عملية جراحية على أنغام الشعبي وموجة استنكار على مواقع التواصل الاجتماعي

أثار مقطع فيديو تم تداوله بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر من خلاله، فريقا طبيا يجري عملية جراحية لأحد المرضى على أنغام أغنية شعبية صاخبة، (أثار) موجة غضب واستنكار شديدين، إذ اعتبر العديد من النشطاء والمهنيين في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية أن هذه السلوكيات تمثل انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات المهنة ولحرمة غرفة العمليات، مطالبين بفتح تحقيق عاجل واتخاذ إجراءات صارمة بحق المتورطين.
ويُظهِر الفيديو الطبيب الرئيسي ومساعديه يجرون عملية جراحية لأحد المرضى الذي يبدو تحت تأثير التخدير، بينما تعمّ أجواء غير مهنية المكان، إذ يتوقف الطبيب في إحدى اللحظات عن متابعة العملية الجراحية ليرقص ويغني تماشيًا مع إيقاع الأغنية، قبل أن يعود لمواصلة التدخل الجراحي على جسد المريض، فيما أحد المساعدين اندمج كليا مع إيقاع الأغنية.
وعبّر البعض عن مخاوفهم من أن يؤثر هذا النوع من التصرفات على ثقة المواطنين في المؤسسات الصحية، فيما لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أو إدارة المستشفى الذي صوّر فيه الفيديو، لتوضيح ملابسات الحادثة وترتيب المسؤوليات المرتبطة بها.
نقاش متجدد
وأعاد هذا الحادث إلى الواجهة النقاش المتجدد حول أوضاع القطاع الصحي العمومي بالمغرب، حيث ينتقد كثيرون تدني جودة الخدمات الصحية المقدمة، ونقص الإمكانيات والتجهيزات، فضلاً عن ضعف البنية التحتية.
وفي هذا السياق، كانت التنسيقية الوطنية لموظفي وأطر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، قد وجهت نداء إزاء ما وصفته بـ “خطر يهدد مستقبل المنظومة الصحية العمومية بالمغرب ومجانية العرض الصحي والخدمات الاجتماعية الحيوية”، وذلك بسبب توجه الحكومة نحو خوصصة القطاع الصحي.
وقالت التنسيقية في بيان للرأي العام، إن السياسات الحكومية الحالية، خاصة في قطاع الصحة، “تهدف إلى تسليمه للقطاع الخاص، مما يشكل تهديها خطيرا لأسس الرعاية الصحية، خاصة للفئات الهشة، والدولة الاجتماعية التي طالما تغنت بها الحكومة”.
وأضاف المصدر ذاته، أن الهدف الرئيسي للحكومة في المجال الصحي “هو تحقيق الربح على حساب صحة المواطنين وكرامتهم، ما سيؤدي إلى تدهور جودة الخدمات الصحية المقدمة”.
ومن جهته، سلط رئيس المجموعة النيايبة العدالة والتنمية عبد الله بووانو الضوء غير ما مرة على “ضعف جودة التكوين” في قطاع الطب والصيدلة خاصة في بعض التخصصات، مبرزا أن التكوين الحالي يخرج “أطباء سيقتلون كرامة المواطن بدل صونها وحمايتها”.
وكان آخر تصريح لبووانو خلال ندوة نظمها الحزب، يوم الجمعة 4 يوليوز 2025، حول موضوع “اختلالات ورش تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية”، حيث أشار إلى أن سنة 2025 شهدت تساويًا في عدد خريجي كليات الطب والصيدلة بين القطاعين العام والخاص، “إذ بلغ العدد 5000 خريج لكل منهما”.
وأضاف أن الاحتجاجات التي عرفتها كليات الطب العمومية في المغرب ساهمت في ارتفاع هذا الرقم لصالح القطاع الخاص.
التوجه نحو الخوصصة
ومن جانبها، اعتبرت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن الوضع الصحي في المغرب يمر بأزمة حادة، ووصفته بأنه “متردٍّ للغاية”، مؤكدة أن هذا التردي يكلف المواطنين صحتهم وحياتهم ويعرضهم لمعاناة شديدة.
وقالت التامني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إن المستشفيات العمومية تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية، وضعف التجهيزات، وبنية استقبال غير ملائمة، إلى جانب تأخر المواعيد التي تصل أحيانًا لأكثر من ثلاثة أشهر، ما يثير تساؤلات حول قدرة هذه المؤسسات على ضمان الحق في الولوج إلى الصحة.
