كرامة.. حرية.. عدالة اجتماعية؟

من أزمة مستشفى أكادير إلى ديسكورد، ثم إلى الشارع ما الذي ينتظره الشباب المغربي؟ ماذا يريد جيل Z ؟
قبل شهر، انفجرت قنينة غاز، بمنزل بأزرو، فاحترق زوجان. نقلا في البداية إلى المستشفى الإقليمي بأزرو، ثم إلى المستشفى الإقليمي بإفران، ثم إلى مستشفى مكناس حيث التقيا بالوزير، فأمر بنقلهما إلى المركز الوطني المحروقين بالدارالبيضاء.
كانت إحدى المنابر “الإعلامية” الالكترونية، تطبل وتصفق وتشيد بالمبادرة البطولية التي قام بها الفارس المغوار، المسؤول عن القطاع، السيد الوزير لعلاج هذين المريضين.
بعد أن قامت قناة كوتوكوتو تسليط الضوء على معاناتهم.. وزير الصحة يتكلف بنقل الأسرة بأكملها الى الدار البيضاء للعلاج بقسم الحروق. وكوني طبيبة بمركز المحروقين ذاته، تلقينا بالفعل هذين المريضين.
حروق من الدرجة الثانية، سطحية، دون أي علامة من علامات التعفن، وهي من المضاعفات المبكرة عند المريض المحروق تظهر خاصة إن لم تكن الرعاية الأولية ملائمة. وهذا دليل على أن العلاج الأولي عند هذين المريضين كان مناسبا، كما أن درجة حروقهما، سطحية ولا تستدعى تدخلا جراحيا يبرر نقلهما إلى مركز استشفائي رابع، ولمسافة تزيد عن 300 كم. وبكل صراحة، لا يقدم العلم الحديث في طب الحروق أصلا شيئا أكثر مما حظوا به في إقليمهم.
المهم، في إطار التكفل بالعلاج الذي تحدث عنه “خوتنا في الله”، تم إرسال علبتي محلول ملحي (السيروم) مع المريضين. نعم علبتان تحتويان على محلول مكون من ماء وأملاح.. فقط، لا غير. وكأن جلدها سينبت بمجرد أن ترتروي أوردتهما بالماء والملح.
للإشارة، المركز الوطني للمحروقين، يفتقر بدوره للمعدات والمراهم الأساسية والمضادات الحيوية اللازمة، لرعاية مريض محروق. أي أن “الخوخ ما داوا حتى راسو” أما عن التكفل بالعلاج، فقد توقف هنا.
لم يأت أي مسؤول بعد ذلك للسؤال عن المريضين، أو توفير ما يحتاجانه من أدوية ومستلزمات أخرى من مأكل وملبس. فبمجرد أن أنهوا مشهدهم الاستعراضي البطولي أمام منبرهم الإعلامي المطبل، تواروا عن الأنظار وتبخروا. 300 كلم تلك التي قطعها المريضان، وحدهما (أي دون مرافقيهم من الأهل).
هؤلاء، لحقوا بهما في اليوم الموالي، من أزرو إلى البيضاء. وأتساءل إن كانت هناك وسيلة نقل عمومية مباشرة تربط المنطقتين. وأتساءل أيضا إن كان لهم مبيت أيضا، خلال مدة نزولهم بالمدينة.
تلقينا تعليمات بعدم إعطاء أي وصفة طبية للمريضين. ولم نتلق في المقابل أي مبادرة مؤسساتية توفر لهما فعلا ما يلزم للعلاج، أو تتأكد على الأقل، إن كانت المصلحة تتوفر على ما يلزمهما.
الحاصول.. قام بعض المحسنين تحت طلب من المساعِدة الاجتماعية للمستشفى، باقتناء الأدوية اللازمة للمريضين المرحَّلين، وما تبقى من مراهم تجميلية -باهضة الثمن- فقد اكتفينا بعيّنات طبية من تلك التي يضعها ممثلي شركات الأدوية مجانا في المصالح.
أمام الملأ، حاول الوزير أن يلعب دور السوبرمان ببذلة وربطة عنق. فالمهم في هذا كله، هو الوزير وصورته. المهم أن يرى فيه المواطنون بسالة الشجعان في اتخاد قرارات هكذا حزم، وإصدار أوامر هكذا قطع.
