لحوم فاسدة وزيوت طهي ملوثة.. إغلاق محلات للمأكولات بمدن الشمال

أسفرت عمليات المراقبة التي باشرتها اللجان المختلطة بعمالة المضيق الفنيدق، خلال الأسابيع الماضية، عن إغلاق أربعة محلات للمأكولات السريعة، بعد رصد مخالفات خطيرة تهدد صحة وسلامة المستهلكين، حيث تم ضبط لحوم فاسدة وزيوت طهي ملوثة بهذه المحلات، وذلك في ظل توافد كبير للمصطافين على مدن شمال المملكة خلال فصل الصيف.
وكشفت عمليات التفتيش، التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، عن كميات من اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية منتهية الصلاحية، بالإضافة إلى كميات كبيرة من زيوت الطهي المستعملة التي كانت معدة لإعادة البيع لمتاجر وعربات بيع غير مرخصة.
وفي هذا السياق، أعرب رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتطوان، أشرف ميمون، عن قلقه إزاء حجم الإغلاقات التي طالت محلات بين عمالة المضيق الفنيدق وإقليم تطوان، مؤكداً أن هذه القرارات جاءت نتيجة خلل كبير في احترام معايير الجودة والسلامة الصحية.
وأشار ميمون في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن الأسباب الرئيسية للإغلاق تتعلق بممارسات خطيرة، منها استخدام زيوت غير صالحة للطهي، وعرض لحوم فاسدة، والتي تُعد تهديداً مباشراً لصحة المستهلكين.
كما نبه إلى أن مستوى النظافة في عدد من هذه المحلات كان متدنياً للغاية، ما يستدعي اتخاذ قرارات إدارية صارمة، إلى جانب نشر تقارير رسمية توضح نتائج هذه التدخلات، مع إشراك السلطات الصحية لمتابعة الأضرار المحتملة التي قد تطال عددا من المواطنين جراء استهلاكهم لمواد فاسدة.
إعادة النظر في العقوبات
وشدد المتحدث على عدم معقولية إعادة فتح بعض هذه المحلات بعد فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع أو العشرة أيام، مؤكداً أن المخالفات لا تقتصر على تجاوز بسيط بل تمثل خطراً حقيقياً على الصحة العمومية.
واعتبر ميمون أن الأمر يستوجب تدخلاً تشريعياً يعيد النظر في العقوبات المطبقة حالياً، التي وصفها بالبسيطة وغير الرادعة، داعياً إلى اعتماد إجراءات أكثر صرامة تشمل سحب الرخص بشكل نهائي، فرض غرامات مالية كبيرة، وفتح تحقيقات جادة للكشف عن حالات تسمم لم يتم التبليغ عنها، وتحميل المسؤوليات للمتورطين دون تهاون.
وفي ما يخص حملات المراقبة والتنسيق بين مختلف المتدخلين على مستوى عمالة المضيق الفنيدق وإقليم تطوان، أكد ميمون أن وتيرة الحملات في الفترة الأخيرة “تعتبر مقبولة ومحمودة نسبياً”، غير أنه شدد على ضرورة أن يكون هذا العمل منظماً، مستمراً ومُؤسساً، لا أن يقتصر على فترات العطل الصيفية أو حملات ظرفية فقط.
وأشار إلى أن الرهان كبير وخطير، لأنه يرتبط مباشرة بصحة المواطنين، معتبراً أن تكثيف حملات المراقبة ومأسستها بشكل شفاف وعادل ضرورة ملحة، يجب أن تشمل جميع المحلات بدون استثناء، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بما فيها سلاسل المطاعم الكبرى مثل “ماكدونالدز” وغيرها، لتفادي الانطباع بوجود انتقائية أو تمييز في تطبيق القوانين.
موسمية ومحدودة
من جانبه، أكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، أن مشكلة مراقبة المنتجات الغذائية في المغرب لم تعد مجرد مسألة عادية، بل تحولت إلى معضلة حقيقية تهدد حماية المستهلك، في ظل وجود فراغ واسع على مستوى الرقابة الصحية.
وأوضح الخراطي في حديث لصحيفة “صوت المغرب” أن الحملات التفتيشية التي تقوم بها اللجان المشتركة تظل موسمية ومحدودة، وغالبًا ما تكشف عن تجاوزات كبيرة، لكنها لا تعكس سوى جزءا بسيطا مما يحدث فعليًا خارج أوقات هذه الحملات.
وأشار إلى أن التغذية غير المراقبة باتت تشكل تهديدًا مباشرًا ليس فقط على صحة المستهلك، بل على الاقتصاد الوطني أيضًا، خاصة مع الانفتاح الكبير الذي شهده المغرب على السياحة، التي تعتمد بشكل كبير على جودة وسلامة الأغذية.
ورغم ذلك، يضيف المتحدث، تظل منظومة التغذية في البلاد غير منظمة وغير مراقبة بفعالية، بسبب تعدد الجهات المتدخلة، وعدم وضوح المسؤوليات.
مؤسسة حماية المستهلك
وشدد الخراطي على وجود تضارب في الاختصاصات بين المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) والمكاتب الصحية الجماعية، ما يؤدي إلى فراغ في الرقابة، مضيفا أن حالات التسمم تُطرح فيها تساؤلات قانونية حول الجهة المسؤولة، “ففي حين يفترض قانونيًا أن مكتب (أونسا) هو المسؤول، إلا أنه لا يتدخل دائمًا، وبالمقابل يعتمد دور الطبيب الجماعي على الصحة العامة فقط وليس على مراقبة الأغذية”.
وأكد المتحدث على ضرورة تعاون الطرفين، لكنه أشار إلى أن الحل الأمثل يكمن في إنشاء مؤسسة موحدة لحماية المستهلك، على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة، حيث توجد هيئات رقابية قوية تبرز بين الفينة والأخرى بأدوار فعالة وشفافة تحظى باهتمام إعلامي دولي.
وأعرب الخراطي عن أسفه لافتقار القطاع إلى وسائل علمية ومهنية حقيقية تمكن من حماية المستهلك بشكل فعال، مشيرًا إلى أن الكثير من العاملين في قطاع التغذية يفتقرون إلى المؤهلات والتكوين المعتمد، بعكس مهن أخرى تتطلب شهادات ودبلومات، ما يضاعف المخاطر الصحية، ويزيد من حاجة البلاد إلى إصلاح جذري لضمان سلامة الغذاء وصحة المواطنين.