story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
حكومة |

قراءة حقوقية تُعدّد إخفاقات حكومة أخنوش في تنزيل “الدولة الاجتماعية”

ص ص

في سياق شعار “الدولة الاجتماعية”، الذي ترفعه حكومة عزيز أخنوش، لا يزال الجدل قائمًا حول مدى تجسيد هذا الشعار في السياسات العمومية. فبين أرقام يقدمها خطاب حزبي بوصفها إنجازات كبرى، وواقع اجتماعي يتسم بتنامي الهشاشة واتساع الفوارق، تطرح تساؤلات جوهرية حول حقيقة النموذج الاجتماعي الذي تسير عليه الحكومة الحالية.

ومن مظاهر هذا الخطاب، كان حديث عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عن كون حزبه “يبقى الفريق المناسب والأفضل والقادر على التنزيل الأمثل لمفهوم الدولة الاجتماعية بالمغرب”.

ويقول أخنوش إن حزبه نزل إلى الميدان “لاستكشاف الواقع والإنجازات والتحديات التي ما تزال قائمة، مع العمل على التقرب من المواطنين والاستماع إلى مطالبهم”، معتبرا أن هؤلاء وثقوا فيه، “وسبق له أن قدم لهم وعدًا بأنهم يستحقون الأفضل”، مستعرضًا أرقامًا تتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر بوصفها إنجازات.

في مقابل ذلك، يشير عمر أربيب، فاعل حقوقي مهتم بقضايا العدالة الاجتماعية، إلى أن مفهوم “الدولة الاجتماعية” لا يمكن اختزاله في دعم مباشر أو تحويلات مالية ظرفية، بل يقوم على منظومة متكاملة من الحقوق، في مقدمتها الحق في الشغل، والسكن اللائق، والصحة، والتعليم، والحماية من الشيخوخة.

ويؤكد أربيب، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن “الدعم المباشر” الحالي ليس دعمًا فعليًا، معتبراً أنه “لا يرقى إلى التزامات الدولة تجاه الفئات الأكثر هشاشة، والتي كان من المفترض أن تحظى بأولوية قصوى”. وبالتالي، يضيف، فإن شعار الدولة الاجتماعية “يبقى مجرد أداة للاستهلاك السياسي، دون أثر حقيقي على أرض الواقع”، ويستعرض من خلال ذلك عددًا من الإخفاقات الحكومية في تنزيله.

وفي غضون ذلك، كان أخنوش قد ذكر في أحد تجمعاته الحزبية أن أكثر من أربعة ملايين أسرة بالمغرب تستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر الذي يتراوح بين 500 و1200 درهم شهريًا، والذي سيعرف زيادة بنهاية الشهر، مشيرًا أيضًا إلى استفادة أزيد من أربعة ملايين أسرة من زيادة في الأجور بالقطاعين العام والخاص.

الشغل.. الإخفاق الأول

وفي هذا الإطار، يرى عمر أربيب، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن أول مؤشرات فشل الحكومة الحالية في تنزيل الدولة الاجتماعية يظهر في سوق الشغل، موضحاً أن الوعود بإحداث مليون منصب الشغل خلال الولاية الحكومية الحالية لم يُترجم على أرض الواقع، بل على العكس، “تم تسجيل تقلص في فرص الشغل”.

مع العلم، يضيف أربيب أن الشغل هو “المحدد الأساسي للكرامة الإنسانية، ومن خلاله يتم الولوج إلى باقي الخدمات الاجتماعية”.

ويرى المتحدث أن “هناك اختلالاً واضحاً على مستوى الوظيفة العمومية، في توزيع المناصب المالية”، إذ يتم التركيز أساسًا على القطاعات الأمنية، مثل وزارة الداخلية، والجيش، وإدارة السجون، التي تستحوذ على أغلبية المناصب، في مقابل استفادة أقل لقطاعات اجتماعية حيوية كالتعليم والصحة.

التعليم والصحة

وفي قطاع التعليم، ينتقد الفاعل الحقوقي اعتماد “المدرسة الرائدة”، مبرزًا أن دعوة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، الأسر إلى تسجيل أبنائها في هذه المدارس حتى لو كانت بعيدة، يُفهم منها ضمنياً أن “المدرسة العمومية العادية، التي تستقطب الغالبية الساحقة من التلاميذ، هي مدرسة فاشلة”.

