story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

كرة القدم والسياسة: المغرب والجزائر يتواجهان في مباراة مشحونة

ص ص

شاءت قرعة إقصائيات الألعاب الأولمبية لسنة 1980، أن يقع المغرب والجزائر في مواجهة بعضهما وسط أجواء سياسية مشحونة بين البلدين، كان اشتعال فتيلها قد انطلق إثر النزاع الحدودي بعد استقلال الجزائر الذي تسبب في حرب الرمال وما تلاها من زرع بذور أحقاد بين النظامين، بلغ ذروته بعد استرجاع المغرب لصحرائه من الإحتلال الإسباني، وطرد الجزائر لآلاف من المغاربة المقيمين عندها كرد فعل على تنظيم الحسن الثاني للمسيرة الخضراء، ودعمها السياسي والدبلوماسي والعسكري لجبهة البوليساريو في حربها من أجل انفصال الصحراء عن المغرب.

استنفار نظام البلدين

كانت المواجهة الكروية بالنسبة للنظامين في المغرب والجزائر، فرصة ذهبية لتوجيه صفعة للطرف الآخر، والإنتقام من خسائر تكبدها أحدهما ضد الآخر في الحرب الباردة التي كانت تدور على عدة مستويات.

في المغرب أصدر الملك الراحل الحسن الثاني شخصيا تعليماته لرئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم آنذاك الكولونيل المهدي بلمجذوب ومدرب المنتخب كي كليزو باستدعاء جميع اللاعبين الذين تألقوا في فترة السبعينات وحازوا على اللقب الإفريقي الوحيد سنة 1976 والتوجه بهم في معسكر مغلق إلى إسبانيا استعدادا للمواجهة الحاسمة.

وفي الجزائر قام نظام الجنرالات في قصر المرادية باستدعاء وفد المنتخب الجزائري المتوجه إلى الدار البيضاء، واستقبله الرئيس الشاذلي بن جديد، وحث المدرب واللاعبين على “اللعب من أجل هيبة الجزائر”، ووعدهم بمكافآت سخية في حال العودة بالإنتصار.

يوم المباراة

في زوال التاسع من دجنبر 1979 وقبل انطلاقة المباراة بساعتين تقريبا، حطت طائرة هليكوبتر على مقربة من فندق «سامير» بالمحمدية، حيث كان المنتخب الوطني يقيم معسكره التحضيري استعدادا لملاقاة الجزائر، وعلى الفور نزل الجنرال حسني بنسليمان، وأمر المدرب بمرافقته على متن الطائرة ذاتها إلى القصر تلبية لدعوة الملك الراحل الحسن الثاني، هناك تلقى كليزو آخر التعليمات، وقدم مبررات وضع التشكيلة النهائية التي ستواجه الجزائر.

ويروي من عيش تلك المباراة إن هاتفا خاصا قد وضع بإحدى قاعات الملعب الشرفي من أجل استقبال مكالمات الحسن الثاني، كما وُجِدَ كل من الوزير الأول ووزير العدل المعطي بوعبيد، رفقة إدريس البصري، وزير الداخلية، وعبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة، جنبا إلى جنب مع المدرب في مستودع الملابس.

لم يرافق المدرب كليزو لاعبيه في ما بين الشوطين، حيث تلقى مكالمة من الملك الراحل كلها لوم وعتاب، خاصة حول بعض مكونات تشكيلته، أما اللاعبون فعاشوا حالة ذهول قصوى، وظلوا يبحثون عن مدرب يقدم توجيهات اللحظة الأخيرة دون جدوى، ومع صافرة الحكم عاد كليزو سريعا إلى مستودع الملابس، ليرافق اللاعبين نحو رقعة الملعب كجزء من أثاث المباراة.

في الملعب كانت المدرجات ممتلئة بـ 90,000 متفرج، وصرح المدافع المغربي أحمد ليمان لحظات قبل المباراة أن: “جنودنا يقاتلون في جبهة الجنوب، ونحن سنقاتل في ساحة الملعب!”

كان الإعتقاد سائدا في المغرب أن زملاء الأسطورة أحمد فرس هم أكثر قيمة كروية وتجربة، ولم يكن أحد يضرب حسابا لجيل جزائري صاعد تحت قيادة المدرب فرجاني، ولاعبين شباب مثل بلومي ومادجر. تلك التي ستدحر ألمانيا الغربية بعد ثلاث سنوات في كأس العالم بإسبانيا.

الضغط يهزم المغاربة

لم يستغرق الأمر أكثر من 16 دقيقة ليسجل الجزائريون هدفي السبق عن طريق لاعب مغمور إسمه بنساولا. ومع الضغط السياسي وإنزال التعليمات التي واجهها لاعبو المنتخب المغربي، ورغبتهم الشديدة في الفوز بأي ثمن، تركوا مساحات كبيرة للمهاجمين الجزائريين . رغم أن الأسود قلصوا الفارق عن طريق ليمان من ضربة جزاء، إلا أنهم استسلموا لثلاث أهداف أخرى (بنسوالا، غمري، أسعد) في الشوط الثاني (النتيجة النهائية 1-5). وتحول الرغبة في “الانتقام” إلى هزيمة كبيرة. ويتذكر الصحفي المغربي نجيب السالمي أن “الجمهور الحاضر عند خروجه من الملعب، انتظم في مسيرة جنائزية، . وقاموا بتصميم نعش، ولفوه بالكفن، وزينوه بعبارة: هنا ترقد كرة القدم”.

كان كل من النظامين يسعيان لتحويل المستطيل الأخضر إلى ساحة معركة، لكن الشعبان المغربي والجزائري رفضا الدخول على خط المواجهة. ويقول فركاني مدرب المنتخب الجزائري ، أن لاعبيه “ذهبوا في اليوم الموالي لانتصارهم، للتسوق في المدينة القديمة للدار البيضاء فأكرمهم التجار الشرفاء الذين رفضوا تلقي أي دينار من أعضاء وفدنا”. ويقول النجم الجزائري السابق لخضر بلومي “لقد حاولت سلطات بلدنا تحفيزنا بشكل مبالغ فيه خلال استقبالنا من طرف الرئيس الشاذلي بن جديد الذي قال لنا إننا نلعب من أجل الوطن. لكن في الحقيقة، لم نشعر أننا معنيون حقًا بهذه القصة، مثلما كان الحال مع كل الشعب الجزائري. بالنسبة لنا، كان المغاربة إخوة لنا.”

البُعد السياسي الذي أعطاه كل من نظامي الجزائر والرباط لهذه المباراة دفع صحيفة “لو موند” إلى نشر تقرير عن هذه المباراة في صفحاتها الدولية. وعنونت الصحيفة في عددها المسائي: “عندما يخسر المغرب على أرض الملعب”، مع عنوان فرعي “الصحراء – كرة القدم”. وبسبب الغضب من هزيمة أسود الأطلس، قرر الملك الحسن الثاني حل جامعة الكرة والقيام بتغييرات جذرية في لاعبي الفريق الوطني المغربي، وستكون هذه الهزيمة التاريخية بمثابة ولادة جيل ذهبي مغربي جديد يشكله محمد التيمومي، وبادو الزاكي وعزيز بودربالة وآخرون ممن صنعوا إنجاز مونديال المكسيك عام 1986، إذا أصبح أسود الأطلس أول منتخب أفريقي يصل إلى دور الـ16 في كأس العالم.