story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

سردية المعارضة

ص ص

قدمت الخطابات الأخيرة لقادة أحزاب المعارضة بعض المعالم حول البديل الذي تطرحه على المغاربة في أفق انتخابات 2026.

ومنذ فشلها في تقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة أخنوش من داخل البرلمان، انتقلت تلك الأحزاب إلى العمل الميداني الجماهيري. فبينما تخوض قيادة حزب التقدم والاشتراكية حملة تأطيرية في أنحاء مختلفة من المغرب، يقوم حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي بالعمل نفسه في إطار مؤتمرات جهوية تنظيمية، في حين قام حزب الحركة الشعبية بتوسيع قاعدته عبر تحالف مع أحزاب صغيرة شكلت معها ما سماه “التكتل الشعبي” موجها انتقادات قوية لحكومة أخنوش “الفاشلة” بحسب وصف أحزاب المعارضة.

وإذا استثنينا حزب الاتحاد الاشتراكي الذي ينتقد الحكومة ويدعمها في الوقت نفسه، بحجة مواصلة الإصلاحات الكبرى التي قام بها، كما صّرح بذلك كاتبه الأول إدريس لشكر أخيرا من أكادير، فإن الأحزاب الثلاثة الأخرى تبدو وقد حسمت خيارها منذ اليوم الأول بمعارضة حكومة أخنوش وكشف نقائص خياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي معارضة ازدادت شراسة في الأشهر الأخيرة، في ما يبدو أنه حملة تواصلية لا تخلو من حسابات انتخابية في أفق تشريعيات 2026.

من خلال خطب قادة تلك الأحزاب وبياناتها حول الأداء الحكومي، يبدو أن أحزاب المعارضة استطاعت أن تبلور خطابا سياسيا بديلا عما تطرحه حكومة أخنوش، التي باتت تلك الأحزاب الثلاثة على الأقل، أي الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، وحزب العدالة والتنمية، تنعتها بـ”الفشل وسوء التدبير”، وبأنها حكومة “الفراقشية وتضارب المصالح”، وفي الوقت نفسه حكومة “الخواء السياسي اللامتناهي” كما عبّر عن ذلك حزب التقدم والاشتراكية في إحدى بياناته.

فما البديل الذي تطرحه أحزاب المعارضة إذن؟

أولا: المونديال ديال الملك

تشكّك أحزاب المعارضة في قدرة حكومة أخنوش على التحضير والاستعداد الجيد لمونديال 2030، الذي يتطلب كفاءة سياسية وتدبيرية في إدارة المرحلة المقبلة وما بعدها، وترى تلك الأحزاب أن حكومة أخنوش تفتقر إليها.

ومن أجل ذلك، يلاحظ أن الخطابات المتكررة لأحزاب المعارضة تميّز بين برنامج الحكومة وبرنامج الملك، ويؤكد بنكيران مثلا أن “المونديال ديال سيدنا”، وليس لأي حكومة فيه سوى التنفيذ الجيد لإرادة الملك، لكنه يرى أن حكومة أخنوش فاشلة، وغير قادرة على ذلك.

بلال تليدي، أحد قيادات “البيجيدي”، يرى أن “لا أحد يجادل اليوم أن سياسة الحكومة تجاوزت سوء التدبير، ودخلت مربع البؤس، بسبب تحويلها العمل الحكومي إلى فرصة لتوسيع القاعدة الاقتصادية لأعضائها ورجال الأعمال المقربين من رئيس الحكومة وحزبه، وأنها أضحت مهزلة بسبب تحول مكونات التحالف الحكومي إلى أحزاب معارضة، تتهم سياسات الحكومة بتضارب المصالح”.

أما الآمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، فقد اختار أخيرا أن ينبّه، في مهرجان حزبي بمدينة فكيك، إلى إهمال وإقصاء جهات كاملة من الاستثمارات الضخمة المبرمجة في إطار مونديال 2030.