ويحذر من أن تعميم هذا النموذج قد يؤدي إلى “كارثة تعليمية، وإلى مزيد من التفاوتات، وإلى إضعاف المستوى المعرفي للتلاميذ”، معتبرًا أن المشروع “فاشل ومتوقع التخلي عنه مع أي تغيير حكومي مستقبلي”، بسبب رفضه من طرف الأسر والأطر التعليمية والمفتشين.

كما يبرز أن الميزانية المخصصة لقطاع الصحة “ضعيفة جدًا”، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بتخصيص ما بين 12% و15%، ويعتبر أن هذا المعطى وحده كاف لنفي أي ادعاء ببناء دولة اجتماعية حقيقية.

ويشير المصدر أيضًا إلى ضعف جودة الخدمات بالمستشفيات العمومية، مقابل استفادة المصحات الخاصة من حوالي 85% من تعويضات التأمين الصحي، مقابل 15% فقط للقطاع العام، متسائلًا عن سبب عدم توجيه هذه الموارد لتقوية البنية الصحية العمومية.

كما ينتقد اعتماد نظام “تضامن”، معتبرًا أنه أقل نجاعة من نظام “راميد” السابق، ولا يستند إلى معايير دولية واضحة لقياس الفقر، خاصة أن هذا الأخير ظاهرة متعددة المستويات، وليست حالة واحدة.

بين الهدم والإعمار

ومن بين المظاهر التي يعتبرها عمر أربيب مناقضة للدولة الاجتماعية، يبرز ملف نزع الملكية وهدم منازل تتوفر على جميع الشروط القانونية في مدن عدة، مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش ومكناس، إذ يتم، حسب قوله، “هدم هذه المنازل، ويُمنح أصحابها شققًا لا تتجاوز مساحتها 55 مترًا مربعًا، في أحياء معزولة، بثمن يصل إلى 25 مليون سنتيم أو أكثر”.

ويشدد على أن الهدم يتم في حالات كثيرة دون احترام المساطر القانونية، ودون قرارات أو مفاوضات حقيقية، معتبرًا أن ما يحدث هو “تفريغ العقار من سكانه الأصليين قصد توفير أوعية عقارية للاستثمارات الكبرى”، في تجاهل لحق الملكية الخاصة المكفول دستوريًا.

وفي ملف زلزال الحوز، يتحدث الفاعل الحقوقي عن تأخر كبير في التعويضات، وحرمان عدد من الأسر المتضررة منها، إضافة إلى ضعف المبالغ المخصصة لإعادة الإعمار، وعدم إعادة بناء عدد من المؤسسات التعليمية المتضررة إلى اليوم.

الدعم المباشر

وحول ما يُقدَّم كأبرز إنجاز اجتماعي، أي “الدعم المباشر”، يرى المتحدث أنه لا يرقى إلى مستوى دعم حقيقي، سواء من حيث القيمة أو الاستمرارية. فبعد الاقتطاعات المرتبطة بالتغطية الصحية، لا يتجاوز ما تستفيد منه الأسرة بضع دراهم في اليوم.

ويشدد على أن البديل الحقيقي يكمن في تعميم التعويضات العائلية على جميع الأطفال في سن التمدرس، باعتبارها حقًا اجتماعيًا، وربطها بالتعليم لمحاربة الهدر المدرسي بشكل فعلي.

ويرى أربيب أن الحديث عن “الدولة الاجتماعية” في 2025 لا يختلف كثيرًا عن الخطابات الانتخابية السابقة، معتبرًا أن تحميل المسؤولية لحكومات سابقة “خطاب غير مقنع”، لأن مكونات الحكومة الحالية شاركت في تدبير الشأن العام لسنوات.

ويؤكد أن الدولة الاجتماعية “لها كلفة مالية وكلفة سياسية”، مشيرًا إلى أن قانون المالية يكشف غياب إرادة حقيقية لبناء دولة اجتماعية فعلية، لأن “الكلفة المالية غير متوفرة، والكلفة السياسية متحكم فيها”.

ويختم بالقول إن هذه الحكومة “تُناقض، في الممارسة، ما يُسمى بالدولة الاجتماعية”، مضيفًا أن النقد ليس تشويشًا، بل ممارسة ديمقراطية مشروعة، وأن وعي المواطنين كفيل بكشف الفارق بين الخطاب والواقع.

