في يومها العالمي.. صحافيون مغاربة يشخصون واقع حرية الصحافة في المغرب

يخلّد العالم والصحافيون، يوم السبت 5 ماي 2025، اليوم العالمي لحرية الصحافة، وبهذه المناسبة يعاد طرح السؤال حول واقع الصحافة واحترام حرية الرأي والتعبير، وكذلك الضمانات القانونية والحقوقية للصحافيين في أداء واجبهم المهني دون قيود أو تضييق.
وفي هذا الصدد، شهد المغاربة خلال السنة المنصرمة حدثاً بارزاً تمثل في إصدار عفو ملكي عن مجموعة من معتقلي الرأي، وعلى رأسهم الصحافيون توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني، وعمر الراضي.
وعلى الرغم من هذا الحدث الإيجابي، الذي لقي إشادة محلية ودولية، إلا أن هذه الخطوة “لم تُترجم”، وفقاً لصحافيين وحقوقيين، إلى تحول عميق في المشهد الإعلامي المغربي.
ويرى الصحافي مصطفى بن الرضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن لحظة العفو “أرسلت رسائل باعثة على الأمل، بنوعٍ من التصالح بين الإعلام والدولة”، مشيراً إلى أهمية الحدث باعتباره جاء “بعد سنوات من الدعوة لطيّ ملفاتهم التي أحدثت شرخاً في جسم الإعلام المغربي”.
ويضيف بن الرضي أنه “ومع ذلك، بقدر الفرح بإطلاق سراح الصحافيين، لم تستثمر الدولة في تلك اللحظة”، خاصة مع بروز محاكمات جديدة استهدفت صحافيين بناءً على شكايات من وزراء تحديداً.
ويُوضح أن من حق الجميع اللجوء إلى القضاء لرفع ضرر محتمل، “لكن حين يتحول الأمر إلى تصفية حسابات شخصية، كما في حالة حميد المهداوي مثلاً، يبدو ذلك مناقضاً لرغبة جماعية في ترسيخ حرية التعبير في المغرب”.
ويواصل بن الرضي وصف الواقع الإعلامي الراهن قائلاً: “للأسف، نظل دوماً نتأرجح بين الشعور بوجود فرص لانطلاق صحافة حرة، وبين الإحساس بثقل علاقة تسلّط تواجه الرأي وتُقصيه”.
ويُشير إلى أن كثيراً من المواقع الإعلامية لا دور لها سوى إضعاف السياسة والصحافة، عبر مهاجمة كل صوت متحرّك في المغرب، مضيفاً: “بعضها يبدو قريباً من مراكز النفوذ في الدولة، مما يخلق التباساً حول الرسائل التي تبعث بها، هل هي توجّه رسمي، أم تعبير عن جزء من الدولة ينزعج من وجود الرأي وصحافة قوية؟”.
“وإذا أضفنا إلى ذلك سطوة رأس المال على المجال الصحافي، فإن الوضع يبدو أكثر صعوبة. فبدلاً من أن يُسهم رأس المال في تقوية الصحافة، صار مهيمناً عليها، وأصبحت الصحافة خاضعة له، بدل أن تكون رقيبا، وحارس القانون، والمساهم في ضبط التوازنات داخل المجتمع” يستطرد المتحدث.
وفضلا عن ذلك، أشار الصحافي المغربي إلى وجود هوامش حرية تُستثمر في الكتابة والتعبير، إلا أنها، من وجهة نظره، تتم في أجواء من الهشاشة، قائلاً: “نحن كصحافيين نشعر وكأننا نقف على الحافة، في منزلةٍ بين المنزلتين”.
ويؤكد أن ممارسة الصحافة بكل مهنيتها واستقلالها “لا يمكن أن تتم إلا في جوّ من الحرية الكاملة غير المنقوصة”، لافتا إلى أن “نصف الحرية لا يصنع صحافة، ولا يُكسب الدولة رفيقاً مسؤولاً يساعدها في الإضاءة على أخطائها، ونقل صوت المجتمع، وإدارة التفاوض المجتمعي بعقلانية وتحضر”.
