سنتان على زلزال الحوز.. معاناة مستمرة وشهادات تصف مغرب السرعتين

تحل اليوم الاثنين الذكرى الثانية للزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز وباقي مناطق الأطلس الكبير، ليلة الثامن من شتنبر سنة 2023، مخلفا أكثر من 3000 قتيل وخسائر مادية فادحة في البنيات التحتية والممتلكات.
وبعد مرور سنتين كاملتين لا تزال معاناة ساكنة المنطقة متواصلة، بفعل فشل السياسات الحكومية وتأخرها في إعادة إعمار المنطقة، وتمكين أهلها، الذين لازال العديد منهم يقطن خياما بلاستيكية، من سكن لائق يحفظ كرامتهم ويقيهم حر الصيف وقسوة البرد والشتاء.
وإلى جانب هذه المعاناة الصعبة، لاتزال ساكنة إقليم الحوز تعيش في رعب دائم، خوفا من تكرار الكارثة، بفعل الهزات الارتدادية الاي تباغتهم بين الفينة والأخرى، والتي كان آخرها الهزة الأرضية التي ضربت ثلاث نيعقوب، قرب مدينة مراكش، في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 03 شتنبر 2025، والتي بلغت قوتها 4.5 درجات على سلم ريشتر.
آمنا بالفاجعة.. وليس بالإقصاء
يقول عبد الرحيم أيت القاضي من منطقة أمزميز، ولا تزال عائلته متواجدة بدوار أنرني بجماعة أزكور “عائلتي والساكنة ما زالوا إلى حدود هذه اللحظة ينامون تحت الأشجار، خوفاً من أي هزة ارتدادية جديدة، لقد عاشوا لحظات من الرعب والذعر حوالي الساعة الرابعة يوم الأربعاء الماضي.”
هذه الهزات الارتدادية المتكررة، التي تباغت الساكنة المتضررة، وتعيد إلى الأذهان مشاهد زلزال الثامن من شتنبر عام 2023، الذي ما زالت جراحه غائرة وآثاره بادية في مختلف ربوع الحوز، ثم الفيضانات التي تجتاح المنطقة بين الفينة والأخرى، وحرارة الشمس التي تلهب خيامهم في فصل الصيف، رغم كل هذا، يقول آيت القاضي “الفاجعة والقضاء آمنا بيه، ولكن نحن ضد الإقصاء الذي نتعرض له”.
ويضيف المتحدث في تصريحه لصحيفة “صوت المغرب” أنه فقد 37 فرداً من أسرته جراء الزلزال، من بينهم جدته وخاله وأطفال من الأسرة وغيرهم، مجددا ترحمه عليهم، لكن ما يحزّ في نفسه أكثر اليوم، يؤكد “هم أولئك الأحياء الذين بقوا في المنطقة، والذين يموتون شيئاً فشيئاً نتيجة سياسات الإقصاء والتهميش”.
من أكثر المشاهد المؤلمة، بحسب عبد الرحيم، تلك “الخروقات والتمييز الذي يطبع عملية توزيع الدعم على المتضررين”، مستشهدا ببيت عائلته الذي “لم يحصلوا عنه سوى على تعويض جزئي، في حين استفاد آخرون من الدعم الكلي، من أعوان السلطة والمنتخبين وعائلاتهم، الذين لا يُعدّون أصلاً من السكان الأصليين للمنطقة المتضررة”.
ويتابع موضحًا أن السلطات أجبرت بعض الأسر على العودة إلى منازلهم المليئة بالشقوق والمهددة بالانهيار مع أي هزة أرضية جديدة، فقط للتخلص من الخيام التي اعتبرتها “تشوه المنظر العام للمدينة”، معتبرا أن “ما يشوه حقيقة صورة المدينة والبلاد هو تعريض حياة سكانها لخطر حقيقي، لن يُعرف من سيتحمل مسؤوليته إذا وقعت فاجعة جديدة.”
يؤكد المتحدث مجددا على أن الملف الخاص بزلزال الحوز مليء بالنقاط السوداء والخروقات، مشيرا إلى أن أكثر من 57 أسرة في دوار أنرني بجماعة أزكور ما زالت تقيم في الخيام، تواجه حرارة الصيف الشديدة والفيضانات المتكررة، بينما تستمر السلطات في تجاهل مطالبهم.
