رغم مبادرات الكتبيين.. خبراء: الخصاص في كتب الريادة يهدد تكافؤ الفرص بين التلاميذ
لا يزال مشكل الحصول على المقررات الدراسية الخاصة بمدارس الريادة يربك الموسم الدراسي الحالي، حيث لا تزال عدد من المقررات غير متوفرة في المكتبات، مما تسبب في ارتباك واضح لدى الأسر والتلاميذ منذ انطلاق الموسم، فيما تحاول المكتبات، حسب كتبيين، تدبير هذا الوضع عبر التنسيق فيما بينها.
ويرى خبراء في مجال التربية أن ما تعيشه الأسر اليوم من معاناة في البحث عن الكتب المدرسية يعبّر عن “أزمة حقيقية” في تدبير مشروع مدارس الريادة، كما نبهوا إلى تأثير هذا الخلل على جودة الخدمات التعليمية المقدمة للتلاميذ، وعلى تعميق الفوارق بين تلاميذ مدارس الريادة وزملائهم في القطاع الخاص، ونظرائهم في المؤسسات غير المشمولة بالبرنامج.
أصل المشكل
في هذا السياق، أوضح الكتبي يوسف العمراني أن “الإشكال الأساسي يتمثل في عدم توفر مجموعة من عناوين المقررات الخاصة بمؤسسات الريادة في المكتبات”، ويضيف أن “المكتبات وجهت طلباتها إلى الناشرين والموزعين لكنهم غير متوفرين على الكميات الكافية، مما أدى إلى مشكل نفاذ المخزون” .
وفي حديثه لـ”صوت المغرب”، أوضح العمراني أن “الكتبيين في الوقت الحالي يحاولون معالجة هذا المشكل بناءً على طلب من مديرية المناهج، وذلك عبر إنشاء خلية تواصل بين المكتبات على الصعيد الوطني، حتى يتم تحويل أي نسخ متوفرة من العناوين المفقودة في السوق إلى المناطق التي تعاني من الخصاص، مشيراً إلى أن الناشرين يؤكدون أنهم بصدد عملية الطبع”.
ومن جهة ثانية، تابع المتحدث أن “الخطأ الكبير الذي وقعت فيه مؤسسات الريادة هو تأخرها في إعلان لوائح المقررات الدراسية منذ بداية شتنبر، حيث انتظرت إلى ما بعد العطلة البينية الأولى لإخبار التلاميذ بها”.
هذا التأخير، حسب العمراني، “جعل الأمور غامضة بالنسبة للكتبيين والناشرين على حد سواء، إذ لم يكن أحد يعلم ما إذا كانت تلك الكتب ستُطلب فعلا بعد العطلة، ما تسبب في حالة ركود وحذر في اقتناء المقررات، خوفا من تكبد خسائر محتملة بعدم بيعها”.
جهود لحل الأزمة
وفي رسالة موجهة إلى الكتبيين على الصعيد الوطني، اطلعت عليها صحيفة “صوت المغرب”، دعا الحسن المعتصم، رئيس رابطة الكتبيين بالمغرب، إلى “التواصل مع مديري المؤسسات التعليمية القريبة منهم بخصوص كتب الريادة، وذلك بهدف التعرف على وضعية الخصاص والعمل على التنسيق بين الكتبيين في مختلف الجهات”.
وأكد المعتصم أن “هذه المبادرة ترمي إلى جمع الكتب المتبقية لدى المكتبات عبر مدن المملكة، ضمانا لتلبية طلب التلاميذ والأسر، وتفاديا لأي فائض غير مبرر لدى الكتبيين”، كما شدد على أن “التعاون والتنسيق بين المهنيين هو السبيل الأمثل لإنجاح العملية وخدمة المهنة وإنجاح الدخول المدرسي”.
وفي رسالة ثانية، وجه رئيس رابطة الكتبيين بالمغرب نداء جديدا يؤكد فيه على ضرورة تعزيز التنسيق والتعاون بين الكتبيين في جميع الجهات بخصوص ما تبقى من كتب الريادة، موضحا أن “الغاية هي تسهيل تبادل المخزون المتوفر لتفادي أي خصاص أو فائض غير مستغل”.
كما أشار في الرسالة نفسها إلى أنه “ستكون هناك تغييرات خلال الموسم الدراسي المقبل، ما يتطلب مزيدا من التنظيم والتواصل المشترك لضمان نجاح عملية التوزيع والتدبير”.
تعميق الفوارق
في تعليقه حول الموضوع، قال الخبير التربوي الحسين الزاهيدي، إن “ما تعيشه الأسر اليوم من معاناة في البحث عن الكتب المدرسية يعبّر عن أزمة حقيقية في تدبير مشروع مدارس الريادة”، مؤكداً أنه “لولا تضحيات الإداريين التربويين الذين يقومون بنسخ الكتب وتوزيعها على الفصول الدراسية، لكانت الأزمة أعمق بكثير”.
وأوضح الزاهيدي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن “الانتقال من تكفل الوزارة باقتناء الكتب وتوزيعها بالمجان على التلاميذ، كما كان الحال في بداية التجربة، إلى التخلي عن تلك المهمة لتتحملها الأسر، لم يتم بطريقة منهجية، كما أن هذا التحول لم تتوفر له شروط النجاح الضرورية، مما جعل الأسر تواجه صعوبات كبيرة في اقتناء الكتب المطلوبة”.
وأضاف أن “الناشرين لا يمكنهم المغامرة بطباعة كميات كبيرة من الكتب في ظل غياب المعطيات الحقيقية حول الحاجات الفعلية لها، ولذلك من الطبيعي أن يتحفظوا ويتريثوا لتجنب أي خسارة محتملة”.
كما أشار إلى أن “العملية برمتها لم تخضع، كما كان معمولا به سابقاً، لشروط الصفقات بما تتضمنه من دفاتر تحملات واضحة ودقيقة”، معتبرا أن “غياب هذه الضمانات جعل سير المشروع يتسم بالعشوائية وضعف المتابعة، وهو ما ساهم في تفاقم الأزمة الحالية”.
وتابع أن “تفعيل هذا المشروع يطبعه التسرع والافتقار للنظر الاستراتيجي، الذي يتجلى في عدم كفاية أعداد المفتشين اللازمين للتأطير والمواكبة، إضافة إلى تعثر تجهيز المؤسسات باللوازم الديداكتيكية المطلوبة، وهو قصور انعكس مباشرة على جودة العملية التعليمية”.
وفي غضون كل هذه الاختلالات، شدد الزاهيدي على أن “المشكل الحقيقي الذي ينبغي الاهتمام به هو تأثير كل هذه الاختلالات على جودة الخدمات التربوية العمومية، وعلى تعميق الفوارق بين تلاميذ مدارس الريادة وزملائهم في القطاع الخاص، ونظرائهم في المؤسسات غير المشمولة بالبرنامج”، موردا أن “الأسدس الأول انقضى جزء كبير منه وما زال البحث عن الكتاب المدرسي مستمراً”.