تلك الاستثمارات الضخمة المبرمجة ستصرف، حسب بنعبد الله، في المدن الستة التي ستحتضن المباريات وهي الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وفاس وأكادير، في حين لن تستفيد الأقاليم في الجنوب الشرقي، وفي الجهات الخمس الأكثر فقرا أي شيء من ذلك. وتساءل بنعبد الله “أليس من المعقول أن تصرف بعض ملايير المونديال على أقاليم مثل فكيك وجرادة والراشيدية وغيرها؟

سؤال تطرحه فئات عديدة خارج محور المدن الستة، لأن ضخ جميع الاستثمارات في تلك المناطق يكرس مغربا يسير بسرعات متفاوتة، ويكرس المقولة الرائجة حول وجود “مغرب نافع” يحظى بالأولوية والاهتمام، بدليل أن كل استثمارات المونديال تقتصر على المدن الستة وما بينها، و”مغرب غير نافع” تم إقصاؤه من تلك الاستثمارات.

ويبدو أن بنعبد الله يعتبر أن تهميش وإهمال الأقاليم الأكثر فقرا مثل الجنوب الشرقي يعود إلى سوء تدبير الحكومة لملف المونديال، مؤكدا أن تلك الأقاليم “تحتاج إلى مجهود تنموي حقيقي”، وهو التزام يفترض أن يؤكد عليه حزب التقدم والاشتراكية إجرائيا في برنامجه الانتخابي المقبل.

وفي إشارة لافتة ودالة، اعتبر بنعبد الله أن الصحراء هي وادي الذهب لكويرة، وهي الساقية الحمراء، وهي كلميم واد نون، وهي أيضا زاكورة وورزازات، وهي الراشيدية وتنغير، وهي كذلك فكيك وبوعرفة وجرادة، ” كلها أقاليم صحراوية”، وينبغي أن تستفيد على قدر المساواة من المجهود التنموي الوطني، لأنه “بالفعل، هناك مغرب نافع ومغرب غير نافع”، مشيرا إلى أن “70 في المائة من نسبة الفقر الوطني، بحسب المندوبية السامية للإحصاء، موجودين في خمس جهات، منها جهات الشرق ودرعة وتافيلالت”.

تحذيرات بنعبد الله تلتقي مع توقعات فاعلين اقتصاديين وناشطين مدنيين ومنتخبين في الجهات الأكثر فقرا، خصوصا في أقاليم الجنوب الشرقي الممتد من طاطا وزاكورة حتى فكيك وجرادة، بعضها وجد صداه في البرلمان دون أن يلقى جوابا مقنعا من الحكومة.

التحذيرات المشار إليها يمكن أن تؤدي إلى خلق إحباط وسط مختلف الفئات في تلك المناطق، ومن طبيعة الإحباط أن يولد توترات اجتماعية، وهو احتمال لا ينبغي التهوين منه، لأن من شأن استثمارات المونديال أن تكرس مغربا يسير بسرعات متفاوتة، وقد يعمق من الهجرة الداخلية في السنوات المقبلة، جراء الإهمال الحكومي لعشرات الأقاليم التي تنظر من بعيد وبحسرة تحت وقع الفقر والجفاف واختلالات التدبير الحكومي.

فشل أخنوش؟

يكاد تقييم أداء الحكومة يكون واحدا بين حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة الشعبية، إذ تؤكد على “فشل حكومة أخنوش” في تدبير السياسات العمومية، سواء المتعلقة بورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، أو سقوطها في تبييض الفساد وتضارب المصالح، أو تبني أسلوب الريع والمحسوبية في توزيع الدعم الاجتماعي.

موضوع ورش الحماية الاجتماعية يشكل أحد محاور النقد التي يوجهها حزب العدالة والتنمية إلى حكومة أخنوش، منذ أن ألغت البرامج السابقة مثل “راميد”، دون أن تنجح، بحسب “البيجيدي”، في تنزيل هذا الورش الملكي.

ويسود نوع من الغموض والضبابية حول معايير الاستفادة، ومؤشر وعتبة الاستفادة، ما يؤدي إلى فوضى وارتباك وسط المواطنين. ويبدو أن الفوضى نفسها تشهدها التغطية الصحية “أمو تضامن”، إذ تشكك أحزاب المعارضة في الأرقام التي تقدمها الحكومة، والتي تتحدث عن تغطية صحية لحوالي 22 مليون شخص، لكن الأرقام المتداولة بين الطرفين تبدو متناقضة، وتشير إلى وجود ارتباك في تدبير هذا الورش.

