ضيوف “من الرباط”: فاجعتا فاس وآسفي ليستا قدرا محتوما بل مسؤولية بشرية
ناقشت حلقة جديدة من برنامج “من الرباط“، الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، فاجعتي فاس وآسفي اللتين خلفتا قتلى ومصابين وخسائر كبيرة في الممتلكات والبنى التحتية.
وقد اتفق ضيوف البرنامج على حضور المسؤولية البشرية في هاتين الفاجعتين، مؤكدين أنهما لم تكونا مجرد قدر محتوم، بل كشفتا عن اختلالات تدبيرية وتقصير بشري واضح.
كتل خرسانية وقنوات مغلقة
وفي هذا الصدد، أكد المحامي وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، رضا بوكمازي، أن المسؤولية البشرية كانت حاضرة وبقوة في فاجعة فيضانات آسفي الأخيرة، مسجلا تقصيرا في التنبيه الاستباقي من طرف مديرية الأرصاد الجوية التي لم تدرج المدينة ضمن نشرتها الإنذارية ليوم الجمعة الذي سبق الكارثة، بالإضافة إلى غياب التعبئة الميدانية اللازمة لـ “لجنة اليقظة” التي لم تنعقد للاستعداد لهذه التساقطات.
وعلى مستوى التدبير التقني، أشار بوكمازي إلى إهمال وكالة الحوض المائي في تنقية “واد الشعبة” لسنوات بحجة قلة الأمطار، رغم تبعيته القانونية لها، منبهاً إلى وضع كتل خرسانية بالميناء أدت لانسداد فوهة الواد، وكذا إغلاق قنوات تصريف المياه تحت السكة الحديدية التي أُحدثت سنة 2019، مما تسبب في اختناق قنوات التصريف وتفاقم الكارثة، بشكل يثير الاستغراب والتساؤلات.
كما انتقد المتحدث وهو مستشار بمجلس جماعة آسفي يمثل المعارضة، “غياب آليات التدخل السريع وضعف الاستعداد اللوجستي”، حيث تُرك المواطنون لمواجهة القدر بجهودهم الأولية في غياب “المنصات الجهوية لتدبير مخزون الكوارث” التي كان من المفترض أن تكون جاهزة، مشددا على ضرورة إرساء “ثقافة دولة” في التعامل مع التحولات المناخية عبر تعزيز القدرات التقنية لتقليص آثار الكوارث الطبيعية.
وفي سياق متصل، كشف بوكمازي عن مفارقة اقتصادية صارخة؛ موضحا أن آسفي تساهم بـ 22% من الإنتاج الوطني للفوسفاط (مع توقعات بتضاعف الإنتاج 8 مرات خلال 6 سنوات)، وتؤمن 27.5% من الاحتياجات الوطنية من الطاقة الكهربائية، ومع ذلك تظل المدينة “منسية وغائبة عن الرؤية التنموية الحقيقية” التي تتناسب مع وزنها الاستراتيجي في الناتج الداخلي الخام.
تحديات التغيرات المناخية
ومن جانبه، يرى الإعلامي والكاتب عبد الله الترابي أن فاجعة آسفي ليست مجرد “قضاء وقدر”، بل هي نتاج مباشر للمسؤولية البشرية والتقصير التدبيري.
واعتبر الترابي أن ما حدث في آسفي وقبلها انهيار عمارتين في فاس يعكس سوء تقدير في التعامل مع المدن “المنسية والمهمشة”، مبرزا أن التساقطات المطرية في آسفي وإن كانت ظاهرة طبيعية، إلا أنها تفضح هشاشة البنية التحتية وغياب الاستباقية.
واعتبر في هذا الإطار أن المغرب لم يستوعب بعد حجم التحديات الحضرية الكبرى التي يفرضها العالم اليوم، وعلى رأسها التغير المناخي الذي لم يعد مجرد فرضية بل واقعا يوميا يفرض التكيف مع تقلبات حادة.
وأشار إلى تأرجح بين سنوات الجفاف والأمطار الطوفانية المفاجئة، وانتقال من البرودة القاسية إلى الحرارة المفرطة، “وهو ما يتطلب مقاربات مغايرة تماما لما هو سائد في المغرب”.
وفي غضون ذلك، شدد المتحدث على أن التغير المناخي والطفرة الرقمية أو الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إعادة النظر في نوعية المؤسسات السياسية، تبقى من بين التحديات الحضرية الكبرى التي تفرض نفسها في الوقت الراهن، وهو ما يستوجب وضع سياسات عمومية تتماشى وهذه التحديات.
غياب ثقافة البروتوكولات
ومن زاوية أخرى، انتقد مدير أخبار صحيفة “M.Daily”، حمزة الأنفاسي، استمرار الدولة في التعامل مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية كأحداث “موسمية” عابرة.
وأكد المتحدث، في هذا الجانب، أن الأرضية لم تُهيأ بعد لمواجهة هذه التحولات بنيويا، مشيرا إلى أن المغرب يفتقد لثقافة “البروتوكولات” الواضحة لتعامل مع الكوارث سواء على المستوى الرسمي أو المجتمعي.
ولفت الأنفاسي إلى وجود خلل جسيم في منظومة اتخاذ القرار الميداني، حيث لا يزال المغرب محكوما بمنطق “القرار الفوقي” الذي قد يتأخر لـ 19 ساعة في بعض الحالات الطارئة التي لا تحتمل الانتظار.
ومن جهة أخرى، شدد المتحدث نفسه على ضرورة تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة لمتابعة المقصرين الذين يفشلون في تنزيل البروتوكولات المعمول بها دولياً أثناء الأزمات الكبرى، لضمان نجاعة التدخل وحماية الأرواح.
وفي سياق العدالة المجالية، أكد حمزة الأنفاسي أن الدولة ملزمة بتوفير الخدمات الأساسية بنفس الجودة لجميع المواطنين أينما وجدوا، مضيفا، بلهجة انتقادية أنه “من غير المقبول إقامة مهرجانات باهظة التكلفة في وقت تفتقر فيه المدن لآليات إنقاذ حيوية مثل طائرات الهليكوبتر” المخصصة للتدخل الاستعجالي.
وخلص المتحدث إلى أن الفرد يجب أن يكون أولوية سابقة على الدولة وليس العكس.
لمشاهدة الحلقة كاملة، يرجى الضغط على الرابط