آنذاك استندت إلى ثلاث ركائز محورية:
- أولًا، إصلاح المقاولة الصحافية، حيث تم التركيز على دعم النموذج الاقتصادي للصحف، وتشجيع المقروئية، ومعالجة الإشكالات المرتبطة بالتوزيع والموارد البشرية.
وأشار التاج في هذا الصدد إلى توقيع عقد برنامج بين الحكومة وفيدرالية ناشري الصحف، إلى جانب إبرام اتفاقية جماعية لتحسين أوضاع الصحافيين والعاملين في القطاع، كما تم إحداث مكتب للتحقق من رواج الصحف، ووضع عدد من الضوابط بهدف ضمان الشفافية والعدالة في توزيع الدعم العمومي.
- ثانيًا، البعد القانوني، حيث جرى العمل على إعداد منظومة تشريعية تؤطر حرية الصحافة، وتضمن التعددية، وتُوفر الحماية المهنية والقانونية للصحفيات والصحافيين.
وأكد التاج أن هذا الورش تم عبر حوار منظم وجدي بين الدولة وممثلي الجسم الصحافي، رغم ما رافقه من صعوبات وتحديات.
- ثالثًا، التنظيم الذاتي للمهنة، وهو ما وصفه التاج بـ”البعد المركزي” في عملية الإصلاح، معتبرًا أن ضمان استقلالية الصحافة لا يمكن أن يتحقق دون تمكين الجسم المهني من تنظيم نفسه بعيدًا عن تدخلات السلطة أو تأثير رأس المال.
وأكد في هذا الجانب، أن التنظيم الذاتي لم يكن مجرد شعار، بل كان آلية عملية لحماية حرية التعبير وتحصين المهنة من الانزلاقات، انسجامًا مع المبادئ الديمقراطية وخدمةً للمجتمع.
ومن جهته، قال مدير الأخبار بصحيفة “صوت المغرب”، يونس مسكين، إن مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يتضمن ثلاث نقط “خطيرة”، مؤكدًا أن وجود نقطة واحدة فقط منها “كافٍ لجعل هذا النص كارثيًا بصيغته الحالية، فما بالك إذا اجتمعت الثلاث”.
انحراف خطير
وعبّر مسكين، في هذا الصدد، عن قلقه البالغ إزاء ما وصفه بـ”الانحراف الخطير” في فلسفة التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة.
واعتبر المتحدث أن النقطة الأولى تتعلق بـ”إقصاء الجمهور من آليات التنظيم والرقابة”، مشددًا على أن “الإعلام ليس شأنًا مهنيًا صرفًا ولا شأنًا سلطويًا محضًا، بل علاقة تفاعلية بين الصحافي والمعلومة من جهة، والمواطن من جهة أخرى”.
وأوضح أن التنظيم الذاتي جاء أساسًا لحماية الجمهور من انزلاقات الصحافة مع الحفاظ على استقلاليتها، وليس لحماية الصحافيين أو الدولة فقط، مبرزا أنه تم إقصاء الجمهور وتُركت الصحافة للمهنيين فقط أو للسلطة، “وبالتالي لم نعد أمام تنظيم ذاتي حقيقي للمهنة”.
وتوقف عند المادة الخامسة من مشروع القانون، منتقدًا ما اعتبره تراجعًا مقلقًا من خلال “استبعاد تمثيل المجتمع المدني الحقيقي”، وتعويضه بثلاثة ممثلين عن مؤسسات رسمية هي: المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وقال في هذا الجانب: “لقد تم إخراج ممثلي جمعية هيئات المحامين واتحاد كتاب المغرب، وهما الهيئتان اللتان كانتا تجسّدان سابقًا حضور الضمير المجتمعي داخل المجلس”، مشددًا على أن هذا التحول “يمسّ جوهر فلسفة التنظيم الذاتي، ويجعل المجلس امتدادًا لبيروقراطية الدولة بدل أن يكون فضاءً مستقلًا يعكس نبض المجتمع”.
وصاية الرأسمال على الأخلاقيات
أما النقطة الثانية، فاعتبرها يونس مسكين “المفارقة الأخطر”، عبر منح رأس المال دورًا في تخليق المجال الصحافي، وقال إن “المادة 43 من المشروع تنص على أن ممثلي الناشرين داخل المجلس سيتم انتدابهم من خلال منظمة مهنية لا تقترح إلا من توفرت فيه شروط مالية واقتصادية، أي أن الناشرين الأكثر رقمًا في المعاملات، والأكثر عددًا في الأجراء، هم من سيتأهلون لعضوية المجلس”.
وأضاف: “نحن أمام منطق قانوني يكافئ القوة المالية لا المهنية ولا الالتزام الأخلاقي”، محذرًا من منطق “الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة”، الذي يمنح من وصفهم بـ”مواليد هذا الزواج” شرعية تنظيم المجال الصحافي.
وتابع أن “الرأسمال، بحسب جميع نظريات الاقتصاد السياسي، ليس فاعلًا أخلاقيًا، بل هو أعور أخلاقيًا، لا يرى إلا ما يخدم الربح ويعظّم الحصة السوقية”، متسائلًا باستنكار، “كيف يُعقل أن نمنح للمقاولات الإعلامية الكبرى، التي تستفيد جزئيًا أو كليًا من الريع العمومي والإشهاري، حق صياغة مدونة الأخلاقيات؟”.
حجب المنابر
أما النقطة الثالثة والأخيرة، فقد خصصها مسكين لما اعتبره “خطورة منح المجلس التنظيمي سلطة حجب المنابر الإعلامية كعقوبة إدارية دون تحديد دقيق للأفعال التي تستوجب ذلك”.
وأوضح أن الحجب، في الفقه القانوني، “يُعتبر من أشد أنواع التقييد لحرية الصحافة”، بحيث لا يستهدف مضمونًا معينًا وإنما يُقصي وسيلة إعلامية كاملة من الوجود، ويعاقب الصحافيين وقرّاءهم معًا.
وأشار إلى أن القانون المغربي الحالي يتيح هذا الإجراء فقط بموجب حكم قضائي، وفقًا للمادة 104 من قانون الصحافة والنشر، التي تُحيل على أفعال محددة واردة في المواد 71، 72، و73، مثل المسّ بالإسلام أو النظام الملكي أو الوحدة الترابية.
غير أن مشروع القانون الجديد يضيف مسكين “يُعطي المجلس التنظيمي صلاحية الحجب دون تحديد الأفعال ولا الإحالة على النصوص القانونية، ما يفتح الباب أمام تعسف محتمل واستعمال العقوبة لتصفية الحسابات أو التضييق على حرية النقد والمساءلة”.
وشدد على أن “الحجب في التجارب الديمقراطية لا يمكن أن يتم إلا بقرار قضائي نهائي معلّل، مع ضمان الحق في الدفاع والطعن على درجتين من التقاضي”، معتبرًا أن ما جاء به المشروع يشكل “مخالفة صريحة للمعايير الدولية ولمقتضيات الدستور المغربي نفسه”.
وخلص مدير الأخبار بصحيفة “صوت المغرب”، إلى التأكيد أن مشروع القانون، في صيغته الحالية، يُعد “انزلاقًا تشريعيًا خطيرًا” يهدد جوهر التنظيم الذاتي للمهنة ويحوّله إلى آلية رقابية تخدم السلطة ورأس المال، بدل أن تكون أداة لحماية حرية الصحافة وخدمة المجتمع، مشددًا على ضرورة “إعادة النظر الجذرية في فلسفة هذا المشروع قبل المصادقة عليه”.