مؤخرا أثار حزب العدالة والتنمية إشكالية تمويل ورش الحماية الاجتماعية، مشككا في إجراءات الحكومة لضمان استدامة تمويله. وحذرت الأمانة العامة للحزب في بلاغ حكومة أخنوش من “الاقتراض المفرط” من أجل تمويل هذا الورش، إذ أعلنت في 18 يونيو الماضي عن تلقيها قرضا جديدا من البنك الدولي بمبلغ 250 مليون دولار لفائدة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، بعد أن اقترضت في السابق من نفس البنك ثلاث قروض متتابعة في 16 يونيو 2022، و19 دجنبر 2023، و19 مارس 2025، بما مجموع مليار و600 مليون دولار.

ودعا “البيجيدي” حكومة أخنوش إلى اعتماد تصور واضح ومستدام لتمويل برنامج تعميم الحماية الاجتماعية بالاعتماد -أولا وأساسا- على التمويل والادخار الميزانياتي الذاتي من خلال الاستثمار الأمثل والرشيد للهوامش المالية التي يوفرها التطور الكبير للموارد العادية.

بالفعل، تعيش الأسر الفقيرة والهشة وضعا فوضويا جراء الارتباك في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، إلى حد بات “مؤشر الاستفادة” موضوع نكت شعبية، لأنه يتغير بناء على معايير غير موضوعية، بحيث تستفيد أسر فقيرة ثم تحرم، دون أن يتغير أي شيء في واقعها الاقتصادي، سوى ما يقرره المؤشر من تلقاء نفسه. معاناة يومية لملايين الأسر مع معايير غامضة وتنقصها الشفافية، بحيث تظهر الحكومة وكأنها تتلاعب بالأسر، علما أن معظم المستفيدين تمنح لهم 500 درهم، وهي منحة لا تساوي شيئا أمام حالة ارتفاع الأسعار التي أرهقت الطبقات الوسطى، ناهيك عن الفقراء والمهمشين.

بالعودة إلى خطاب بنعبد الله في فكيك، فقد أورد مؤشرات عديدة على “فشل حكومة أخنوش”، منها أن “أخنوش الذي أشرف على إنجاز المخطط الأخضر ثم الجيل الأخضر، لكن في النهاية قضى على الماشية وعلى القطيع الوطني”. يتعلق الأمر بقضية تحتاج إلى لجنة لتقصي الحقائق، لكن لا يتصور ذلك في ظل حكومة لديها أغلبية برلمانية مريحة. بالنسبة إلى نبيل بن عبد الله “قرار جلالة الملك حول ذبح الأضحية كان في محله، لكن الكسّابة الصغار تضرروا من ذلك، بينما لم تتدخل الحكومة، ولم تقدم شيئا لهؤلاء المتضررين، وظلت تتفرج”.

تكاد تلتقي انتقادات أحزاب المعارضة بخصوص نتائج المخطط الأخضر بأن المستفيدين منه هم “كبار الفلاحين”، “بينما تم تهميش صغار المنتجين، الذين يشكلون عماد الأمن الغذائي المحلي”. في النهاية يوجد بين كبار الفلاحين رجال أعمال يُحسبون على هذا الحزب أو ذاك من أحزاب الأغلبية الحكومية تحديدا. وهو مخطط شجع على الزراعات التصديرية المستنزفة للموارد المائية، كالأفوكادو والبطيخ الأحمر، في الوقت الذي واجه المغرب ست سنوات متتالية من الجفاف، عمّقت من استنزف الفرشة المائية، وأجبر السلطة على التدخل للحد من الآثار السلبية لتوجهات ذلك المخطط.

لا يتعلق الأمر بالأمن الغذائي فقط، بل بتوزيع مختل في الدعم الاجتماعي. نبيل بنعبد الله، الآمين العام لحزب الكتاب، أشار في هذا السياق من فكيك إلى ما سمي بـ”الفراقشية” الذين استفادوا من 13 مليار درهم من المال العام بغرض استيراد الأغنام والأبقار واللحوم الحمراء، دون أن يظهر لتلك الأموال أثر ملموس على الأسعار، مؤكدا “كلهم ديالهم”، أما “الفقراء فلم يصلهم شيء، لأننا أمام حكومة كتعطي للناس ديالها فقط”. وأضاف “هؤلاء كيعمروا جيوبهم، ويرفضون أن نحاسبهم على تضارب المصالح”.