لكن لو تراجعنا للخلف قليلا وأبصرنا المشهد بعين النقد، لوجدت أن في طريقة التدبير هذه تعدّ على المريضين وأسرهم. هو بالفعل حادث مرعب ومأساوي، آثاره النفسية شديدة. لكن لحسن الحظ كانت أضراره الجسدية محدودة. وكان من باب الحكمة، والحكامة، التأكد من أهل الاختصاص أولا، إن كان في نقلهما منفعة إضافية، أو منفعة أصلا، بدل أن يتم “تجرجيرهما” وذويهم، 300 كلم أخرى وهما محروقي الأطراف.
أتذكر منظر الأم، في باب المصلحة، وهي سيدة مسنة، قادمة من أزرو لتزور ابنها وزوجته، وفي يدها قفة أكل لهما لا شك أنها عبرت معها المشوار كله. هل تكلف السيد الوزير بمصاريف نقلها، ومبيتها؟ أم أنه أصدر قراره أمام عدسة قناة “كوتوكوتو”، وركب سيارة الدولة و”زاد مع الطريق”؟ ولم اختار ذلك المنبر الاعلامي بالضبط؟ لِمَ لَم يلق الخبر أية تغطية من باقي المنابر؟ أخوفا من أن يتم تتبع الأحداث عن قرب وبمصداقية؟ أم كي لا يسائله أحد لم تم نقل المريضين من مصلحة المحروقين بمكناس إلى مصلحة بنفس التخصص بالدارالبيضاء؟
في حوار لي مع أخ المريض، سألته بعفوية، هل أنتم من اقترح على الوزير النقل إلى الدارالبيضاء؟ ما المشاكل التي واجهتم بأزرو ومكناس؟ فرد دون تفكير: الاهمال أختي أجبت: ما الذي تسميه إهمالا؟ لأن المريضين جاءا بضمادات وحروق نظيفة، وهذا يعني أنه تم الاعتناء بها، لأن جسدا بدون جلد يتعفن بسرعة، قال: في الصراحة، كانا يتألمان بشدة، ولم نكن نجد أحدا لنتواصل معه. لم نكن نعرف ما يكفي عن حالتهما الصحية. كنا جد خائفين عليهما.
الحادث كان بالفعل مأساويا. كان هناك مشكل تواصل مع الفريق الطبي والشبه طبي. وكان مشكل تفهم وتفاعل مع انتظارات مريض ومحيط، راكم خيبات بالجملة، في ميادين عدة، على رأسها الصحة، فلم يجد بنيات تحتية متكاملة الأركان والموارد، ولا برامج صحية توعوية تعزز وعيه الصحي، وتقيه من الآفات، أو تنمي ثقته بمؤسساته الصحية، والفاعلين فيها.
الأمرّ أنه لم يجد تعليما يستثمر في وعيه. لم يجد للاسف، سوى مسؤول بدل أن يفهم احتياجه ويراعي ضعفه، ويتدخل برزانة من أجل التدبير والتأطير، يكركبه لأزيد من 300 كلم، لكي “يتبورد على ظهرو”.
أظن، -وكم أتمنى أن أخطئ الظن- أن نفس القصة ستعاد مع الأب الذي حمل رضيعته في الاحتجاج أمام مستشفى أكادير، فأمر الوزير بنقله إلى الرباط. سيدي الوزير، رجاء، إن أردت إرسال مريض من منطقة A, الى منطقة O، تأكد أن الطريق معبدة، وأن سيارة الإسعاف مجهزة. تأكد أن المؤسسة الصحية حيث تود إرساله طاقتها الاستعابية تسمح بذلك، وبها ما يكفي من الأطر والموارد البشرية، والأجهزة والمعدات الصالحة للاستعمال. تأكد أن وزارتك تمدها بما يكفي من الأدوية.
رجاء، تأكد، ولا تستند فقط إلى لغة الأرقام، لأن حتى لي خاسر كيحسبوه. قبل أن تنقله، تأكد أن قطاعك قادر بالفعل على الانصات اليه، واحتوائه، والاستماع لمخاوفه، ورعاية صحته بالشكل الذي يصونه وكرامته.
تأكد أن قطاعك سينصفه إن خانته الصحة، ونهشه الفقر.
وإلى حين التأكد سيدي الوزير… حرية… كرامة… عدالة اجتماعية !