وأضافت أن الأزمة لا تقتصر على المناطق النائية، بل تشمل المدن الكبرى مثل طنجة والدار البيضاء ومراكش، حيث تعاني المستشفيات العمومية من وضع مزرٍ على كافة المستويات، ولا تستجيب للوعود الحكومية، مشيرة إلى أن “القطاع العمومي يُضحى به لصالح القطاع الخاص الذي يستغل ضعف الخدمات العمومية لبيع خدمات صحية بأسعار باهظة”.
وأوضحت النائبة البرلمانية أن المواطنين باتوا مضطرين للجوء إلى العيادات والمصحات الخاصة، مما يضعهم تحت ضغط مالي كبير يدفع كثيرين منهم للديون بسبب ارتفاع تكاليف العلاج، خاصة مع ضعف التعويضات الصحية.
وأكدت أن “نسبة كبيرة من تكاليف الصحة يتحملها المواطنون من جيوبهم، وفي ظل ضعف القطاع العمومي يدفعون 100% من التكاليف”.
وفي هذا السياق، أشارت المسؤولة البرلمانية إلى أن السياسات الحكومية “تتجه إلى تفويت القطاع الصحي العمومي للقطاع الخاص”، من خلال عدم الاستثمار في المرفق العمومي، معربة عن قلقها من “دوامة تسليع الصحة” التي تعاني منها البلاد، حيث تتحول الخدمات الصحية والتعليمية إلى سلعة تجارية بحتة.
وخلصت التامني إلى التأكيد على أن الوضع الصحي في المغرب “مأساوي، والمرضى يعانون معاناة مزدوجة، مع نقص حاد في الأدوية، ما يجعل الحديث عن وجود مرفق صحي عمومي حقيقي أمرًا بعيد المنال”.
رؤية طموحة
وفي مقابل ذلك، أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن الحكومة “حرصت على تأهيل العرض الصحي وتعزيز بنياته التحتية، وفق رؤية طموحة تهدف إلى الارتقاء بالمنظومة الصحية على مختلف مستوياتها”.
وأوضح أخنوش، في كلمة له، خلال جلسة الأسئلة الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة، يوم الإثنين 07 يوليوز 2025، أن أهمية هذا التوجه تزداد باعتباره ركيزة لتحقيق العدالة المجالية في توزيع الخدمات الصحية، “وضمان رعاية صحية جيدة تحفظ الكرامة للجميع، وتعزز الشعور بالثقة والأمان”.
وأضاف، في هذا الصدد، “أن الحكومة أطلقت برنامجا يستهدف تأهيل أزيد من 1400 مركز صحي من الجيل الجديد، بغلاف مالي لا يقل عن 6,4 مليار درهم، وذلك تنزيلا لهذا الورش الإصلاحي”، مشيرا إلى أن “هذا الاختيار ينبع من وعي الحكومة بالدور المحوري الذي تضطلع به المراكز الصحية الأولية، باعتبارها حجر الزاوية في تقديم الرعاية الصحية الأساسية”.
واعتبر المسؤول الحكومي أن الأرقام المنجزة “تعكس وفاء الحكومة بهذا الالتزام”، مسجلا تأهيل 949 مركز صحي، ويتم العمل على استكمال باقي المراكز المبرمجة.
وأبرز المتحدث أنه يرتقب أن تساهم هذه المراكز في تقليص الضغط الكبير على المستشفيات الإقليمية والجهوية والجامعية، بالنظر للتقنيات الطبية والرقمية التي توفرها، وكذا الأطقم الطبية المتخصصة التي تعمل بها، “مما يجعلها نموذجا في توفير خدمات صحية للقرب عالية الجودة”.
وفي هذا الصدد، أشار المتحدث إلى أن الحكومة وضعت خطة طموحة تهدف إلى تعميم المستشفيات الجامعية وتطويرها عبر مختلف جهات المملكة، موضحا أن “هذا التوجه يأتي في إطار حرصها على توفير مستشفى جامعي في كل جهة، لضمان تقريب الرعاية الصحية المتخصصة من المواطنين، وتعزيز تكامل النظام الصحي بين مختلف مستويات الرعاية”.
وفي هذا الإطار، قال رئيس الحكومة إنه قد تم إطلاق برنامج متكامل لإحداث مستشفيات جامعية جديدة في كل من أكادير والعيون وكلميم وبني ملال والرشيدية، إضافة إلى إعادة بناء مستشفى ابن سينا بالرباط بطاقة استيعابية تتجاوز 1000 سرير.