ما يقوله بنعبد الله، تكرره باقي أحزاب المعارضة، بعبارات مختلفة، لكن الموقف واحد. وللإشارة فقد أثارت قضية “الفراقشية” جدلا قويا في البرلمان، بعد أن قرّرت أحزاب المعارضة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الموضوع، لكن المبادرة رفضتها أحزاب الأغلبية الحكومية، يوضح بن عبد الله “رفضت الحكومة تشكيل لجنة تقصي للحقائق، لأن في كرشهم العجينة، ويرفضون أن يعرف المواطن الحقيقة كاملة”.

وبسبب أن الحكومة لديها الأغلبية في البرلمان، فقد اقترحت تشكيل مهمة استطلاعية، علما أن الفرق كبير بين “لجنة تقصي الحقائق” وبين “المهمة الاستطلاعية”، إذ أن الأولى يمكن لها التحقيق بمعناه التام في قضية الدعم الموجه لما سمي بـ”الفراقشية”، ويمكن لها أن تستدعي من تشاء لتستمع إليه، ويمكن أن تحيل تقريرها على القضاء إذا ثبت وجود تلاعبات بين الحكومة والفئات المستفيدة من الدعم الاجتماعي، بينما المهمة الاستطلاعية لا يمكنها إنجاز كل ذلك. بن عبد الله وصف خطوة الحكومة بالقول: “اقترحوا تشكيل مهمة استطلاعية باش يضحوا علينا، وحتى هي لم تخرج لحيز الوجود حتى الآن”.

تشكل قضية تضارب المصالح إحدى الانتقادات القوية التي توجهها أحزاب المعارضة لحكومة أخنوش، لتؤكد بها فشل الحكومة في محاربة الفساد واقتصاد الريع. في بياناته طالما توقف حزب التقدم والاشتراكية عند “الفشل الحكومي في تنقية مناخ الأعمال من تضارب المصالح والتفاهمات غير المشروعة، وفي دعم المقاولات المغربية وخاصة منها الصغرى والمتوسطة والصغرى جدا التي تأبى الحكومةُ إخراجَ أنظمة دعمها التي ينصُّ عليها ميثاق الاستثمار”.

ي بيان للمكتب السياسي لحزب الكتاب، أوضح أن “الحكومة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق السيادة الغذائية، أساساً بسبب الاختلالات الفظيعة التي تشوبُ مخطط المغرب/الجيل الأخضر الــــمـــُصَمَّم أساساً لخدمة كبار الـمصدرين”.

والأدهى من ذلك، يضيف ذات البلاغ، أن “الحكومة عَمَدَت إلى تقديم ملايير الدراهم كدعمٍ عمومي، بمختلف الأشكال المباشرة والضريبية والجمركية، إلى حفنةٍ من لوبيات استيراد اللحوم والمواشي، لكن دون أي تسقيف ولا أي مراقبة تضمن تحقق الأثر الفعلي إيجابا على الأسعار، بما يجسّد تطبيع هذه الحكومة، وأساساً الحزب الذي يترأسها، مع الفساد الاقتصادي الذي يُغذِّي الفسادَ الانتخابي ويتغذى عليه”.

البطالة

عشية انتخابات 2021، وعد أخنوش بتوفير مليون منصب شغل خلال ولايته الحكومية، لكن يبدو أن الحظ لم يحالفه في ذلك. تؤكد أحزاب المعارضة أن تركيز الحكومة على دعم المقاولات الكبرى وإهمال المقاولات الصغرى والمتوسطة، أفضى إلى أزمة وسط هذه الأخيرة، جعل الآلاف منها تغلق. اقتصاديا، توفر المقاولات الصغرى والمتوسطة مناصب شغل أكبر من تلك توفرها المقاولات الكبرى، ورغم ذلك فضلت الحكومة أن توجه الدعم أكثر للفئات التي تدعمها سياسيا وليس للمقاولات التي تخلق مناصب الشغل.

في النهاية، ارتفعت البطالة إلى نسبة عامة تقارب 14 في المائة، وهي نسبة غير مسبوقة طيلة 25 عاما الماضية من حكم الملك محمد السادس. توجّه أحزاب المعارضة سهامها بقوة نحو اختيارات حكومة أخنوش على اعتبار أن ارتفاع البطالة هو نتيجة لتلك الاختيارات.

وتزكي تقارير رسمية مثل المندوبية السامية للتخطيط هذا الواقع، إذ كشفت عن تفاقم معدلات البطالة خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا، نتيجة فشل البرامج الحكومية لتحفيز التشغيل واحتواء أفواج العاطلين عن العمل بالمغرب، إذ باتت نسبة البطالة ضخمة أكثر من أي وقت مضى، وتقدر بـ20 بالمئة في المتوسط وسط حاملي الشهادات تحديدا، في حين لا يخلق الاقتصاد سوى عددا قليلا جدا من مناصب الشغل. علما أن إحداث مليون منصب شغل هو إحدى الالتزامات العشرة التي وعدت بها حكومة أخنوش، كما تكرر ذلك أحزاب المعارضة على مسامعه.

يمكن القول انطلاقا من تلك الانتقادات أن أحزاب المعارضة تركز أكثر في خطابها النقدي ضد حكومة أخنوش على الجهات المتضررة من سياساته، وتتمثل، أولا، في جهات جرى تهميشها من برامج واستثمارات مونديال 2030، أي عشرات الأقاليم التي تبدو خارج تفكير الحكومة وبرامجها. وثانيا على الفئات المتضررة من حكومة أخنوش وهي فئات الشباب المعطل عن العمل، يقدر بنحو ستة ملايين شخص من بينهم فئات NEET وحاملي الشهادات الجامعية، وكذلك المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تبدو خارج برامج أخنوش، علاوة على عموم فئات الشعب المغربي التي تعاني من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، جراء سياسات حكومية أساسا، منهم المستفيدون سابقا من “راميد” ومن دعم حكومي مباشر مثل الأرامل والمطلقات وذوي الإعاقة. ت

ومثل الجهات والفئات المهمة في سياسات أخنوش حليفا محتملا لأحزاب المعارضة، ويبدو أنها تدرك من تخاطب في هذا السياق.

حصيلة ديمقراطية صفرية؟

تركز أحزاب المعارضة على إهمال حكومة أخنوش لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان. والملاحظ كذلك أن خطابات الأغلبية الحكومية تخلو بالفعل من أي حديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويساهم بعض وزرائها في تكريس تراجع حرية الرأي والتعبير، حين يلجؤون إلى ملاحقة الصحفيين والمدونين قضائيا.

وتثير أحزاب المعارضة، في هذا الصدد، العفو الملكي عن معتقلي حراك الريف، وعن النقيب محمد زيان، كما تدين التضييق على حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة التي تشهد تراجعا لافتا في السنوات الأخيرة.

حزب العدالة والتنمية أثار هذه المفارقة على لسان رئيس مجموعته البرلمانية، عبد الله بوانو، في قوله: “بالرغم من أن أحد أقطاب هذه الحكومة بنى حملته الانتخابية على العمل من أجل إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الريف بالإضافة إلى إطلاق سراح الصحافيين المعتقلين، وهو ما اصطدم بإرادة معاكسة حيث تسببت الشكايات التي وضعتموها أمام القضاء أو أذنتم بوضعها في اعتقال المزيد من الصحافيين ومتابعة آخرين في قضايا لازالت جارية بالإضافة إلى اعتقال عدد من المدونين بسبب آرائهم التي تنتقد سياستكم البئيسة”، وذلك في إشارة إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي. بوانو يعتبر أن حكومة أخنوش باتت تنشر الخوف والترهيب في صفوف ذوي الرأي، بسبب “الردة الحقوقية”.

وينخرط حزب التقدم والاشتراكية في التقييم نفسه، إذ وجّه في أكثر من مناسبة انتقادات قوية للحكومة فيما يخص حصيلتها بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى حد أنه تحدث في إحدى بيانات مكتبه السياسي عن حالة من “الفراغ السياسي” سقط فيها المغرب مع حكومة أخنوش. من بين المؤشرات التي يكررها حزب الكتاب “التهرب الممنهج” مثلا لرئيس الحكومة من المثول أمام المؤسسة التشريعية، وهو سلوك يهدد في تقديره “جوهر الممارسة الديمقراطية ويُفرغ البرلمان من دوره الرقابي والتشريعي”.

وأكد الحزب في بياناته أو على لسان قادته أن “التهرب المتكرر لرئيس الحكومة ووزرائه من حضور الجلسات الدستورية، وعدم تفاعلهم الإيجابي مع المبادرات الرقابية والتشريعية التي يقدمها النواب والمستشارون، يعكس بوضوح ضعفا سياسيا صارخا وانعدام الإرادة في تفعيل آليات الحوار المؤسساتي”. بل اعتبر هذا الحزب أن الإصرار على الغياب عن البرلمان “لا يمثل مجرد خرق للمقتضيات الدستورية، بل يُعد مؤشراً خطيراً على ما أسماه انعدام النَّفَس الديمقراطي لدى الحكومة”.

من جهته، وجّه عبد الإله بنكيران انتقادات إلى محاولات تكميم الأفواه في النقاش العمومي، مشيرا إلى ظاهرة جديدة في النقاش العمومي، تتمثل في “استخدام اسم الملك للتضييق على النقاش الحر”. بنكيران أوضح أنه إذا كانت “رئاسة الدولة في المغرب باتت أمرا محسوما وغير قابل للنقاش”، على اعتبار أن “الملكية تعد ركنا أساسيا واستراتيجيا في استقرار البلاد، ولا يمكن طرح وجودها للنقاش”، إلا أن “النقاش حول الصلاحيات يظل أمرا ممكنا”. نفس المنطق استعمله بنكيران لإبراز موقفه من إمارة المؤمنين، فهي “شأن ثابت لا يجادل فيه الحزب، لكن في حدود المعروف”، مشددا على أن “الملك ليس إلاها، بل عبد من عباد الله”. مستدلا على ذلك بموقف الملك محمد السادس من مطلب مراجعة “صفة القداسة المنسوبة لشخصه” في دستور 2011.

وأوضح أن حزبه “يقف إلى جانب الملك والملكية، في إطار المعروف وطاعة الله ورسوله، وليس بشكل عشوائي”، موضحا أن “المسألة لا تتعلق بكون الملك يقول أمورا عشوائية، بل بوجود جهات نافذة في البلاد تُقحم وتتحدث باسم الملك كلما طُرح موضوع حساس للنقاش، وتستغل ما يسمى بالخطوط الحمراء لفرض الصمت وإغلاق باب النقاش في قضايا تهم الشأن العام”. مؤكدا أن “من يأتي بكلام من عنده وينسبه إلى الملك، فهو يتسبب في الفوضى ويضر بالمشهد السياسي، وهذا غير مقبول بتاتا”. وأضاف أن “الديمقراطية غير موجودة في المشهد الحالي، وأن البلطجة والكذب تسود، مما يعيق أي محاولة للإصلاح”.

من خلال التذكير المستمر بالأداء الباهت لحكومة أخنوش في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، يفترض أن يشكل هذا المحور أولوية في برامج أحزاب المعارضة، وأن تقترح الإجراءات الكفيلة بتجاوز الوضع الحالي، الذي بات موضع نقد داخلي وخارجي.

عناصر السردية

خلاصة القول أنه من خلال الانتقادات التي توجهها أحزاب المعارضة لحكومة أخنوش، تظهر ملامح البديل الذي تقترحه، عناوينه إنصاف الجهات المهمشة والمهملة في استثمارات مونديال 2030، مثل الجنوب الشرقي، وإعادة الاعتبار إلى الفئات المهمشة في سياسات الحكومة الحالية، مثل الشباب والأسر الفقيرة والمهمشة والطبقات الوسطى الدنيا، وكذا المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تبدو خارج حسابات الحكومة الحالية كذلك. والأهم إعادة الاعتبار للمسار الديمقراطي ولحقوق الإنسان الذي يبدو الأكثر تضررا خلال العقد الأخير. وهي أولويات قد تحدد مضمون برامج المعارضة في الفترة المقبلة.