story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
إعلام |

عبد الرحيم شلفوات: من سرّب الفيديو للمهداوي يستحق الإشادة

ص ص
  • ما هي قراءتك لطبيعة المحتوى الذي نشره الصحافي حميد المهداوي مؤخرا عن أحد اجتماعات لجنة الاخلاقيات في اللجنة المؤقتة لتدبير شؤون المجلس الوطني للصحافة؟

المحتوى الذي نشره الصحافي حميد المهداوي يكشف أولا سلامة وصواب رأي كل الذين اعترضوا على إحداث اللجنة المؤقتة لأن إحداثها في الأصل كان خطآ جعل هيئة منتخبة تخضع لمنطق التعيين والتمديد، وربما تمديد التمديد.

ما نشر يؤكد أن أعضاء اللجنة المنتهية ولايتها يتصرفون بمنطق الأعضاء الدائمين وليس المؤقتين الذين من المفروض أن ينصب جهدهم، ضمن إطار أخلاقيات المهنة ومقتضيات التنظيم الذاتي، على تبرير استمرار اللجنة في وضعية المؤقت، أي هم أولى في هذا الظرف بمحاسبة أنفسهم وأن يحاسبهم الرأي العام وعموم الجسم الصحفي والإعلامي عوض أن يقوموا بمحاسبة الصحفيين.

ثانيا، اللجنة، على علاتها ورغم أنها مشكلة أساسا من أشخاص كانوا في قيادة المجلس الوطني للصحافة الذي انتهت ولايته في يونيو 2022، لم تقم بأهم ما جاءت من أجله وهو التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الوطني الواجب انتخابهم، حتى يعود التنظيم الذاتي إلى وضعه الطبيعي.

وعليه، فطبيعة المحتوى المنشور هي أنه كاشف لوضعية مختلة لهيئة منتهية الصلاحيات وأنه أثار انتباه الرأي العام لحالة ريع إعلامي تسمح بممارسة الشطط ضد بعض الصحافيين ولا تقوى على ممارسة أية صلاحية ضد آخرين.

  • ما هو الخط الفاصل بين الكشف عن الحقائق وفضح الفساد وخرق الخصوصية والحقوق الفردية؟

الخط الفاصل هو نشر محتويات لا علاقة لها بما يقتضي تدخل الرأي العام فيها لأنها تنتمي إلى الفضاء الخصوصي. وما أثير في المحتوى المنشور قضية عمومية جاءت في لقاء رسمي لهيئة عمومية يتلقى أعضاؤها أجورهم من المال العام والعضوية فيها مؤطرة بقانون صادق عليه البرلمان ولقاءاتها معروفة وثيرة وتوقيت ومكان الانعقاد، وأشغالها لا تنتمي إلى الفضاءات الخاصة مثل البيوت أو أماكن قضاء العطلة الصيفية أو زيارة الأقارب في مدينة ما.

على العكس، ضمن المقاطع لحظة تم فيها خرق خصوصية الصحافي المهداوي عند الحديث عن زوجته. وهو موضوع ينتمي للفضاء الخصوصي لأنه لا يعني اللجنة في شيء.

هذا ليس هو اللقاء الوحيد للجنة، وحتما لا أحد كان سيلتفت للتسريب لو تضمن أحداثا عادية في لقاء عادي دار في أجواء إيجابية ومعاملات تنم عن احترام حقوق الانسان. عندها كانت اللجنة ستحتفي، ربما، بالتسريب ولا تلجأ للقضاء ضد من قام بالتعريف بمضامينه. وهي إنما تفاعلت بقوة مع المحتوى المنشور مختلف الهيئات الصحافية والسياسية والحقوقية نظرا لحجم الشطط الممارس فيه ولأن هيئة مؤقتة منتهية الصلاحية تقوم بعكس ما جاءت من أجله، ولأنه تم الدوس على مفاهيم التنظيم الذاتي وأخلاقيات المهنة بصورة بشعة.

  • ما هي الخلاصات التي تقدمها المقاطع المنشورة حول طبيعة لجنة الاخلاقيات وتجربة التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب؟

أهم خلاصة هي أن كون الهيئة المكلفة مؤقتة يجعل أخلاقيات المهنة ومفاهيم التنظيم الذاتي غير قابلة للقياس ولا أحد من الهيئة نفسها سيحاسب على عدم تمثلها.

التنظيم الذاتي يقتضي مستوى عال من نكران الذات وتشجيع الممارسات الإعلامية الفضلى وجعل اللجوء للقضاء آخر حل يفكر فيه، وهو ما لم نره في سلوكيات اللجنة خاصة ضمن المواد التي علق عليها المهداوي في شريطه.

