story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

طفل مشلول وأم متهمة بالديون.. قصة تلميذ دخل المدرسة ماشيا وخرج بآلام لا تنتهي

ص ص

لم تتخيل زهيرة أيت عمو ذات صباح من عام 2022، وهي ترسل ابنها رضى ذو العشر سنوات إلى المدرسة، ستعيش كابوسا لن تستيقظ منه. ودّعت الإبن بحنان الأم الذي لا حدود له، وبادلها بابتسامة بريئة على أمل العودة بعد ساعات. غير أن عودة رضى هذه المرة ستكون بوجع على مستوى الرقبة وآلام لا تنتهي، قبل أن تكشف الأيام أن الفتى أصيب بالشلل الذي سيلازمه ما تبقى من حياته، بعد اعتداء قاس من طرف أستاذته، بإحدى المدارس الخصوصية بمدينة بني ملال.

وبعد أيام قليلة، وبينما الأم تخوض معركة البحث عن علاج لإنقاذ حياة ابنها، متنقلة بين مستشفيات بني ملال ومستشفيات الدار البيضاء، ستجد نفسها مطلوبة لدى المحاكم، بسبب دعوى قضائية رفتعها ضدها المؤسسة التعليمية حيث يدرس رضى، مُتهَمة بـ “اعتراف بدين”، بقيمة 10 ملايين سنتيم، تقول إنها لم تطلبه ولم تستفد منه، في حين يؤكد مسؤولو المؤسسة أن “هذا الدين هو تراكم لواجبات التمدرس لأبنائها لمدة ثلاث سنوات”.

بدأت قصة الأم زهيرة أيت عمو وابنها رضى امسفع يوم 04 يناير 2022، حينما تعرض الأخير لاعتداء شنيع من أستاذته التي وجهت له ضربتين بقضيب بلاستيكي على مستوى العنق، بسبب نسيانه لدفتر واجباته المنزلية. الضربتان كانتا كافيتين لإصابته بغيبوبة وبنزيف على مستوى الأنف (رعاف).

وبينما كانت الأم ترقد مع ابنتها المريضة بأحد مستشفيات بني ملال، ستتلقى اتصالا من إحدى جاراتها تخبرها أن ابنها رضى وصل للتو إلى المنزل على متن سيارة المؤسسة في حالة صحية حرجة. انتقلت الأم بسرعة إلى البيت، “حينما وصلت وجدت رضى ينزف من أنفه، وحينما سألته ما الذي أصابك، قال اعتدت عليّ أستاذتي، ثم فقد وعيه”، تقول زهيرة أيت عمو في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”.

وأضافت: “أخذت الطفل على وجه السرعة إلى أحد مستشفيات المدينة، على نفقتي الخاصة، علما أنني أدّيت مع بدابة الموسم الدراسي واجبات التأمين للمؤسسة بقيمة 1500 درهم”.

حينما وصلَت إلى المستشفى، طُلب منها نقل الابن إلى مدينة الدار البيضاء، بحكم أن مستشفيات بني ملال لا تتوفر على التجهيزات اللازمة والإمكانات المطلوبة لمثل الحالة الخطيرة التي كان عليها رضى.

“أخذت ابني إلى مدينة الدار البيضاء على نفقتي، مرة أخرى، علما أن المؤسسة تتحمل كامل المسؤولية في ما وقع، فضلا عن كوني أؤدي سنويا واجبات التأمين. لكن أقصى ما فعلته المؤسسة هو أنها أخذت ابني إلى المنزل ورمته هناك جثة بلا حركة، بعدما وصلها صباحا، سليما يمشي على رجليه”، تحكي الأم زهيرة وهي تغالب دموعها.

في الدار البيضاء بدأت رحلة العلاج أو رحلة الألم الطويلة، رقد الإبن بأحد المستشفيات هناك قرابة الشهر، استعاد وعيه لكن الصدمة الكبرى كانت حينما علمت زهيرة أن فلذة كبدها فقد الحركة على مستوى أطرافه السفلى حيث أصيب بالشلل جراء الاعتداء العنيف على مستوى الرقبة، فضلا عن فقدانه حاسة السمع بإحدى أذنيه.

توضح الأم زهيرة أن “رضى رقد بالمستشفى لمدة 26 يوما وزاره 53 طبيبا”، وبينما هو كذلك اتصل بها صاحب المؤسسة يخبرها “بعدم إقحام اسم مؤسسته في الحادث” الذي راح ضحيته ابنها.

“وأنا في المستشفى مع ابني، اتصل بي صاحب المؤسسة وقال: زهيرة المهم هو ألا تُمس مؤسستي بسوء، وإذا ذكرتي اسم المؤسسة في هذه القضية سأقوم بما أراه مناسبا” في إشارة إلى تهديدها، تقول زهيرة أيت عمو، إن هي حاولت تحميل المؤسسة مسؤولية ما وقع لابنها.

بعدها بأيام وصل صاحب المؤسسة التربوية إلى المستشفى حيث يرقد رضى امسفع، “تحدث مع الطبيب بالفرنسية، وبما أنني لا أجد القراءة ولا الكتابة لم أفهم ما دار بينهما”، تقول الأم، قبل أن تضيف أن الطبيب أخبرها أن “الابن يتعاطى المخدرات، وهو الأمر الذي زاد من صدمتي، إذ كيف لطفل يبلغ من العمر 10 سنوات يتعاطى المخدرات، وأكثر من ذلك هو يرقد الآن هنا بسبب اعتداء جسدي وليس بسبب المخدرات”.

وعلى خلفية هذا المستجد طالبت الأم بإجراء تحاليل طبية لابنها لاستجلاء الحقيقة، وهو ما تم بالفعل، “والحمد لله كانت نتائج التحاليل سلبية مؤكدة أن ابني لا يتعاطى أي نوع من المخدرات”.

وفي ظل هذه المحنة، ستتوصل زهيرة أيت عمو يوم 16 فبراير 2022، باستدعاء من طرف المحكمة الابتدائية ببني ملال على خلفية دعوى قضائية رفعتها ضدها المؤسسة التربوية تطالبها بأداء دَيْن قيمته 10 ملايين سنتيم، مدعية أنها “لم تكن تؤدي الواجب الشهري لتمدرس 4 من أبنائها، بقيمة 500 درهم عن كل طفل لمدة ثلاث سنوات”.

نفت الأم كليا وجود اعتراف بدين اتجاه المؤسسة وقالت إن الأمر فيه “تزوير”، متسائلة: “وهل500 درهم شهريا عن كل طفل من أبنائي ستكلفني 10 ملايين سنتيم لتمدرسهم لمدة ثلاث سنوات؟”.

من جهته، قال صاحب المؤسسة الذي طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، “إن السيدة زهيرة لم تكن تؤدي واجبات تمدرس أربعة من أبنائها لمدة ثلاث سنوات، وهو ما كان يصعب معه إعادة تسجيل الأبناء في الموسم الدراسي الجديد، ولكي لا نحرمهم من حقهم في التمدرس، ارتأينا إلى هذه الصيغة القانونية (اعتراف بدين) بمحض إرادتها، كي نضمن حقوق المؤسسة”.

هذا الأمر أكدته كل من المديرة التربوية (ح.ق) والكاتبة بالمؤسسة (و.م)، إذ أوضحتا أن المعنية بالأمر كانت “لها مشاكل مع إدارة المؤسسة حول أداء واجبات التمدرس الخاصة بأبنائها”.

وأضافت المديرة التربوية (ح.ق)، خلال الاستماع لها من طرف الشرطة القضائية ببني ملال، أن زهيرة أيت عمو “كانت تتماطل حيث سبق وقدمت وعدا بسداد الواجبات بمجرد توصلها بتعويض عن حادثة سير، إلى أن حضرت إلى المؤسسة بتاريخ 2022/07/26 حيث كنت حاضرة وقد سلمت مبلغ 4000 درهم للكاتبة ومقابل ذلك وقعت وبصمت على اعتراف بدين على أساس أنها مدينة للمؤسسة عن المواسم الدراسية 2018-2019 و2019-2020 و2020 -2021 وتلتزم من خلاله بأداء ما بذمتها عن المواسم الدراسية المذكورة …”.

ومن جهتها، قالت الكاتبة بالمؤسسة (و.م)، “إن ادعاءات المشتكية بخصوص أنها غير مدينة للمؤسسة بأي مبلغ مالي وأنها كانت تؤدي واجبات تمدرس أبنائها، فإني أؤكد لكم أن تصريحات المعنية لا أساس لها من الصحة كونها لا زالت مدينة للمؤسسة بالواجبات الدراسية المتعلقة بأبنائها الأربعة الخاصة بالمواسم الدراسية 2018-2019 و 2019-2020 و 2021-2020، حيث لم تؤدي من تلك الواجبات إلا مبلغ 4000 درهم وهو المشار إليه في الاعتراف بالدين، إضافة إلى مبلغ 1000 درهم سلمته لي خلال شهر أكتوبر من سنة 2021 مقابل توصيل”.

“وأؤكد لكم أن المعنية كانت تتماطل في أداء تلك الواجبات إلى أن أصبحت مدينة بمبالغ مالية كبيرة تزيد عن 100 ألف درهم، بحيث أن المعنية حضرت إلى المؤسسة بتاريخ 2021/07/26 وسلمتني مبلغ 4000 درهم وسلمتها توصيلا عن ذلك، وقد وقعت لي على اعتراف بدين تلتزم بموجبه بأداء ما بذمتها لفائدة المؤسسة عن واجبات تمدرس أبنائها، وذلك بعدما أطلعتها عن مضمون الاعتراف بالدين الذي وافقت عليه دون إبدائها أي ملاحظة أو اعتراض”، تضيف الكاتبة.

غير أن الأمر الصادم في هذا “الاعتراف بدين”، تقول زهيرة أيت عمو حينما اكتشفت “تزويرا آخر”، يتعلق بكون أبنائها الأربعة “يدرسون جميعا بنفس المؤسسة الخصوصية حيث أصيب رضى.

والحال أن اثنين من أبنائها فقط هما اللذان يدرسان بالمؤسسة الخصوصية المذكورة، في حين اثنين آخرين يدرسان بمؤسسة عمومية، مؤكدة أنها “تتوفر على شهادات مدرسية تثبت هذا الأمر”.

وبالمقابل يؤكد صاحب المؤسسة التعليمية، أن الأبناء الأربعة درسوا جميعا بمؤسسته خلال المرحلة الابتدائية، “قبل أن ينتقل واحد منهم أو اثنين إلى القطاع العمومي (لا أتذكر العدد جيدا بحكم أنني لست المدير البيداغوجي للمؤسسة) حينما بلاغا المرحلة الإعدادية، وبقيت واجباتهما الدراسية غير مؤداة لفائدة المؤسسة”.

إضافة إلى ذلك، تؤكد الأم زهيرة أيت عمو أنها قدمت “كل الدلائل التي تفيد أنها سددت جميع المستحقات المتعلقة بتمدرس اثنين من أبنائها لفائدة المؤسسة”.

وإلى جانب هذا التضارب في عدد الأبناء الذين درسوا بالمؤسسة المعنية، ستجد زهيرة أيت عمو أن هذا الاعتراف، الذي قالت إنه “مزور”، مُوقع ومُصَحح بالمجلس الجماعي للمدينة ويتضمن بصمة، تؤكد أنها أيضا “مزورة”.

استعانت الأم بمفوض قضائي الذي قام بزيارة جماعة بني ملال واطلع على السجل الخاص بتصحيح الإمضاءات، إذ عاين أن اسمها غير مدون بالخانة الخاصة بالاعتراف بدين.

وأكثر من ذلك، تتضمن وثيقة “الاعتراف بدين” التي اطلعت عليها صحيفة “صوت المغرب”، حجزا على كل ما يوجد في ملكية زهيرة أيت عمو، إن عجزت هذه الأخيرة عن تسديد “الدين” المذكور.

هذا الأمر زاد من معاناة الأسرة، التي وجدت نفسها بين نار طفل أصبح مقعدا بسبب سلوك متهور لأستاذة، ونار دين تقول إنه “وهمي” سيكون كفيلا بتشريدها في حالة إن لم تلتزم بأدائه لفائدة المؤسسة.

طالبت الأم زهيرة بإجراء خبرة، لدى معهد علوم الأدلة الجنائية للدرك الملكي بالرباط، على البصمة التي تحملها وثيقة “الاعتراف بدين”، وهو الأمر الذي تم شهر نونبر سنة 2024، قبل أن تؤكد نتائج الخبرة أن هذه البصمة “غير قابلة للاستغلال” (أي أن الخبرة التقنية عجزت عن معالجتها)، في وقت تؤكد الأم أن البصمة “وهمية” وليست لها، “وقد تم وضعها باستعمال ثوب”.

وخلال مسطرة التقاضي بينها وبين المؤسسة ستكتشف زهيرة أيت عمو في لحظة ما أن عددا من الوثائق والحجج، من بينها شهادتان مدرسيتان تثبتان أن اثنين من أبنائها يدرسان بمدرسة عمومية وليس بمدرسة خصوصية، “قد اختفت من ملفها المعروض أمام القضاء في ظروف غامضة”.

