عرفت استشهاد مغربي.. تركيا تحيي الذكرى 9 لإفشال الانقلاب

في تمام الساعة 12:13 بعد منتصف ليل يوم الأربعاء، بدأت عشرات آلاف المساجد في تركيا في إطلاق أصوات الصلوات والتكبير، تخليداً للتصدي لمحاولة انقلاب فاشلة كادت أن تطيح بالنظام في البلاد قبل تسع سنوات، لولا نزول الشعب إلى الشوارع لحماية مؤسساته.
مشهد اليوم أعاد إلى الأذهان ساعات المحاولة الانقلابية، حين صدحت المآذن في وقت متأخر من ليل الجمعة 15 يوليوز 2016، لحشد الأتراك في مواجهة بنادق العسكر ودباباتهم، في لحظة تاريخية أنهت زمن الانقلابات التي طبع تاريخ الجمهورية التركية منذ ستينيات القرن الماضي، والتي كان آخرها انقلاب فبراير 1997 على نجم الدين أربكان.
يحكي الصحافي التركي أسعد فرات لصحيفة “صوت المغرب” عن هذا الحدث، الذي صار يومه عيداً رسمياً يحمل اسم “الديمقراطية والوحدة الوطنية”، تخليداً لبطولة الشعب التركية في مواجهة الانقلاب على الشرعية، وتكريماً لتضحيات شهدائه في ذلك التاريخ.
ملحمة شعب بوجه الدبابات
ويقول فرات، وهو مراسل سابق لوكالة الأناضول بالمغرب، وكبير المراسلين بالشرق الأوسط حالياً، إن الشعب التركي “سطر ملحمة تاريخية ستظل محفورة في ذاكرة الأمة والعالم”.
وأوضح فرات أنه في ليلة 15 يوليوز 2016، “تحركت عناصر تنظيم ‘فتح الله غولن’ الإرهابي في محاولة غادرة لإسقاط إرادة الأمة، والانقضاض على مؤسسات الدولة المنتخبة، بدعم وتواطؤ مشبوه من جهات خارجية”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على رأس هذه الجهات، “ولا تزال حتى اليوم توفر ملاذاً آمناً للتنظيم رغم مطالب تركيا العادلة بتسليمه ومحاكمته”.
لكن هذه المحاولة، التي وصفها فرات بـ”الآثمة” لم تواجه فقط الأجهزة الرسمية، “بل واجهت شعباً حراً أبياً، خرج بالملايين إلى الميادين، ليقف بصدوره العارية أمام الدبابات والمروحيات، ويعلن أن الكرامة الوطنية لا تُسلب، وأن السيادة تُحمى بالدم والتضحية”.
دم مغربي بنصر تموز
واستذكر الصحافي التركي، الذي عمل سابقاً في المغرب، تضحية شاب مغربي في تلك الليلة، قائلاً: “في هذه الملحمة الخالدة امتزج دم التركي بدماء إخوانه من الشعوب العربية والمسلمة، الذين لم يترددوا في التعبير عن وقوفهم الصادق مع تركيا وشعبها”.
وأضاف: “كان من أعظم هذه المواقف ما جسّده الشهيد المغربي جواد مرون، الذي استُشهد في إسطنبول بينما كان يقف بجانب إخوانه الأتراك دفاعاً عن الحرية والشرعية”، معتبراً إياه “رمزاً خالداً لوحدة مصير الشعوب الحرة”.
وكان جواد مرون قد قتل على يد الانقلابيين في تركيا، خلال مشاركته في المظاهرات التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليلة الجمعة 15 يوليوز 2016، لمواجهة محاولة الانقلاب، قبل نقل جثمانه إلى المغرب وتشييع جنازته بمسقط رأسه طنجة، بحضور السفير التركي آنذاك أدهم باركان أوز، ودبلوماسيين آخرين.
كما هبّت الشعوب العربية والإسلامية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، يضيف المتحدث للتعبير “عن رفض الانقلاب وإدانة المؤامرة”، وإعلان دعمها لإرادة الشعب التركي، “في لحظة تاريخية جسّدت عمق الأخوّة الحقيقية بين شعوب هذه الأمة”.
ملحمة مستمرة
وبعد مرور تسع سنوات، يحيي الشعب التركي هذه الأيام ذكرى ليلة 15 يوليوز، التي أعادت رسم العلاقة بين الشعب والدولة، وأدت إلى تغير شكل الدولة وانتقالها من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، مع منح الرئيس صلاحيات واسعة، وإلغاء منصب رئيس الوزراء.
يقول الصحافي التركي أسعد فرات إن “روح 15 تموز لاتزال حاضرة حيّة، ونابضة في وجدان الشعب التركي”، واصفاً إياها بـ”روح الصمود والوعي، التي لن تسمح لأي تهديد، داخلياً كان أو خارجياً، أن ينال من استقلال تركيا أو مسارها الديمقراطي”.
وذكر كبير مراسلي وكالة الأناضول بالشرق الأوسط أن الشعب التركي يستمد اليوم من هذه الروح النضالية موقفه الثابت والداعم للشعوب الحرة في نضالها ضد الاستعمار والإمبريالية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني “الذي يخوض معركته العادلة في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم، من أجل حريته، وكرامته، وحقه في أرضه ومقدساته”.
وقال فرات، الذي عمل أيضاً مراسلاً في القدس، إن الشعب الذي “هزم الانقلاب بصدقه وثباته” سيظل واقفاً إلى جانب كل شعب يناضل من أجل الحرية، مؤمناً أن العدالة لا تتجزأ، وأن الكرامة لا تُصان إلا بوحدة الأحرار، وأن فلسطين كانت وستبقى قضية الأمة الجامعة.