بعدها مباشرة لجأت اللجنة للقضاء على اعتبار أن الأمر فيه انتهاك للخصوصية، وهو هروب للأمام يتناقض مع مفهوم التنظيم الذاتي. مع الأسف، المقاطع المنشورة تشير إلى الوضعية المتأزمة لحرية الصحافة بالمغرب، في وقت يحتاج في المغرب إلى تعزيز الثقة الرأي العام الوطني في المؤسسات، والهيئات الإعلامية في قلب ذلك، سواء من أجل تخفيف الاحتقان الداخلي، حيث لم نخرج تماما من أجواء احتجاجات جيل زد، أو من أجل تعزيز ثقة الرأي العام الدولي في المشاريع الكبرى التي ينخرط فيها المغرب محليا وإقليما (قضية الصحراء المغربية – نزاهة الانتخابات المقبلة) أو دوليا (كأس افريقيا وخاصة كأس العالم ومشاريع جلب الاستثمارات الخارجية المباشرة إلخ).

الخلاصة الأخيرة هي أن المقاطع المنشورة تسيء لصورة وتاريخ الصحافة بالمغرب، على اعتبار أن اللجنة المؤقتة تتشكل من صحافيين في نهاية المطاف تحولوا إلى قضاة وحولوا التنظيم الذاتي إلى آلية لاستهداف صحافيين بعينهم والتغاضي عن ممارسات صحفية بعيدة عن أخلاقيات المهنة.

  • هل تسمح هذه المقاطع بإصدار حكم على هذه اللجنة وأعضائها باعتبارهم مطالبين بأعلى معايير الحياد والموضوعية والنزاهة؟

نعم لأن اللجنة لم تنف ما تضمنته المقاطع من دوس على معايير الحياد والشفافية والموضوعية والاستقلالية والتركيز الحصري على الصالح العام.

على العكس، فاللجنة لم تعتذر عما صدر منها من انتهاكات في حق الصحافي المهداوي، ولم تبادر لنشر باقي المقاطع التي قد تتناقض مع أو توضح ما نشره المهداوي، ولم تبادر إلى نشر محضر اللقاء لنفي ما ذكره المهداوي في شريطه، وقامت باللجوء للقضاء من أجل تجريم ما نشره باعتباره خرقا لخصوصيتها. وهذا كاف لمطالبة كافة أعضاء اللجنة بتقديم استقالتهم.

  • هل ينطبق على الصحافي حميد المهداوي في هذه الحالة وصف فاضح الفساد وكاشف الحقيقة؟

في الحقيقة، الذي يستحق الإشادة أكثر على القيام بدور قارع الأجراس هو من سرب الشريط للمهداوي. وأظن أنه من الواجب على الصحافة والرأي العام عموما تتبع الوضعية عن كثب حتى لا يتعرض الأشخاص المعنيون لأي تضييق أو انتهاك أو اعتداء. أما المهداوي فقام بفضح الفساد وكشف الحقيقة باعتباره صحفي ساهم في ولوج الرأي العام لمعلومات حول انتهاكات وقعت داخل مؤسسة عمومية.

  • ما السبيل إلى استئناف بناء تجربة التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب؟

أولا لا بد من عودة المجلس الوطني للصحافة لوضعه الطبيعي كمؤسسة منتخبة مستقلة، وأن يبتعد المجلس عن منطق التعيين إلى أبعد حد ممكن، وأن يتم تشجيع دخول أسماء جديدة إلى المجلس تستأنف أدواره التي تنتظرها المشهد الصحفي والرأي العام والوطن عموما. بعد ذلك، تظهر الحاجة ملحة لإعادة الاعتبار لأخلاقيات المهنة، وهذه مسؤولية الناشرين والصحفيين تحت إشراف المجلس، وكذلك لتفعيل آليات التكوين على الممارسات الصحفية الفضلى ومفاهيم التنظيم الذاتي، وأيضا على التأطير القانوني لبعض الصحافيين الجدد مثل صحافيو العمل الحر freelancers حتى لا تجعلهم الهشاشة مدخلا للدوس على أخلاقيات المهنة.

وفي الأخير يصعب الحديث عن التنظيم الذاتي دون دمقرطة آليات الانتماء للجسم الصحفي وآليات الحصول على البطاقة والكشف عن ملاك وسائل الإعلام، وليس فقط الناشرين. فالشفافية تساهم حتما في تعزيز التنظيم الذاتي والتشجيع على الالتزام بأخلاقيات المهنة.

*أستاذ السياسات الإعلامية والثقافة الرقمية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء