في حوار مع “صوت المغرب”.. حاتم البطيوي يكشف مصير منتدى أصيلة بعد رحيل مؤسسه

على مدى ما يقارب نصف قرن، ظلّ موسم أصيلة الثقافي الدولي علامة فارقة في المشهد الثقافي المغربي والعربي والعالمي، جامعًا بين الفكر والإبداع والفن، فهذا المنتدى العريق لم يكن مجرد حدث سنوي، بل تحول إلى مؤسسة ثقافية متجذرة، جعلت من مدينة أصيلة الصغيرة فضاءً عالميًا للحوار الحضاري والدبلوماسية الثقافية.
غير أن اسم المنتدى ارتبط على الدوام باسم مؤسسه، الراحل محمد بن عيسى، الذي جعل من الثقافة مشروع حياة، مكانته كانت استثنائية ليس فقط في قلوب ساكنة أصيلة، بل أيضًا في نفوس أصدقائه وعموم المثقفين الذين تقاسموا معه الحلم، ولذلك لم يكن غريبًا أن تُخصّص خيمة الإبداع لهذه الدورة لتكريم روحه ومساره الحافل.
وبعد رحيله، تسلم المشعل حاتم البطيوي، الكاتب الصحافي الذي راكم تجربة مهنية غنية داخل المغرب وخارجه، هذا الانتقال فتح الباب أمام أسئلة كبرى حول قدرة المؤسسة على الاستمرار بذات القوة والروح، وعن مستقبل المنتدى في غياب مؤسسه الذي طبع كل تفاصيله لسنوات طويلة.
كل هذه التساؤلات التي تشغل بال المهتمين والحاضرين في أصيلة، حاولت صحيفة “صوت المغرب” نقلها إلى الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، الذي أكد أن “المنتدى لم يعد ملكًا لشخص أو مدينة بعينها، بل بات ملكًا للمغرب ككل، وأن الرعاية الملكية السامية تظل الضامن الأكبر لاستمراره، كما طمأن جمهور المنتدى بأن روح أصيلة الثقافية باقية، وأن التحدي اليوم هو مضاعفة الجهد لإبقاء هذا الفضاء فضاءً عالميًا كما أراده مؤسسه”.
وهذا نص الحوار كاملا:
- بداية، كيف تعيشون كأمين عام جديد أول دورة لموسم أصيلة بعد رحيل محمد بن عيسى؟
صراحةً، الأمر ليس عاديًا، نحن نعيش لحظة مليئة بالمسؤولية والعاطفة في الوقت نفسه. موسم أصيلة ارتبط باسم الراحل محمد بن عيسى لعقود، وحضوره حاضر بيننا في كل التفاصيل، هذه الدورة بالنسبة لي ولزملائي هي امتحان حقيقي للوفاء لذكراه، ولإثبات أن المشروع الذي أسسه قادر على الاستمرار بقوة.
- ما الذي يمثله بالنسبة لكم شخصيًا أن تتحملوا هذه المسؤولية في غياب المؤسس؟
هو تكليف وتشريف في آن واحد، شخصيًا أشعر أنني أحمل أمانة غالية جدًا، لأن محمد بن عيسى لم يترك فقط مؤسسة، بل ترك رؤية ورسالة، وأن أكون على رأس هذه الأمانة يعني أن أواصل ما بدأه، وأن أضمن ألا تضيع تلك الروح التي جعلت من أصيلة مدينة عالمية للفكر والثقافة. إن ثِقَل المسؤولية يكمن في أنّ موسم أصيلة لم يعد ملكًا للمدينة وحدها، بل أصبح ملكًا للمغرب كلّه، باعتباره فعالية ثقافية تسهم في إبراز العبقرية المغربية المتعددة والمتنوعة.
