story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

مادلين.. سفينة الحرية التي تحدت الصمت لكسر الحصار عن غزة

ص ص

“نجازف بحياتنا في وجه الصمت”. بهذه العبارة أوضحت الناشطة البيئية السويدية غريثا ثونبرغ، وهي واحدة من 12 نشاطاً أبحروا على متن السفينة “مادلين” باتجاه غزة، الهدف من مبادرة إنسانية سعت إلى كسر الحصار المفروض على القطاع المدمر، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية وتجويع ممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023.

ويؤكد ذلك محمود أبو عودة المسؤول الإعلامي في تحالف أسطول الحرية ومقره ألمانيا، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”. ويقول: “هدف أسطول الحرية هو كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية لأهلها الذين هم في أمس الحاجة إليها”.

ليست سوى البداية

بعد 8 أيام من إبحار السفينة التي انطلقت، يوم الأحد 1 يونيو 2025، من ميناء كاتانيا الإيطالي، وهي تحمل نشطاء من جنسيات متعددة، ومساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدات الطبية، وصلت مادلين إلى قبالة السواحل المصرية وسط متابعة عالمية، مع مشاعر مزجت بين الأمل في وطئ أقدام المتضانين رمال شواطئ غزة، ومرارة توقع اعتراض طريقهم من قبل جيش لا يخجل من ارتكاب أية جريمة.

في ليلة سادها الترقب والتوتر على متن السفينة، وحول مختلف العالم في أوساط المتابعين لرحلتها، حدث ما كان في الحسبان. خمس زوارق تحيط بالسفينة، تليها طائرات مسيرة تبدأ في إرباك النشطاء على متنها، قبل اقتراب قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي لتطلب من المتضامنين رفع أيديهم، بعدما كانوا قد استعدوا لهذه اللحظة جيداً، ورموا هواتفهم في الماء. ثم قامت القوات باختطاف السفينة واقتيادها إلى ميناء أسدود حيث وصلت صباح اليوم، قبل أسر نشطاء قافلة الحرية في سجن بمنطقة الرملة.

في هذا الصدد، يقول محمود أبو عودة المسؤول الإعلامي في التحالف الدولي لأسطول الحرية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، عن آخر المستجدات بخصوص النشطاء الـ 12: “للأسف، لا يوجد لدينا حتى الآن أي تواصل مع طاقم سفينة مادلين”.

ويضيف أبو عودة: “لا نعلم ما إذا كانوا يتعرضون للاستجواب، أو تم سجنهم، أو ما هو أسوأ من ذلك”، مشيراً إلى أن نشطاء حول العالم يتواصلون مع حكوماتهم وسفراء دولهم للضغط على إسرائيل من أجل الإفراج الفوري عن الطاقم. ومع ذلك “لم يحدث أي شيء حتى الآن”، بحسب الناشط السياسي من أصل فلسطيني في ألمانيا، معتبراً ذلك “أمراً مخزٍ وعار على الدول الغربية، وحجة على تواطئها في الجرائم الإسرائيلية”.

ويشدد المتحدث على أن إسرائيل لا تملك أي سلطة قانونية لاحتجاز المتطوعين الدوليين على متن سفينة مادلين. وأحالنا على رأي للمحامية في تحالف أسطول الحرية حُوَيدة عراف، التي اعتبرت أن اختطاف جيش الاحتلال لسفينة مادلين واحتجاز طاقمها “انتهاك صارخ للقانون الدولي وتحدٍّ مباشر لقرارات محكمة العدل الدولية الملزِمة”، إذ أن هذه الأخيرة طالبت بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.

كما تعتبر المحامية في مجال حقوق الإنسان أنه لا يمكن تجريم هؤلاء المتطوعين بسبب إيصال المساعدات أو تحدي الحصار غير القانوني، باعتبارهم غير خاضعين للولاية القضائية الإسرائيلية، مشددة على أن “احتجازهم تعسفي وغير قانوني ويجب أن ينتهي فوراً”.

ويرى محمود أبو عودة أن قادة معظم الدول أثبتوا أنهم عاجزون عن تطبيق حتى أبسط مبادئ القانون الإنساني، مؤكداً ضرورة محاسبة إسرائيل على جميع جرائمها، وفرض العقوبات عليها.

ولفت إلى أن رحلة “مادلين” جزء من انتفاضة شعبية عالمية، بمبادرة من نشطاء “لايستطيعون الوقوف مكتوفي الأيدي بينما فشلت حكوماتهم في منع الإبادة الجماعية الجارية في غزة”، معتبراً أن فشل الحكومات يوجب تحرك حركات المجتمع المدني. وقال “هذا ما نقوم به. وسفينة ‘مادلين’ ليست سوى البداية”.

نجحت في كسر الصمت

“سفينة مادلين وصلت إلى قلوب أهل غزة منذ اللحظة التي أبحرت فيها”. يكتب الصحافي الفلسطيني أنس الشريف من داخل القطاع المحاصر تعليقاً على حدث اختطاف السفينة. ويقول: “إنها لم تحمل مجرد مساعدات أو أشخاص، بل حملت معها صوتاً أثار مأساة غزة مجدداً، بعدما ساد صمت مؤلم تجاه معاناتها”.

