story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
حقوق وحريات |

طلب اللجوء منذ 10 أيام.. قصة عبور شرطي مغربي إلى سبتة المحتلة

ص ص

“أريد اللجوء”. يقول مرتجفاً. ويرد الشرطي الإسباني مهدئاً من روع نظيره المغربي في لقائهما عند معبر “باب سبتة”: “اهدأ! ستتم معالجة طلبك للحماية الدولية أنت الآن في إسبانيا”. بهذا الحوار القصير بدأت قصة العبور التي خاضها الشرطي المغربي “م.س” هارباً من “العنصرية والتعذيب النفسي” حسب تعبيره، طالباً اللجوء في الجارة الشمالية.

وبعد خمسة أيام من وصوله إلى سبتة المحتلة، حيث خضع للمراقبة داخل مكتب في المعبر، أصدرت وزارة الداخلية الإسبانية قراراً، يوم الجمعة 23 ماي 2025، قضى فيه المدير العام للحماية الدولية، برفض طلب اللجوء للشرطي المغربي.

في المقابل، قررت المحكمة الإسبانية مراجعة قضيته، ووافقت على إجراء “تدبير احترازي عاجل” يمنع ترحيله إلى وطنه، حتى تبث في طعن تقدمت به محامية الشرطي، لتعلق الدائرة الخامسة في المحكمة الإدارية الإجراءات مؤقتاً للاستماع إلى موقف الإدارة قبل اتخاذ أي قرار.

ما القصة؟

غادر الشرطي المغربي (38 عاماً) موقعه في مدينة الفنيدق، يوم الإثنين 19 ماي 2025، حوالي الساعة السادسة مساء، متجهاً إلى معبر باب سبتة (تارخال) نحو خمسين متراً صوب المدينة المحتلة، حيث التقى أول شرطي إسباني.

وهناك بادر “م.س” قائلاً: “لا، لا توجد أي مشكلة في المعبر، أريد طلب اللجوء في إسبانيا”، وظل يرتجف حتى هدأه المفوض، قبل مرافقته إلى مكاتب المعبر حيث بقي فترة من الزمن تحت المراقبة.

وتنقل وسائل إعلام إسبانية قابلت الشرطي المغربي، من بينها “إل باييس” و”إل فارو”، قوله “أنا في حالة ذعر. إذا أعادتني إسبانيا إلى المغرب، ستكون نهايتي”، مشيراً إلى أنه قرر طلب اللجوء منذ ستة أشهر، وكان يدرك أن السلطات المغربية لن تسمح له “بالحصول على تأشيرة دخول قانونية لأوروبا، رغم أن القنصليات تمنحها عادة للموظفين”.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “إل باييس” الإسبانية، يوم الأربعاء 28 ماي 2025، فإن الشرطي “م.س”، الذي ينحدر من مدينة الحسيمة، عمل طيلة 15 عاماً في مواقع مثل معبر مليلية المحتلة أو مدينة طنجة، كما كان يؤدي مهاماً دورية كذلك في معبر باب سبتة.

وإضافة إلى ذلك، درس الشرطي المغربي السياحة وحصل على دبلوم في الطبخ قبل أن ينجح في امتحان ولوج أكاديمية الشرطة في القنيطرة. يقول الشرطي: “لم أكن لأواجه صعوبة في إيجاد عمل في إسبانيا”، مشيراً إلى أن “المضايقات والتمييز من رؤسائه في الشرطة دفعته للتوجه مباشرة إلى المعبر”، موضحاً: “كان هذا الخيار هو المخرج الوحيد المتاح أمامي”.

اتهامات بالعنصرية!

ويزعم الشرطي المغربي أنه شهد حالات تمييز ضد مواطنين ريفيين لا يتحدثون الدارجة، إذ “يتم رفض التعامل معهم في مركز الشرطة لأنهم لا يتكلمون سوى الأمازيغية”، ويصف ذلك بأنه “شكل من أشكال العنصرية”. ويقول: “عندما كنت أقدم شكوى، كانوا دائماً يردون علي بعبارات مثل: لا تتدخل”.

ويصرح “م. س” لصحيفة “إل باييس” أنه لا ينتمي لأي حزب سياسي كما أنه لم يشارك في “حراك الريف” الذي شهد احتجاجات هتفت بمطالب اجتماعية بين 2016 و2017، لكنه كان “من المتعاطفين مع الحراك ويشارك المتظاهرين مطالبهم”، وفقاً لتعبيره.

