طارق السكيتيوي.. عراب النجاح المتدرج
وهو خارجٌ من أرضية ملعب خليفة الدولي بالعاصمة القطرية الدوحة بعدما قاد منتخبه لتحقيق فوز صعب على خصم سوري شرس، محققا تأهلا مستحقا لنصف نهائي كأس العرب، تلقفته ميكروفونات وسائل الإعلام الحاضرة بغرض أخذ تصريحِ ما بعد المباراة، فوجدوا نفس طارق السكيتيوي الذي يعرفون.
شخص هادئ متواضع يصر على أنه مجرد مبتدئ في عالم كرة القدم، ولازال يتعلم فيها كل يوم أشياء جديدة، ويرتكب فيها الأخطاء ويأخذ منها دروسا.
الإبن الخالص لدروب مدينة فاس وأحيائها العتيقة، مساره كلاعب الذي أوصله إلى مستويات عالية في الإحتراف، يكرره بنفس التفاصيل كمدرب، سِمته الأساسية العمل والتدرج والصبر على النتائج.
عندما ولد في 13 ماي من سنة 1977، كان طارق آخر عنقود إخوة رياضيين داع صيتهم في فاس وفي أرجاء المغرب، أشهرهم عبد الهادي الذي لعب في المغرب الفاسي ودرب العديد من الأندية الوطنية، ثم جاء المسار الذي سيسلكه الصغير الموهوب طارق، ليؤكد أن لكرة القدم جينات تنتقل بالوراثة، وأبناء أسرة السكيتيوي اشتركوا فيها وأضافوا إليها التفوق الدراسي والتحصيل العلمي، فكان التميز الذي أرخى بأفضاله عليهم في اللعب والتدريب.
عندما اقترب طارق من إكمال سنواته العشر، كان يشفع له إسمه العائلي إضافة إلى موهبته المهارية اللافتة في الإنضمام السريع لصغار فريق المغرب الفاسي، وهناك ظل حاملا للقميص الأصفر والأسود إلى حين وصوله إلى فئة الشبان، وخلال هذه المدة كان يتردد على منتخبي الفتيان والشبان من خلال تجربة الإقامة في مركز المعمورة تحت إمرة المدرب رشيد الطاوسي، وهي التجربة التي منحت المغرب لقبا إفريقيا تاريخيا في دورة كأس إفريقيا للأمم للشبان، التي احتضنتها مدينتي فاس ومكناس سنة 1997.
كان اللقب الإفريقي مع منتخب الشبان، وجائزة أحسن لاعب في الدورة، إيذانا لطارق السكيتيوي من أجل رسم مسار التألق خارج المغرب، سيما وأن ناديه “الماص” لم يجد لموهبة مثله مكانا في الفريق الأول، فغادر إلى فرنسا ثم إلى سويسرا بحثا عن أفق كروي أرحب.
ورغم بدايات صعبة بين أوكسير وماريتيمو ونوشاتيل، وجد السكتيوي بوابته الحقيقية في هولندا رفقة نادي فيلم 2 تيلبورغ، حيث تفجرت موهبته وصار قائدًا للفريق وثبّت اسمه كواحد من أبرز صناع اللعب في الدوري الهولندي.
وفي 2004، انتقل إلى نادي أ زيد ألكمار الهولندي، ثم إلى إف سي بورتو البرتغالي، وهناك عاش إحدى أجمل فترات مسيرته. شارك في دوري أبطال أوروبا ووقّع هدفًا تاريخيًا في مرمى مارسيليا، بقي إلى اليوم يتذكرونه في أوروبا كواحد من أروع أهداف المسابقة الكروية الأشهر في العالم على مستوى الأندية.
خلال تجربته مع نادي بورتو، توّج بثلاث بطولات دوري وكأس البرتغال، مثبتًا مكانته كلاعب موهوب حين تتاح له الثقة والمساحة.
عاد سنة 2010 إلى المغرب الفاسي ليختم مسيرته بتتويج قاري كبير، حيث قاد فريقه للفوز بكأس الكونفدرالية الإفريقية قبل أن يعلن اعتزاله في سن 34 عامًا.
طارق السكيتيوي يمكن اعتباره واحدا من أكبر اللاعبين المظلومين الذين لم يستفد المنتخب الوطني الأول من قيمتهم الكروية العالية، فرغم كل ما كان يقدمه في أوروبا من مستويات مبهرة، كان حضوره قليلا وباهتا مع النخبة الوطنية لأنها كانت تعيش فترات تخبط وعدم استقرار عقب مونديال فرنسا 1998.
كان قرار الإعتزال في سن مبكر نسبيا مخططا له من طرف طارق ومن طرف مقربيه، وكان الهدف الذي يتراءى أمامه، هو التحول إلى التدريب، سيما وأن له كل مؤهلات كي يصبح مدربا عالميا.. شواهد دراسية رفيعة، إجادة اللغات والتواصل، وفوق كل ذلك تجربة كروية في المستويات العليا لكرة القدم.
السكيتيوي الذي يؤمن بالنجاح المتدرج، لم يبدأ مساره كمدرب لفئة الكبار، ولم تصبه شهرة الإسم في أن يطلب تدريب أندية كبيرة في المغرب منذ البداية، بل فضل الإشتغال مع المشتل الأول لكرة القدم التي هي الفئات الصغرى ، فأفاد الناشئة بشخصيته وتجربته وأخلاقه، وكان القدوة للعديد من المواهب التي لازالت تتذكر خصاله إلى اليوم.
يقول عنه المدافع الدولي نايف أكرد الذي دربه طارق في أكاديمية محمد السادس: “اشتكيت له مرة تعرضي للتهميش والتنقيص من مؤهلاتي، فكان جوابه، إصبر واشتغل وستصل إلى هدفك، فلك كل مقومات اللاعب المحترف” ويضيف: “كان جوابه هو من أوقف قراري بالعودة لمنزلنا في القنيطرة وإنهاء مساري الكروي، فقررت مواصلة الطريق بأكثر قدر من العزيمة والإصرار”.
تجارب كثيرة ومتنوعة داخل المغرب والخليج خاضها طارق السكيتيوي كمدرب، كان القاسم المشترك بينها هو الإحترام الذي يلقاه أينما حل وارتحل من اللاعبين كما المسيرين، رجل لا يعرف للصدام طريقا، ولا لفرض قناعاته بالتسلط، يؤمن كثيرا بأن تحقيق الإنجازات في كرة القدم يأتي بالتواضع والعمل والإستفادة من الأخطاء، وتقبل الإنتقادات بصدر رحب.
كان من ثمار هذا المسار التدريبي الحافل لطارق السكتيوي، عددا من الألقاب الكبيرة، أولها، لقب كأس العرش مع الفريق الأم المغرب الفاسي، سنة 2016، ولقب الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم مع نادي نهضة بركان سنة 2020، والميدالية البرونزية مع المنتخب الوطني في أولمبياد باريس سنة 2024، ولقب كأس إفريقيا للاعبين المحليين “الشان” مع المنتخب الوطني في النسخة التي احتضنتها كل من تنزانيا، كينيا، وأوغندا سنة 2025.
إلى جانب ذلك، يطمح ابن مدينة فاس لتحقيق لقب كأس العرب لكرة القدم، بعدما تأهل رفقة أسود الأطلس، إلى نصف نهائي البطولة العربية التي تحتضنها قطر، إلى غاية 18 دجنبر الجاري.