شبح العطش يتربص بالبيضاء ونسب ملء السدود تنخفض إلى مستويات حرجة
تُواجه عدد من جهات المملكة أزمة مائية خانقة نتيجة توالي سنوات الجفاف من جهة، واستنزاف الفرشة المائية من جهة ثانية. وتبقى جهة الدار البيضاء – سطات، من بين الجهات الأكثر تأثرًا، بحيث باتت تقف على شفا موجة عطش غير مسبوقة، بعدما انخفضت نسبة ملء السدود المزودة للجهة إلى مستويات حرجة.
وبحسب معطيات نشرتها صحيفة “ليكونوميست” المغربية، يعتمد اقتصاد جهة الدار البيضاء- سطات بشكل أساسي على حوض أم الربيع، الذي لا تتجاوز نسبة ملئه 8,6%، أما سد المسيرة، الذي يُعد الخزان الرئيسي لتزويد العاصمة الاقتصادية بالماء الشروب، فقد تراجعت نسبة ملئه إلى 2% فقط، ما ينذر بأزمة غير مسبوقة في تزويد المدينة بالمياه الصالحة للشرب والمياه الموجهة للري.
وتبدو وضعية سد ابن معاشو، هو الآخر، حسب الصحيفة أكثر خطورة، إذ لا تتعدى نسبة ملئه 1%، في مؤشر واضح على حالة الطوارئ المائية التي تعرفها الجهة، والتي تتطلب تدابير عاجلة واستثنائية لضمان استمرارية تزويد الجهة بالماء على المدى القريب.
وفي هذا الإطار، بلغ الحجم الإجمالي للمياه المخزنة في السدود المغربية، إلى غاية 10 نونبر 2025، نحو 5.176 ملايين متر مكعب، بزيادة طفيفة قدرها 4,1% مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2024.
ورغم هذه الزيادة، فإن معدل الملء الإجمالي للسدود لا يتجاوز 30,8%، وفقًا للبيانات الرسمية المنشورة بموقع maadialna.ma التابع لوزارة التجهيز والماء، وهو ما يعكس استمرار الضغط الكبير على الموارد المائية وضرورة تسريع تنفيذ الحلول الاستراتيجية لمواجهة الخصاص البنيوي في الماء.
ومع تفاقم ندرة المياه الناتجة عن التغيرات المناخية، تؤكد وزارة التجهيز والماء على “ضرورة أن تتحول ثقافة الاقتصاد في الماء إلى سلوك مواطن، ومدرسي، ومؤسساتي، يترسخ في مختلف فئات المجتمع”.
وقالت الوزارة في هذا الصدد، إن “المغرب حقق تقدما مهما في مجال تعميم الولوج إلى الماء الصالح للشرب وشبكات التطهير، خصوصًا في الوسط القروي”، مشيرة إلى أنه “تم، حتى الآن، ربط 83 مركزًا حضريًا و10.532 دوارًا بشبكة الماء الصالح للشرب، فيما تتواصل الأشغال في 98 مركزًا إضافيًا”.
خطة استعجالية لمواجهة الأزمة
ولمواجهة هذا الوضع الحرج، تقول الصحيفة، “أطلق المغرب برنامجًا تكميليًا استعجاليًا بقيمة 14,9 مليار درهم، في إطار البرنامج الوطني للماء الصالح للشرب والري 2020–2027″، لضمان ولوج دائم وآمن للماء الصالح للشرب في المناطق الأكثر تضررًا، سواء الحضرية أو القروية، وتعزيز قدرة البلاد على الصمود أمام الأزمات المائية المستقبلية.
ويشرف على تنفيذ هذا البرنامج وزارة الداخلية بشراكة مع السلطات المحلية والجماعات الترابية، وتشمل مشاريع استراتيجية أبرزها ست عمليات لتحويل المياه من محطات تحلية ماء البحر.
ومن بين المشاريع المتقدمة في الإنجاز، يضبف المصدر، مشروع ربط أحواض اللوكوس وطنجة عبر تحويل 100 مليون متر مكعب من المياه بين سدي وادي المخازن ودار خروفة، وإنشاء قناة مائية جديدة لنقل 60 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من الجرف الأصفر إلى محطة دورات، بما يعزز الأمن المائي للتجمعات الحضرية الكبرى.
وتؤكد كل المؤشرات أن المغرب يقف اليوم أمام تحدٍّ مائي غير مسبوق، يتطلب تدبيرًا جماعيًا ومسؤولًا، بحيث أصبح موضوع الماء شأنًا وطنيًا واستراتيجيًا يستدعي تضامن الجميع من الدولة إلى المواطن من أجل حماية هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.
إرباك للموسم الفلاحي
من ناحية أخرى، تتجدد المخاوف بشأن الوضعية المناخية والزراعية بالمغرب مع انطلاق الموسم الفلاحي الجديد، إذ يعتبر الخبراء هذا الموسم من أكثر المواسم تعقيدًا خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لاستمرار تأثير سنوات الجفاف السابقة وتأخر التساقطات المطرية في معظم جهات المملكة هذه السنة.
وتؤكد المعطيات الرسمية هذه المخاوف، بحيث صرح وزير التجهيز والماء، نزار بركة، بأن الوضع المائي الذي يمر به المغرب “استثنائي”، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه أزمة الجفاف للسنة السابعة على التوالي، مع نسبة عجز مائي مرتفعة.
وأوضح الوزير، في رده على أسئلة المستشارين البرلمانيين خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، أن “واردات الماء خلال شهر شتنبر 2025 لم تتجاوز 160 مليون متر مكعب، بالرغم من تحسن نسبي في التساقطات خلال السنة الماضية، حيث بلغ متوسط التساقطات 142 ملم على الصعيد الوطني، وواردات بلغت 4.8 مليار متر مكعب، إلا أن العجز المائي لا يزال مرتفعًا بنسبة 58 في المائة”.
كما أشار إلى أن “نسبة ملء السدود لا تتجاوز حاليًا 32 في المائة، بعد أن كانت 40 في المائة في شهر ماي الماضي، بسبب متطلبات إمدادات الماء الصالح للشرب والزراعة”.