رغم التراجع.. تحذيرات من استمرار بطالة الشباب عند مستويات مرتفعة

رغم التراجع الطفيف الذي أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط في معدل البطالة خلال الفصل الثاني من سنة 2025، حيث انتقل من 13,1% إلى 12,8%، إلا أن الخبراء يؤكدون استمرار الإشكاليات البنيوية التي تعيق تحسين مؤشرات سوق الشغل، خاصة لدى فئة الشباب التي ما تزال تسجل معدلات مرتفعة.
وفي هذا الصدد، قال يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن “معدل البطالة على المستوى الوطني ظل تقريبًا في نفس المستوى، حيث انتقل من 13,1% في الفصل الثاني من سنة 2024 إلى 12,8% في نفس الفصل من سنة 2025، وهو انخفاض طفيف جدًا بلغ 0,3 نقطة مئوية، ما يعكس استمرار الإشكالية نفسها”.
وأوضح الفيلالي أن “مناصب الشغل المؤدى عنها التي تُخلق أساسًا في القطاعين الصناعي والخدماتي، لا تكفي لتعويض المناصب غير المؤدى عنها المفقودة، خصوصًا في الفلاحة والزراعة المرتبطة بالتساقطات والأراضي البورية، فضلًا عن العجز في استيعاب الخريجين والمؤهلين الباحثين عن العمل ضمن الفئة النشيطة”.
لكن الملفت أكثر، وفق الفيلالي، هو أن معدل البطالة لدى الشباب ظل مرتفعًا رغم الانخفاض الطفيف من 36% إلى 35,8%، موضحًا أن هذا المعدل يعني أنه في كل أسرة، إذا وُجد ثلاثة شباب، فإن اثنين منهم على الأرجح يبحثون عن عمل، “ما يعكس بوضوح حجم الأزمة التي تعاني منها هذه الفئة”.
وبيّن الخبير أن “أسباب استمرار البطالة المرتفعة لدى الشباب تعود أساسًا إلى ضعف الولوج إلى سوق الشغل بسبب متطلبات الخبرة والملاءمة بين التكوين وحاجيات السوق، حيث تكشف السير الذاتية عن فجوة كبيرة بين المهارات المطلوبة والمتوفرة لدى حاملي الشهادات”.
وأضاف أن “القدرة الاستيعابية للقطاعات الاقتصادية غير كافية لتوظيف جميع الخريجين، إذ يتم تشغيل المؤهلين فقط، بينما تبقى فئة كبيرة مهمشة”، مشيرًا إلى أن “فرص الشغل المحدثة تظل مرتبطة بمعدل نمو اقتصادي لا يتجاوز 4% ومتأثر بعوامل مناخية”.
في مقابل ذلك، أكد المتحدث أن “القطاعات الإنتاجية الأخرى، مثل الصناعة والخدمات والاقتصاد الرقمي، لا تخلق فرص شغل كافية لامتصاص العدد الكبير من الباحثين عن العمل سنويًا، وهو ما يفاقم الوضع”.
واستشهد الفيلالي بأرقام المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى خلق 130 ألف منصب شغل مؤدى عنه مقابل فقدان 126 ألف منصب غير مؤدى عنه، “ما يعني أن الحصيلة النهائية لا تغطي 400 ألف وافد جديد سنويًا إلى سوق الشغل”.
وأوضح أن “هذه الإشكالية مرتبطة أيضًا بالنموذج الاقتصادي الحالي، حيث إن الشركات الأجنبية تخلق فرص شغل في السنوات الأولى من استقرارها، لكنها تتراجع بعد ضبط الإنتاج، ومع التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان تشغيل عدد أقل مقابل إنتاج أكبر”.
وأضاف الفيلالي أن “اعتماد المغرب على المستثمر الأجنبي يطرح تحديًا على مستوى السيادة الصناعية، إذ يمكن لهذه الشركات أن تقلص إنتاجها أو تنقل استثماراتها إلى دول أخرى بتكلفة أقل، مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور معدل البطالة أكثر مما هو عليه الآن”.
وفي هذا السياق، شدد الخبير على ضرورة إطلاق قطاعات إنتاجية 100% مغربية، سواء من القطاع الخاص أو عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، في مجالات الصناعات الغذائية التحويلية وغيرها، بما يتيح تشغيل اليد العاملة المغربية والأطر والمهندسين والانخراط في سلاسل الإنتاج الدولية.
كما أكد على ضرورة ضمان العدالة المجالية في التوظيف، لافتًا إلى أن “مدار الدار البيضاء، السطات، طنجة، والرباط سلا يسجل معدلات بطالة أقل مقارنة بجهات أخرى كفاس مكناس أو الجهة الشرقية بسبب غياب الحركية الاقتصادية والمصانع ومختلف البنى التحتية”.
وختم الفيلالي بالتأكيد على ما ورد في خطاب العرش حول رفض الملك لواقع وجود مغرب يسير بسرعتين، مشيرًا إلى أن “المقاربة المجالية أصبحت ضرورة لتخفيض البطالة على المستوى الجهوي، بدل الاكتفاء بالمعدل الوطني الذي يخفي الفوارق الكبيرة بين الجهات”.