- كيف يمكن للمؤسسة أن تواصل المسار الذي أطلقه محمد بن عيسى دون أن تفقد روحها الأصلية؟
الجواب بسيط: بالوفاء للجوهر مع الانفتاح على التطوير. روح موسم أصيلة كانت دائمًا قائمة على الحوار، على الانفتاح، وعلى الجمع بين الفكر والفن، إذا حافظنا على هذه الثوابت، وفي الوقت نفسه أضفنا ما يتطلبه الحاضر، سنكون أوفياء للتراث وللمستقبل معًا.
- هل تفكرون في إدخال تغييرات أو إضافات على مستوى إدارة المنتدى أم أن الأولوية هي الحفاظ على الاستمرارية؟
الأولوية الآن هي الاستمرارية، طبعًا. لكن الاستمرارية لا تعني الجمود. المؤسسة بطبيعتها فضاء حيّ يتطور مع الزمن. ربما سنفكر في إدماج آليات جديدة في التسيير أو فتح آفاق أوسع للشباب والطاقات الجديدة، لكن دائمًا في إطار فلسفة المؤسس.
- ما هي التحديات الكبرى التي تتوقعون مواجهتها في هذه المرحلة الجديدة؟
أبرز التحديات هي المحافظة على المكانة الدولية للموسم في عالم سريع التغير. التحدي الآخر هو ضمان الموارد المالية والبشرية الكافية ليستمر المنتدى بنفس القوة والوهج. ثم هناك تحدي آخر لا يقل أهمية: كيف نحافظ على هوية أصيلة الثقافية وفي الوقت نفسه نستجيب لانتظارات أجيال جديدة من المثقفين والفنانين.
- إلى أي حد تشعرون أن الموسم أصبح مؤسسة قائمة بذاتها قادرة على الاستمرار بعد رحيل مؤسسها؟
الحقيقة أن موسم أصيلة لم يكن مجرد مبادرة فردية، بل تحول منذ زمن بعيد إلى مؤسسة جماعية لها هياكلها، شركاؤها، وذاكرتها الجماعية. رحيل المؤسس كان صدمة، لكنه في الوقت نفسه كشف أن المشروع بات راسخًا بما يكفي ليستمر.
- ما هي رسالتكم للشركاء، للمثقفين والفنانين الذين ارتبطوا بهذا الموعد منذ عقود؟
رسالتي لهم هي: أنتم شركاء في البيت. موسم أصيلة لم يكن يومًا ملكًا لفرد أو مدينة وحدها، بل هو فضاء لكل من آمن بقيمة الثقافة في بناء الإنسان. اليوم أكثر من أي وقت مضى نحتاج دعمهم، حضورهم، وإبداعهم حتى يظل هذا الفضاء عالميًا كما أراده مؤسسه.
- في كلمة أخيرة، كيف تودون أن يطمئن جمهور موسم أصيلة بشأن مستقبل المنتدى بعد وفاة مؤسسه؟
أود أن أقول لهم: لا تقلقوا، موسم أصيلة باقٍ. نعم، فقدنا مؤسسه ورمزه الكبير، لكننا لم نفقد روحه. بالعكس، نحن مصممون على أن نضاعف الجهد لنثبت أن محمد بن عيسى لم يغادر إلا جسدًا، أما فكره وروحه فهما حيّان بيننا، وسيتواصلان مع كل دورة جديدة. إن ما يطمئننا ويشجعنا أكثر على المضيّ في هذا المسار هو الرعاية الملكية السامية المتواصلة، التي منحتنا طاقة إيجابية كبيرة للعمل على استمرارية مشروع أصيلة الثقافي الريادي. وكما تعلمون، فإن جلالة الملك محمد السادس حضر، أيام كان وليًّا للعهد أول مواسم أصيلة الثقافية سنة 1978، وكان عمره آنذاك خمسة عشر عامًا، وقد زار الأوراش الفنية في قصر الثقافة، ومنذ ذلك الحين وهو يخصّ أصيلة وموسمها الثقافي برعايته السامية وعطفه الكبير.