هذا الأمر كلفها صدور حكم قضائي ضدها يقضى بأدائها الدين الذي تبلغ قيمته 10 ملايين سنتيم لفائدة المؤسسة، في وقت يقول فيه صاحب المؤسسة “إن المحكمة استندت في إصدار حكمها ضد السيدة زهيرة على عدم وجود وصولات أو أدلة تثبت أنها كانت تؤدي واجبات تمدرس أبنائها، وليس على وثيقة الاعتراف بدين”.

وبسبب “إحساسها بالظلم” جراء هذا الحكم، عبرت زهيرة أيت عمو عن تذمرها، ضد مسؤول قضائي بالمحكمة الابتدائية ببني ملال “بسبب سوء تعامله معها” حسبما تقول، وهددت بحرق نفسها أمام المحكمة، لتصدر هذه الأخيرة في حقها، رفقة فاعل حقوقي بالمدينة كان مساندا لها، عقوبة حبسية لمدة ستة أشهر نافذة لكل واحد منهما، مع غرامة مالية قدرها 20 ألف درهم بتهمة التشهير، قبل أن تسقط محكمة الاستئناف العقوبة الحبسية وتبقي على الغرامة المالية للطرفين.

أما الأستاذة المعتدية على الطفل رضى فقد قضت غرفة الجنايات الابتدائية ببني ملال، في الدعوى العمومية، بمؤاخذتها من أجل جنحة الضرب والجرح بواسطة السلاح في حق طفل دون الخامسة عشرة طبقا للفصلين 408 و411 من القانون الجنائي، بعد إعادة تكييف الأفعال إليها والحكم عليها بسنتين حبسا نافذا مع تحميلها الصائر مجبرا في الأدنى.

وفي الدعوى المدنية التابعة تم قبول المطالب المدنية المقدمة من طرف رضى امسفع في شخص ممثله القانوني اسليمان امسفع والحكم على الأستاذة بأدائها للمطالبين بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره خمسون ألف درهم مع تحميلها الصائر والإجبار في الأدنى مع رفض باقي الطلبات.

وترى أسرة الطفل أن هذه الأحكام القضائية تبقى “ظالمة”، و “لا ترقى لحجم الجرم” الذي اقترف في حق الطفل رضى، وقَلَب مجرى حياته، بعدما جعله ملزما بالتعايش مع إعاقة جسدية سترافقه طيلة عمره.

وبسبب هذه القصة الأليمة، وجدت الأسرة نفسها داخل دوامة لا تتوقف من الهموم والمعاناة، خاصة بعدما بات رضى يفكر جديا في الانتحار، رفضا لمصير لم يكن يتخيله، بحيث تناول كمية كبيرة من الأدوية دفعة واحدة، رغبة منه في إنهاء حياته جراء الإعاقة الجسدية التي أثرت على قدرته على المشي أو الوقوف أو حتى قضاء حاجته.

الجانب الآخر من المعاناة لا يقل قسوة عن سابقه، بحيث أصبحت الأسرة ملزمة بأداء “دين” قيمته 10 ملايين سنتيم، أو الحجز على ممتلكات الزوجة، تنفيذا لحكم قضائي بات حائزا لقوة الشيء المقضي به بعد مروره بجميع مراحل التقاضي، فضلا عن حكم استئنافي آخر ضد الأم يقضي بأدائها 20 ألف درهم، بعد “احتجاجها على مسؤول قضائي” بمحكمة بني ملال.

وفي مقابل هذا الوضع الصعب، أكد صاحب المؤسسة التعليمية في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أنه سبق له أن طلب من زهيرة أيت عمو تمكينه من الملف الطبي لابنها رضى “من أجل متابعة حالته الصحية بالمستشفيات الفرنسية”، بحكم أنه (صاحب المؤسسة) يعيش متنقلا بين المغرب وفرنسا، غير أن “أمه رفضت ذلك”، وهو الأمر الذي تنفيه الأم بشكل قاطع.

وتؤكد أيت عمو في ختام حديثها لصحيفة “صوت المغرب”، “يستحيل أن يكون هذا الأمر صحيحا، يا ليته طلب مني ذلك، لأن أملي وأقصى ما أتمناه أن يستعيد ابني صحته وابتسامته التي تضيء قلبي قبل أن تنير وجهه. أحلم أن أراه يمشي على رجليه ويركض بحرية بين أقرانه، وأن أشهد تلك اللحظة التي ينهض فيها من جديد، فيكون شفاءه أعظم هدية يمكن أن يمنحها الله لي”.