نقاش الحماية الاجتماعية

يذكر أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية انطلق في سياق استثنائي، طبعته تداعيات جائحة كوفيد-19، بعدما صدرت في أبريل 2020 تعليمات ملكية تدعو إلى إرساء نظام للحماية الاجتماعية أكثر شمولًا، يقوم على الانتقال من منطق التدخلات الظرفية إلى بناء منظومة دائمة تضمن الحقوق الاجتماعية الأساسية لفئات واسعة من المواطنين، خصوصًا أولئك الذين ظلوا خارج أي تغطية اجتماعية.

وفي يوليوز 2021، أي قبل تشكيل الحكومة الحالية، تم وضع الإطار القانوني والمؤسساتي لهذا الورش، عبر المصادقة على القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي حدّد أربعة محاور كبرى للإصلاح، تشمل تعميم التأمين الإجباري عن المرض، وتعميم التعويضات العائلية، وتوسيع أنظمة التقاعد، ثم تعميم التعويض عن فقدان الشغل. كما رسم القانون خارطة طريق تمتد إلى غاية سنة 2025، باعتبارها أفقًا لاستكمال تعميم الحماية الاجتماعية.

مع بداية مرحلة التنفيذ، شرعت الحكومة في تعميم التأمين الإجباري عن المرض، من خلال إدماج فئات جديدة، من بينها المهنيون المستقلون وأصحاب المهن الحرة، ثم إدماج المستفيدين من نظام “راميد” ضمن ما سُمّي بنظام “AMO تضامن”. وبالتوازي مع ذلك، تم الإعلان عن الإلغاء النهائي لنظام “راميد”، باعتباره غير قابل للاستمرار.

غير أن هذه المرحلة تزامنت مع اعتماد السجل الاجتماعي الموحد كأداة مركزية لتحديد الأسر المؤهلة للاستفادة من مختلف برامج الدعم والحماية الاجتماعية. وقد تم تفعيل نظام تنقيط يعتمد على معطيات اجتماعية واقتصادية متعددة، غير أن هذا الخيار أثار منذ بدايته نقاشًا واسعًا، بسبب غياب الشفافية حول المعايير المعتمدة، وإقصاء عدد من الأسر التي تُصنّف، ميدانيًا، ضمن الفئات الهشة.

وفي سنة 2023، أعلنت الحكومة عن إطلاق برنامج “الدعم الاجتماعي المباشر”، باعتباره أحد أعمدة ورش الحماية الاجتماعية، وبديلًا عن تعميم التعويضات العائلية الشاملة. وتم تحديد مبالغ الدعم ما بين 500 و1200 درهم، بحسب تركيبة الأسرة، مع ربط جزء من هذا المبلغ بتمويل التغطية الصحية.

غير أن هذا البرنامج أثار بدوره نقاشًا واسعًا، سواء بسبب محدودية قيمته أمام غلاء المعيشة، أو بسبب عدم استقرار الاستفادة، وإقصاء عدد من الأسر بعد إدراجها لفترات قصيرة.

في المقابل، ظل تعميم أنظمة التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل متعثرًا، إذ لم يتم إلى اليوم إدماج فئات واسعة من العاملين في القطاع غير المهيكل، كما بقي التعويض عن فقدان الشغل محدودًا بشروط صارمة، لا تستجيب لواقع الهشاشة التي تطبع سوق الشغل بالمغرب، في ظل ضعف الموارد المالية المخصصة لهذا الورش.

نهاية أفق 2025

ومع اقتراب نهاية الأفق الزمني الذي حدده القانون الإطار، أي سنة 2025، تتزايد التساؤلات حول مدى تحقق الأهداف المعلنة لورش الحماية الاجتماعية. فرغم التقدم المسجل على مستوى التغطية الصحية الشكلية، لا تزال اختلالات بنيوية قائمة، تتعلق بحسب مراقيبن بضعف التمويل، وهشاشة الخدمات العمومية، وهيمنة منطق الاستهداف والدعم الظرفي بدل ترسيخ مقاربة قائمة على الحقوق الاجتماعية الشاملة.

وبذلك، يظل ورش الحماية الاجتماعية، بعد خمس سنوات على انطلاقه، مشروعًا مفتوحًا على أسئلة كبرى، تتجاوز الأرقام والمؤشرات الرسمية، لتطرح إشكالية جوهرية تتعلق بطبيعة الاختيارات الاجتماعية للدولة، وبمدى قدرتها على الانتقال من خطاب “الدولة الاجتماعية” إلى ممارسات وسياسات عمومية تُحدث أثرًا ملموسًا في حياة المواطنين.