وقال إن هذه المشاهد هي التي تؤكد أن المغرب يسير بسرعتين، الأولى سريعة تعكسها التظاهرات والمشاريع الكبرى التي تستفيد منها مدن كالرباط والدار البيضاء وطنجة، والثانية بطيئة تعيشها المناطق الجبلية ومناطق الزلزال، مشدداً على أن هذا التفاوت هو ما يحول دون اكتمال فرحتهم بالتطور الذي تعرفه البلاد.
ولهذا، طالب المتحدث المؤسسات بالتحرك لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تقتضي أن يتساوى الجميع في التعويضات والخدمات، وأن تُعطى الأولوية للمتضررين الأصليين قبل غيرهم، لضمان حياة كريمة وأمانًا للسكان الذين تحملوا الفاجعة وما زالوا يعيشون تبعاتها.
معطيات تؤكد الواقع
ولعل ما يدعم التصريحات التي أدلى بها عبد الرحيم آيت القاضي، هو ما كشفت عنه العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمراكش آسفي، من خلال لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها، والتي أكدت وجود “اختلالات كبيرة” شابت عملية تقديم الدعم للمتضررين من زلزال الحوز.
فبعد قيامها بعمل ميداني، كشفت اللجنة عن أن 16 في المائة من الأسر المتضررة من زلزال الحوز لم تستفد من أي دعم، وهو رقم يفوق بكثير ما أعلنته اللجنة البين وزارية، التي تحدثت عن 2.7 في المائة فقط، أي 1,652 أسرة من بين تلك التي انهارت منازلها بالكامل ولم تتلق أي مساعدة.
كما أكدت أن المعايير المعتمدة من طرف اللجنة المكلفة بتحديد لائحة المستفيدين من دعم السكن “شابها الكيل بمكيالين”، حيث مُنح الدعم لأشخاص دون غيرهم رغم أن حالتهم كانت أسوأ، وهو ما كشف، حسب شهادات المستجوبين، عن “وجود ابتزاز ومحسوبية وزبونية في عملية التوزيع”.
ومن جهة أخرى، كشف التقرير ذاته، الصادر عن العصبة، أن 79 في المائة من العينة المستجوبة التي انهارت منازلهم بالكامل لم يستفيدوا سوى من 80 ألف درهم، عوض 140 ألف درهم، وذلك في الوقت التي حُددت فيه قيمة الدعم في 140 ألف درهم للمنازل المنهارة كليًا، و80 ألف درهم للمنهارة جزئيًا.
أما بخصوص الدعم الشهري المخصص للأسر المتضررة، والذي بلغ 2,500 درهم لمدة 12 شهرًا وتم تمديده لاحقًا لخمسة أشهر إضافية، فقد أظهرت المعطيات أن 82% من المستجوبين أكدوا أن هذا الدعم لم يغطِّ مصاريف إعادة البناء، في حين صرح 2% فقط بأنه كان كافيًا.
رواية أخرى...
وفي الرواية الرسمية، تختلف الأرقام، إذ كشفت عمالة إقليم الحوز في آخر معطياتها حول تقدم عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، في بلاغ لها الخميس 13 مارس 2025، عن انتهاء عملية البناء بالنسبة لأكثر من 15 ألف سكن أُعيد بناؤه وتأهيله، وهو ما أفضى إلى تراجع عدد الخيام بأكثر من 90%، مبرزة أن المشاكل العائلية ورفض بعض الأسر أخَّرا بناء بعض المساكن.
وأوضح البلاغ أن أشغال برنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة بلغت “مستويات إنجاز جد متقدمة، حيث انتهت عملية البناء بالنسبة لأكثر من 15.100 سكن أُعيد بناؤه وتأهيله للسكن، أي بنسبة 60%، فيما تم تقليص عدد الخيام إلى 3.211 فقط، بعدما كان يُمثل في بداية الزلزال أكثر من 35.500″، مؤكدة أنه “من المنتظر أن تصل نسبة تقدم الأشغال في غضون الشهرين القادمين إلى 80%”.
وأضاف المصدر أن “أكثر من 10% من الأسر المعنية بإعادة الإعمار، التي لم تباشر بعد عملية البناء، تدخل في إطار مشاكل بين الورثة، أو عدم مباشرة المستفيدين لعملية البناء رغم توصلهم بالدفعة الأولى من الدعم المرصود من طرف الدولة”.