story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

في ذكرى ياسين.. سياسيون ومفكرون يناقشون الخطر الصهيوني وتداعيات طوفان الأقصى

ص ص

التأم سياسيون ومفكرون وحقوقيون من داخل المغرب وخارجه في ندوة فكرية، خُصصت لنقاش “طوقان الأقصى” والخطر الصهيوني وتداعياتهما الإقليمية، في مناسبة جمعت بين الذاكرة والموقف، وتشخيص الداء واقتراح الدواء، والتأكيد على ضرورة توحيد جهود العاملين من أجل القضية الفلسطينية.

وأحيت جماعة العدل والإحسان، اليوم الأحد 14 دجنبر 2025، الذكرى الثالثة عشرة لرحيل مؤسسها الإمام عبد السلام ياسين، مقرونة بفلسطين باعتبارها قضية جامعة تتموقع في صلب مشروعه الحضاري. فمن استحضار مكانة القضية الفلسطينية في فكر الإمام، إلى قراءة “طوفان الأقصى والخطر الصهيوني: التداعيات الإقليمية والتحولات العالمية” – وهو عنوان الندوة – تدرجت مداخلات المشاركين، مروراً بتحليل الجذور الفلسفية والعقدية للصهيونية، وتفكيك سرديتها الأخلاقية والسياسية، وصولاً إلى استشراف آفاق المواجهة وسبل التصدي للمشروع الصهيوني

وشارك في ندوة “العدل والإحسان”، التي حضرها فاعلون إسلاميون ويسار، كل من أسامة حمدان عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومنير شفيق المفكر الفلسطيني ورئيس الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، ورشدي بويبري، المتخصص في الفلسفة والتواصل وتحليل الخطاب، وخديجة صبار المتخصصة في الفلسفة والتاريخ.

مسار تاريخي

في كلمته، أكد أسامة حمدان عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومثلها في لبنان، أن معركة طوفان الأقصى ليست حدثًا طارئًا، بل حلقة متقدمة في مسار تاريخي طويل من مقاومة الشعب الفلسطيني، وتمثل نقلة نوعية من إدارة الصراع والمشاغلة إلى فتح بوابة التحرير وإنهاء الاحتلال، رغم الكلفة الإنسانية الهائلة التي خلّفها العدوان على غزة.

وأورد حمدان مجموعة من التداعيات على الصعيد الإقليمي، من أبرزها انكشاف الحقيقة التوسعية للمشروع الصهيوني وسقوط ادعائه الدفاع عن النفس، وإظهاره ككيان يسعى لاحتلال المنطقة بأسرها، إضافة إلى سقوط وهم استحالة مواجهة الاحتلال، مع انخراط قوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، “ما أثبت أن الاشتباك مع العدو ممكن بقرار وإرادة”.

وأدت الأحداث الأخيرة، بحسب القيادي الفلسطيني البارز، إلى انكشاف الهشاشة الإسرائيلية، وعجز الاحتلال عن الصمود دون دعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن انهيار “صعود مكانة خيار المقاومة في وعي الأمة بعد كسر صورة التفوق الإسرائيلي وإثبات قدرة قلة من المجاهدين على إلحاق خسائر كبيرة بالاحتلال”، مقابل انهيار أسطورة الردع والجيش الذي لا يُهزم، “وفشل الاحتلال في كسر إرادة المقاومة أو إنهاء المواجهات على مختلف الجبهات”.

أما على الصعيد الدولي، فأشار حمدان إلى “انهيار الرواية الصهيونية القائمة على استثمار الهولوكست لتبرير الاحتلال والإبادة وابتزاز العالم بتهمة معاداة السامية”، وانكشاف عجز النظام الدولي وانهياره القيمي والقانوني أمام جرائم الإبادة، وتأكيد الطابع الانتقائي للعدالة الدولية، إلى جانب كشف الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وسعيها لتطويعه بالقوة، “ما ينذر بتصاعد الصراعات والحروب وتفكك النظام العالمي القائم”.

