سيرا على الأقدام.. ساكنة آيت بوكماز تحتج ضد التهميش والإقصاء

“لم نخرج إلا بعد أن ضقنا ذرعًا من التهميش والإقصاء الممنهج، وبعد أن نفد صبرنا”، هكذا عبّر عبد الكريم تمغالت، أحد ساكنة آيت بوكماز والمشاركين في المسيرة، عن دوافع اختيار هذا الشكل الاحتجاجي غير المسبوق، مؤكدًا أن “المسيرة على الأقدام جاءت كخيار اضطراري بعدما أغلقت في وجهنا كل السبل”.
المسيرة التي انطلقت أمس الأربعاء 09 يوليوز 2025 من قلب منطقة آيت بوكماز التابعة لإقليم أزيلال، تتجه نحو ولاية بني ملال مرورًا بعاصمة الإقليم أزيلال، في رحلة طويلة يقطعها المحتجون مشيًا على الأقدام، يقودهم خلالها رئيس جماعة تبانت بإقليم أزيلال، خالد تيكوكين، للدفاع عن حق الساكنة في التنمية والكرامة.
وفي حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، قال عبد الكريم تمغالت إن “المنطقة تعاني بشكل كبير من غياب التنمية، وتعيش في عزلة تامة عن باقي المناطق”، موضحا أن “البنية التحتية تعاني من ضعف شديد، كما أن التغطية الهاتفية والإنترنت منعدمتان”.
ولفت المتحدث إلى أن “الإقصاء والتهميش الذي تعاني منه المنطقة هو إقصاء ممنهج، وليس ناتجًا عن نقص في الإمكانيات، حيث تُعد آيت بوكماز منطقة سياحية غنية بالموارد الطبيعية والجمالية، إلا أن تصفية الحسابات السياسية هي السبب الرئيسي وراء حرمانها من المشاريع التنموية وتعطيل أي خطوة من شأنها تحسين الوضع المعيشي للسكان”.
وخلال المسيرة، ترفع الساكنة مطالب على رأسها توسيع الطريق نحو أزيلال عبر تيزي نتغريست وآيت عباس، لتسهيل الوصول إلى المنطقة وربطها بالمناطق المجاورة، كما تطالب بتغطية الدواوير بشبكة الهاتف والإنترنت، فضلا عن إلغاء رخص البناء في المناطق النائية، وتعيين طبيب رئيسي بالمركز الصحي، وإقامة ملعب كبير لكرة القدم لتوفير فضاءات للشباب.
كما تطالب الساكنة أيضا بربط الدواوير بشبكة الماء الصالح للشرب، وببناء مدرسة جماعية وتوفير النقل وخاصة المدرسي لمحاربة الهدر المدرسي والتشجيع على الدراسة خاصة في وسط الفتيات، والدعوة لفتح مركز تكوين في المهن الجبلية، بما يتماشى مع خصوصيات المنطقة ويوفر فرص شغل محلية.
وكان المتحدث تمغالت قد لفت إلى أنه كان هناك مركز لتكوين المهن الجبلية، إلا أنه تم إغلاقه، رغم أنه كان يوفر فرص تكوين لشباب المنطقة ويخلق فرص عمل لهم، وأضاف أنه تم إغلاق المركز بدعوى إصلاحه، لكن لم تتم إعادة فتحه منذ سنوات.
حسابات سياسية
من جانب آخر، قال هشام ازرو، نائب كاتب فيدرالية اليسار الديمقراطي فرع أزيلال، إن “المنطقة تعاني من وجود صراعات سياسية قائمة بين رئيس الجماعة، ورؤساء العمالة والجهة المنتمين إلى أحزاب أخرى.”
وأوضح ازرو أن “رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، مرفوض من قبل هذه الأطراف السياسية، إذ يتم التضييق عليه، كما يتم تعطيل العديد من المشاريع المعلنة، فضلا عن التراجع عن عدد من الصفقات التي يتم الإعلان عنها كفرص تنموية للمنطقة”.