بعد المقابلة التي أجرتها معه الصحيفة الإسبانية، أرسل الشرطي رسالة نصية إلى هذه الأخيرة قال فيها: “حياتي وسلامتي الجسدية والنفسية في خطر حقيقي إذا عدت إلى المغرب. أخشى أن أتعرض للتعذيب أو العقاب دون ترك أي أثر… وقد يقولون إنني أعاني من اضطرابات عقلية… أعرف ذلك جيداً لأنني كنت جزءاً من ذلك النظام وأعرف كيف تُدار الأمور في الخفاء”.

وسعت صحيفة “صوت المغرب” للتواصل مع المديرية العامة للأمن الوطني من أجل الحصول على توضيح بشأن ادعاءات الشرطي الذي عبر إلى مدينة سبتة المحتلة، واتهاماته الموجهة إلى عناصر تنتسب إلى المديرية، لكن لم نحصل على أي رد إلى وقت نشر هذا المقال.

هل يُقبل الطلب؟

واعتبر قرار المدير العام للحماية الدولية، الذي أصدره نيابة عن وزارة الداخلية الإسبانية، أن مزاعم الشرطي “متناقضة وغير متماسكة، وتتعارض مع معلومات موثوقة عن بلده الأصلي”. ولهذا السبب، اعتبر أن طلبه “غير مبرر” لعدم وجود “خوف مبرر من الاضطهاد أو ضرر جسيم”.

وبفضل قبول الطعن في هذا القرار، أصبح من المسموح للشرطي البقاء “على الأراضي الإسبانية”، وفقاً للأمر القضائي الصادر عن المحكمة، وقد تم نقله من معبر باب سبتة إلى مكان إقامته المؤقت في انتظار صدور القرار.

واستند القضاة في قرارهم إلى وثائق تثبت كونه شرطياً في جهاز الأمن الوطني، وملاحظات المشرفين على مقابلة اللجوء، والتقارير الإيجابية من مفوضية اللاجئين التي توصي بقبول طلبه لمزيد من الدراسة والتحليل.

وتثير هذه القضية ضجة في أوساط سبتة بحكم أنها ليست مألوفة في المدينة المحتلة، إذ أنه بالرغم من تسجيل طلبات لجوء من عسكريين أو عناصر قوات مساعدة، في وقت سابق، لم تُسجل طلبات من رجال شرطة.

خوف ورجاء

“لقد رُفض طلبي للجوء من قبل الإدارة الإسبانية، لكني ما زلت متمسكاً بالأمل”، يقول الشرطي المغربي “س.م” بعدما قبلت المحكمة “تدبيراً احترازياً عاجلاً” أوقف إبعاده إلى حين البت في الطعن.

وفي طعنه أمام المحكمة يشير إلى أن أصوله الريفية وشكاياته ضد زملائه بشأن قبولهم رشاوى على الحدود في مليلية المحتلة “تسببت له في تمييز مهني، ومنعته من الترقية، كما تعرض لسلسلة من العقوبات الإدارية”.

ويضيف: “الأسوأ هو عندما حذرني زملاء من أن المافيات التي تسيطر على الحدود قد تنهي حياتي، وأنه من الأفضل لي أن ألتزم الصمت لأن شكاياتي لن تُجدي نفعاً”، ويلفت إلى أن “عناصر أمنية غيره تفكر في اللجوء أيضاً”. ويقول “بقراري طلب اللجوء لإسبانيا، أضحي وأعيش تحت ضغط نفسي هائل”.

وتنقل صحيفة “إل باييس” قوله بصوت مرتجف طالباً نشر قصته: “عانيت من الظلم والقمع والتعذيب النفسي. آمل أن يُسمع صوتي وأن يُنظر في قضيتي بعدالة. أنا مدرك تماماً أنني سأتعرّض للانتقام إذا عدت إلى المغرب”.

ويسترسل قائلاً: “أستيقظ في الليل مذعوراً لمجرد سماع أي صوت بسيط. وقتها أفكر أنهم جاؤوا لترحيلي أو إيذائي. خوفي يزداد يوماً بعد يوم”.