قضية إنسانية

من جانبه، اعتبر رشدي بويبري، المتخصص في الفلسفة والتواصل وتحليل الخطاب، أن مسار الصراع مع المشروع الصهيوني، رغم ما يمتلكه من تفوق عسكري وسياسي ودعم غربي واسع، يكشف عن اختلالات متزايدة في بنيته الداخلية مقابل تراكم نوعي في الخبرات النضالية للشعوب العربية والإسلامية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.

وشدد على أن مواجهة المشروع الصهيوني ليست شأنا فلسطينياً محضاً، بل مسؤولية عربية وإسلامية وإنسانية مشتركة، مشيراً إلى أنها تتطلب اعتماد استراتيجية شاملة طويلة الأمد تقوم على الوحدة، والمعرفة، والإرادة، والعمل المنظم، في مقابل الاستراتيجية الصهيونية القائمة على تفتيت الخصوم واستنزافهم.

وأوضح أن قوة المشروع الصهيوني لا تنبع من ذاته، بل من تحالف استكباري غربي وتواطؤ الاستبداد المحلي، في حين راكمت الأمة أشكالًا متعددة من المقاومة، بما فيها الشعبية والمسلحة والثقافية والدبلوماسية.

وتوقف بويبري عند مؤشرات اندحار المشروع الصهيوني، من بينها انكشاف زيف سردياته الأخلاقية، وتزايد أزمة الشرعية الدولية واتهامه بنظام الفصل العنصري، وصمود الفلسطينيين ديموغرافيًا وثقافيًا، فضلاً عن تصاعد الانقسامات الداخلية داخل المجتمع الإسرائيلي، وتآكل الولاء الأيديولوجي، وتنامي الهجرة المعاكسة.

وذكر القيادي في جماعة العدل والإحسان من بين المؤشرات أيضاً “تغير المزاج الشعبي، خصوصًا لدى الشباب في الغرب، تجاه الكيان الصهيوني، وفشل الحلول العسكرية والأمنية في حسم الصراع”.

وفي المقابل، أشار إلى تحديات قائمة أمام الأمة، أبرزها ضعف التعبئة المستدامة، وقصور الوعي الاستراتيجي بترابط تحرير فلسطين مع التحرر من الاستبداد والفساد، وضعف خطاب الوحدة، وتراجع الانخراط الفعلي للنخب في نصرة القضية.

وفي استشرافه للمستقبل، دعا بويبري إلى بناء تحالف عالمي مقاوم للمشروع الصهيوني، معتبراً أنه ممكن رغم تعقيده، شريطة العمل الهادئ طويل النفس، واستثمار التناقضات الدولية وحراك المجتمعات الغربية، والتركيز على البعد الإنساني الجامع، وبناء تحالفات واسعة عابرة للإيديولوجيات.

هذا بالإضافة إلى توظيف الطاقات الشعبية في عمل مؤسسي منظم، وربط القضية الفلسطينية بقضايا الشعوب الأخرى، وتطوير أدوات الحشد والتوعية الجماهيرية.

وختم بالتأكيد على أن المدخل الحاسم في الصراع هو إحياء الربانية، لا بوصفها “روحانية محلقة”، بل باعتبارها بناءً واقعيًا للإنسان المقاوم القادر على الصمود والانتصار، مشيراً إلى أنها مسؤولية مركزية للحركة الإسلامية والعلماء الربانيين والمخلصين من أبناء الأمة.

ضرورة اليقظة

وعن عملية طوفان الأقصى، قال المفكر الفلسطيني منير شفيق إنها تمثل محطة مركزية ومشروعة في المسار التاريخي للمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية، وتندرج ضمن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، ولا تتعارض مع القوانين الدولية أو القيم الأخلاقية للمقاومة، ولا يجوز عزلها عن سياق الصراع الممتد منذ عقود.

وشدد على أن الحرب التي أعقبت طوفان الأقصى كشفت فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه الأساسية، وعلى رأسها القضاء على المقاومة واحتلال قطاع غزة، معتبرا أن استمرار المواجهة لما يقارب عامين دون حسم يعد هزيمة عسكرية وسياسية للاحتلال وللدعم الأمريكي والغربي المساند له.