وأشار المتحدث إلى أن “الساكنة مقصية من أبسط الحقوق والخدمات الأساسية، إذ لا توجد شبابيك للبنوك ولا خدمات تضمن لهم حياة كريمة”، موضحا أن “مطالب الساكنة لا تتعدى شرايين الحياة الأساسية في المنطقة، مثل إصلاح الطرق وتوفير شبكة الإنترنت، كونها منطقة سياحية جبلية تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستقطاب السياح”.
وأضاف أن “صعوبة الوصول إلى آيت بوكماز تُشكل عائقًا كبيرًا أمام الزوار، ما يحد من إمكانيات التنمية الاقتصادية التي كان من الممكن أن توفر فرص عمل للسكان.”
وتابع المسؤول الحزبي أن “من ضمن المطالب الحيوية التي رفعها السكان هو إنجاز سدود للتنمية لحماية المنطقة من خطر الفيضانات التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم”، مشيرًا إلى أن “الساكنة فقدت مؤخرًا محصولها من التفاح، الذي يعد مصدر رزقها الوحيد، وهو ما زاد من معاناتهم وأدى إلى تهديد قوتهم اليومي”.
ويشار إلى أن المسيرة انطلقت من آيت بوكماز، ووصلت مساء أمس الأربعاء إلى منطقة آيت محمد التي تبعد عن أزيلال بنحو 19 كيلومترًا، لتستأنف يوم الخميس 10 يوليوز 2025 على الساعة الثامنة صباحًا، سيرها باتجاه أزيلال، حيث وصلت إلى مقر عمالة أزيلال، وكانت تعتزم الاستمرار نحو ولاية بني ملال.
توقف مؤقت للمسيرة
وبعد التوجه إلى مقر العمالة الخميس 10 يوليوز 2025، استقبل عامل إقليم أزيلال لجنة عن المشاركين في مسيرة آيت بوكماز، “ووعد بالاستجابة لجميع مطالب الساكنة في أقرب الآجال”، وهو ما دفع المحتجين إلى إنهاء المسيرة مؤقتًا، في انتظار تنفيذ الالتزامات وتحقيق المطالب التي تهدف إلى تحسين ظروف عيشهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وبخصوص تفاصيل اللقاء، قال حسن لعكون، أحد أبناء آيت بوكماز وعضو لجنة الحوار التي التقت بعامل إقليم أزيلال، “إن اللقاء خلص إلى الاتفاق على عقد اجتماع موسّع سيجمع العامل برؤساء المصالح ورئيس جماعة تبانت، على أن يفرز لاحقًا زيارة رسمية للعامل إلى مقر الجماعة في آيت بوكماز، بهدف كسر جدار الصمت والتواصل الذي يفصل بين المجلس الجماعي وساكنة المنطقة”.
وأبرز لعكون أن عددًا من المطالب الأساسية تم التعهد بالنظر فيها بشكل فوري، خاصة ما يتعلق بتقوية شبكة الهاتف والإنترنت، وإلغاء رخص البناء في المناطق النائية، إلى جانب تعيين طبيب رئيسي بالمركز الصحي، مشيرًا إلى أن اللجنة أُبلغت شفهيًا بأن هذه الملفات ستُعالَج في غضون عشرة أيام.
أما فيما يخص مطلب توسيع الطريق عبر تيزي نترغيست، فقد أوضح لعكون أن العامل أكد أن هذا الورش يوجد قيد الإعداد والبرمجة، وستتم مباشرته خلال الأشهر المقبلة.
وفيما يتعلق ببناء ملعب لكرة القدم، قال لعكون إن “العامل أشار إلى وجود برنامج يضم سبعة ملاعب قروية تمت برمجتها بالفعل”، وأضاف أن ملف آيت بوكماز قد تم ضمّه لاحقًا إلى البرنامج، بناءً على مراسلة وجهها عامل الإقليم إلى رئيس جهة بني ملال اخنيفرة، غير أن الإعلان الرسمي عن المشروع لم يُنشر بعد.