وعبر عدد من النشطاء عن تضامنهم مع طاقم سفينة مادلين المحتجز لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبالإضافة إلى بيانات الإدانة اختار الكثير منهم تسليط الضوء على ما حققته الرحلة الإنسانية من أهداف رمزية مثل التي عبر عنها الصحافي أنس الشريف.

وفي هذا السياق، كتب الناشط الأردني عبدالرحمان الكسار: “هدف السفينة ليس الوصول للشاطئ، بل إيصال غزة إلى كل بيت في العالم غفل عنها”. وأضاف: “كنا نعلم أن الكيان سيعترضها، لأنه مجرم جبان. يخاف من متطوعين وناشطين، وهذا ما أبحر الفريق لأجله، كي يفضحه ويعريه. المهمة تمت بنجاح باهر”.

وتمثل رحلة مادلين فعلاً سلمياً من المقاومة المدنية، وفقاً لتحالف أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، ويشدد هذا الأخير على أن جميع المتطوعين على متنها وحدتهم قناعة مشتركة بأن الفلسطينيين يستحقون نفس الحقوق والحرية والكرامة التي تتمتع بها شعوب العالم، داعياً النشطاء حول العالم لرفض الصمت واتخاذ موقف من أجل قطاع غزة.

وضمت السفينة مادلين على متنها 10 نشطاء وصحافيّين، بينهم غريتا ثونبرغ الناشطة البيئية السودية، وياسمين أكار الناشطة الألمانية من أصل كردي في مجال الدفاع عن اللاجئين وحقوق الإنسان، و6 نشطاء فرنسيين بينهم النائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن، والناشطين باسكال موريراس وريفا فيارد، ومراسل شبكة الجزيرة عمر فياض، والطبيب باتيست أندريه، والصحافي يانيس محمدي.

ويضم فريق النشطاء أيضاً كلاً من البرازيلي ثياغو أفيلا، والتركي شعيب أوردو، إلى جانب الناشطين الإسباني سيرجيو توريبيو والهولندي مارك فان رين.

وانطلقت السفينة مادلين من جزيرة صقلية بداية الشهر الجاري، بعد إخفاق محاولة سابقة بسبب هجوم إسرائيلي بطائرتين مسيرتين على سفينة “الضمير” في البحر المتوسط قبالة سواحل مالطا أوائل ماي الماضي.

ومنذ انطلاقها، عاش المتضامون على متن السفينة لحظات وثقوها خلال رحلتهم، من قبيل التوتر الذي مرو به قبالة السواحل اليونانية بعد تحليق طائرة مسيرة فوق السفينة، يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، إذ عبروا حينها عن خشيتهم تعرض الرحلة لهجوم.

كما تابع العالم كيف ساهمت السفينة مادلين، عندما خرجت عن مسارها، يوم الخميس 5 ماي 2025، من أجل إنقاذ أربعة مهاجرين سودانيين في البحر، قبل استلامهم من قبل الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) مع نحو 40 آخرين من مواطنيهم كانوا يخوضون رحلة هجرة غير نظامية هرباً من الحرب في السودان.

وفي يوم الأحد 8 يونيو الجاري، واجهت السفينة مادلين “تشويشاً إسرائيلياً خطيراً”، وفقاً لأسطول الحرية، الذي قال حينها إن السفينة التابعة له أصبحت على بعد أميال من قطاع غزة، في حين أكد الطبيب الفرنسي على متنها أن طائرات مسيرة تحلق فوقها منذ ساعات.

وقال التحالف في منشور على صفحتها بمنصة فايسبوك إن النشطاء على متن مادلين يواصلون الإبحار رغم التهديدات، حاملين رسالة العالم إلى المحاصرين في قطاع غزة: “أنتم لستم وحدكم”.

مافي مرمرة.. من ذاكرة الأسطول

وتعد مادلين السفينة رقم 36 ضمن سلسلة سفن تابعة لتحالف أسطول الحرية، وقد هددت إسرائيل مراراً باستخدام القوة لاعتراض أي سفن تحاول الوصول إلى غزة، كما سبق أن هاجمت عام 2010 السفينة “مافي مرمرة” ضمن أسطول الحرية في سواحل فلسطين، وهو ما أسفر وقتها عن استشهاد 10 مواطنين أتراك، وإصابة 56 ناشطاً واعتقال المتضامنين الذين كان بينهم مغاربة.

وضم الوفد المغربي حينها القياديين في جماعة العدل والإحسان لطفي حساني وحسن الجابري، ورئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة عبد الصمد فتحي، والقيادي السابق في حزب العدالة والتنمية عبد القادر اعمارة، والحقوقيتين البلجيكيتين من أصل مغربي فاطمة المرابطي وكنزة اليزناسي، والصحافية وسيمة بن صالح.

وتعرض النشطاء للاحتجاز والتعذيب والاستجواب ومصادرة ممتلكاتهم الخاصة، كما تمت مصادرة السفينة.

وحقق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الحادث، قبل أن يصدر في شتنبر 2011 تقريراً يدين قوات الاحتلال بانتهاك القوانين الدولية واستخدام القوة المفرطة، في حين صرحت المحكمة بأن ما قامت به إسرائيل يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب، لكن حجمه ليس كافيا لفتح تحقيق.

ومع ذلك فتحت تركيا تحقيقاً مستقلاً جاء في نتائجه أن إسرائيل قد استخدمت القوة المفرطة وانتهكت حقوق الإنسان.