وردّ على من وصفوا العملية بالمغامرة غير المحسوبة، مؤكداً أن الوقائع أثبتت وجود إعداد استراتيجي طويل الأمد للمقاومة، تجلّى في البنية العسكرية وشبكة الأنفاق والاستعداد لحرب برية طويلة، ما يبرهن على أن قيادة المقاومة حسبت نتائج المعركة على المدى البعيد.

وأكد ضرورة الفصل بين عملية طوفان الأقصى وحرب الإبادة التي شنها الاحتلال، موضحا أن الإبادة جريمة مستقلة يتحمل مسؤوليتها الاحتلال وداعموه وحدهم، ولا يمكن تحميل المقاومة تبعاتها.

وأشار إلى أن من أبرز نتائج الحرب تحول الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، بعد انكشاف صورة الاحتلال ككيان مارق يرتكب جرائم حرب، وهو تحول ستكون له آثار عميقة على شرعية الاحتلال مستقبلا.

وحذر من اعتبار وقف إطلاق النار نهاية للصراع، معتبرا أن المرحلة الحالية سياسية بامتياز، يحاول فيها الاحتلال تحقيق ما عجز عنه عسكريا، داعيا إلى اليقظة والاستعداد لاحتمال تجدد المواجهة.

القضية بفكر الإمام

أما خديجة صبار، المتخصصة في الفلسفة والتاريخ، فقدمت قراءة فكري للقضية الفلسطينية من خلال فكر الإمام عبد السلام ياسين، معتبرة أن مقاربته تُعد من أكثر الطروحات تماسكًا وشمولًا وتميّزًا في فهم المشروع الصهيوني وخطورته.

واعتبرت أن فكر الإمام عبد السلام ياسين يتميز بمرجعية عقائدية حضارية شاملة، تنظر إلى فلسطين باعتبارها قضية عقدية مصيرية، لا مجرد نزاع جغرافي أو قضية حقوقية، “بل محور صراع حضاري وجودي بين مشروعين: الإسلامي والصهيوني-الغربي”.

وشددت على أن الإمام رفض اختزال القضية الفلسطينية في تسويات سياسية أو اعترافات مرحلية، ورأى أن أي تعايش مع الكيان الصهيوني “وهم مستحيل”، لأن الصهيونية مشروع استيطاني عنصري نابع من جذور الحداثة الغربية والرأسمالية الأوروبية.

وأوضحت أن الصهيونية ليست ظاهرة دينية يهودية بقدر ما هي صناعة حداثية استعمارية، وأن التنوير والحداثة اللذين بُشّر بهما العالم العربي انكشفا في وجههما التخريبي، خاصة مع النيوليبرالية والسياسة الصهيو-أمريكية الخالية من القيم الأخلاقية.

وبيّنت أن الإمام استعاد التاريخ لا هروبًا من الواقع، بل لفهم طبيعة الصراع الإيديولوجي، في مواجهة محاولات شطبه من الوعي وتحويل القضية إلى مجرد نزاع حدودي، تمهيدًا لمحو فلسطين من الذاكرة والهوية.

وأبرزت أن منهج الإمام في تحرير فلسطين هو المنهاج النبوي، وأن فلسطين تمثل بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل، وبوابة النصر الحضاري للأمة، وهو ما أكده واقع المقاومة وصمود غزة في طوفان الأقصى.

وربطت مقاربة الإمام بتحليل الحضارات عند فرناند بروديل، مؤكدة أن الحضارات صراعات طويلة المدى متجذرة في الجغرافيا والإنسان، وأن طوفان الأقصى كشف حقيقة الغرب، وأمريكا، وإسرائيل، وأعاد رسم صورة “الآخر” في ميزان الوعي الحضاري.

وترى صبار أن فكر الإمام عبد السلام ياسين يقدم إطارًا نظريًا ومنهجيًا متكاملاً لفهم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة المركزية، وأن تحرير فلسطين ليس فقط تحرير أرض، بل خطوة لتحرير الإنسان والعالم من آخر أشكال الاستعمار الاستيطاني العنصري، وهو ما أكدت عليه تحولات ما بعد طوفان الأقصى.