وفي غضون ذلك شدد بن الرضي على الدور الطبيعي للصحافة، قائلاً: “دائماً أكتب أن الصحافة رفيقٌ مزعجٌ للسلطة في طريقها نحو الديمقراطية، ولهذا لا يجب التعامل معها بعدوانية. فالانغلاق يُفضي إلى كبت الآراء، ولا يبني مجتمعاً مسؤولاً، بل يُعزز فقط الانغلاق والارتياب”.
ومن جهتها، ترى الصحافية هاجر الريسوني أن واقع حرية الصحافة في المغرب “لا يزال بعيداً عن التحول المنشود”، رغم الخطوة الرمزية التي شكلها العفو الملكي عن عدد من الصحافيين.
وتقول الريسوني في حديثها مع صحيفة “صوت المغرب”، “رغم العفو الملكي الأخير، لم يشهد واقع حرية الصحافة في المغرب تحولاً جوهرياً”، موضحة أنه، “صحيح لم يعد هناك صحافيون يقبعون في السجون حالياً، لكن هذا لا يعني أن المناخ الإعلامي أصبح أكثر انفتاحاً. فما زالت المحاكمات القضائية تلاحق الصحافيين بسبب ممارستهم المهنية، ولا يزال التشهير والاستهداف الممنهج يُمارَسان ضد ما تبقى من الصحافة المستقلة، عبر مواقع إلكترونية قريبة من دوائر السلطة”.
وتعتبر الريسوني أن لحظة العفو كانت فرصة سانحة لإعادة بناء الثقة، غير أن سلوك الدولة بعد ذلك كان مؤشراً على أنه “لا نية حقيقية لفتح صفحة جديدة”. مبرزة أن “السلطات تُفضل الإبقاء على هذا الوضع الملتبس والرمادي، الذي يمنحها هامشاً واسعاً للضغط دون الحاجة إلى اللجوء المباشر إلى الاعتقال”.
وتتوقف الريسوني عند أبرز ما خلفته سنوات التضييق السابقة، قائلة: “للأسف، خلال السنوات الماضية التي شهدت تراجعاً في حرية الصحافة، تطورت لدى الصحافيين رقابة ذاتية خوفاً من المتابعة أو التشهير أو فقدان مورد الرزق. ومع الوقت، باتت غالبية المنابر تُنتج محتوى يتماشى مع الرواية الرسمية، أو يبتعد عن المواضيع الحساسة والخطوط الحمراء، وهو ما يُفرغ الصحافة من دورها الأساسي كسلطة رابعة مستقلة، تراقب وتحاسب وتسائل”.
وفي هذا الجانب، حذرت المتحدثة من مخاطر ما وصفته بـ”تطبيع الخوف”، إذ قالت: “إن أخطر ما نعيشه اليوم ليس في حجم القيود المفروضة فحسب، بل في تطبيع الخوف وتحويله إلى جزء من الممارسة اليومية للصحافي”، مشيرة إلى أن هذا الوضع، رغم هدوئه الظاهري، “لا يخدم الدولة ولا المجتمع، بل يُفرغ الحياة العامة من أي نقاش نقدي حقيقي، ويُضعف ثقة المواطن في الإعلام وفي المؤسسات”.
وفي ما يخص المشاكل التي تعيشها الهيئات التمثيلية للصحافيين، سجّل مصطفى بن الرضي أن العام الأخير شهد مزيداً من الإفساد “المتعمّد للمشهد الصحافي”، موضحا أن من أبرز صوره “إضعاف مؤسسات تمثيل الصحافيين، المشكوك في شرعيتها، والتي باتت منشغلة أكثر بمعاقبتهم”.
ويشير إلى أن خيار التنظيم الذاتي، الذي كان مطروحاً نظرياً كمقاربة متقدمة لتطوير الممارسة الصحافية في المغرب، “تحول إلى عبء، وأصبح جزءاً من الإشكال”، داعياً إلى معالجته من مختلف الزوايا القانونية والمهنية، وفي أقرب وقت.