دراسة: تفكيك صندوق المقاصة يؤدي إلى اختلالات في توازن النسيج الاجتماعي

أفادت ورقة بحثية بعنوان “تفكيك صندوق المقاصة في المغرب: هل تدفع الفئات الفقيرة والمتوسطة ثمن “الإصلاح؟”، أن “تفكيك صندوق المقاصة يؤدي إلى اختلالات في توازن النسيج الاجتماعي في المغرب”، موضحة أن “استبدال الدعم العام المالي بالدعم النقدي الموجه لا يحسن بشكل كبير سياسات إعادة توزيع الدخل”، مرجعة ذلك إلى أن “تحرير الأسعار تسبب في اضطرابات ظرفية، إضافة إلى وجود مشاكل منهجية في طريقة استهداف الدعم”.
وأوضحت الورقة التي أعدها عبد الرفيع زعنون، أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، أن “رفع الدعم أثر بشكل سلبي على الأسر الهشة والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، حيث تضررت قدرتهم الشرائية وإمكاناتهم الإنتاجية”، مشيرة إلى أنه “بالرغم من أن الحكومة وفرت نحو 3.5 مليار دولار سنويًا منذ 2016 من تحرير أسعار المحروقات، إلا أنها لم توظف هذه الموارد بشكل كافٍ لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي المخصصة للفئات الأكثر حاجة”.
وإلى جانب ذلك، أبرزت الدراسة أن “جهود تعميم الحماية الاجتماعية بدورها تواجه عقبات كبيرة، إذ تُستبعد عشرات الآلاف من الأسر بسبب خوارزميات استهداف تعتمد معايير مالية أكثر من الاعتبارات الحقوقية، فضلا عما يعانيه المستفيدون من التأمين الصحي المجاني (أمو تضامن) من صعوبات في الحصول على الخدمات الطبية والأدوية بسبب محدودية التغطية، ما يزيد من هشاشة الفئات المستهدفة”.
وتشير الدراسة إلى أن “المساعدات النقدية المستهدفة تمكن الفقراء من الحصول على إعانات منتظمة، لكنها لا تؤمن الحد الأدنى للدخل الضروري للعيش الكريم، ويعود ذلك إلى ضعف قيم هذه المساعدات، وعدم مراعاة تأثير التضخم عليها، فضلاً عن منهجية الاستهداف التي تقصي العديد من المستحقين الحقيقيين”.
أما بالنسبة للطبقة الوسطى، فأوضحت الورقة أن “وضعها الاجتماعي والاقتصادي في تدهور مستمر بسبب رفع الدعم وتفكيك نظام المقاصة، إذ تضطر هذه الطبقة لشراء السلع الأساسية بأسعار السوق دون الاستفادة من أي دعم، مما يعرضها لخطر فقدان استقرارها الاقتصادي، كما أن غياب بدائل فعالة للضمان الاجتماعي يزيد من هشاشتها ويقربها من دائرة الفقر”.
وعلاوة على ذلك، “تفرض إصلاحات الضمان الاجتماعي الحالية أعباء مالية إضافية على الطبقة الوسطى، مثل المساهمات الاجتماعية على الدخل والأرباح، خصوصًا على الموظفين الذين يتقاضون أجورًا شهرية تعادل أو تزيد على 20 ألف درهم، وذلك في إطار المرحلة الانتقالية من إصلاحات الضمان الاجتماعي”.
وتابعت أن الفئة المعروفة بـ”الوسط المفقود”، والتي تضم العمالة غير المنظمة ضمن الطبقة الوسطى، بدورها تعرضت لأضرار جسيمة، “فغياب تسجيل هذه الفئة في نظام الضمان الاجتماعي يحرمها من التغطية الصحية ومعاش التقاعد، بالإضافة إلى أن خوارزميات الاستهداف تقصيها من برامج الدعم النقدي الموجهة للفقر”اء”.
إلى جانب ذلك، أظهرت الدراسة أن “تحرير أسعار المحروقات أثر سلبًا على هذه الفئة، لا سيما في القطاع غير المنظم وقطاع الزراعة الاستراتيجي، إذ تضطر الأسر الفقيرة والمزارعون البسطاء إلى اللجوء لبدائل أقل تكلفة مع ارتفاع أسعار الغاز، وهو ما يزيد من هشاشتهم الاقتصادية والاجتماعية”.
وفي غضون ذلك، نبهت الورقة ذاتها إلى أن “الحكومة تستهدف رفع الدعم عن الغاز عن الفئات غير المستحقة، لكن التأثير المباشر يقع أيضًا على الأسر الهشة التي تعتمد بشكل كبير على غاز الطهي في ميزانيتها، في حين تعتمد الأسر الميسورة أكثر على الكهرباء، مما يزيد من عبء الفئات الضعيفة”.
وفي هذا الإطار، أشارت الدراسة إلى أن “نتائج تحرير أسعار الموارد الطاقية تعكس فشلًا مزدوجًا، إذ لم تُحقق الهدف المعلن في ضبط التوازنات الماكرو-اقتصادية الضرورية لتعافي المالية العامة، كما لم تُساهم في حفظ توازنات النسيج الاجتماعي أو الحد من الفوارق الطبقية”، معتبرة أن “هذا التوجه قد يزيد من تفاقم الأوضاع، خصوصًا في ظل تجارب دولية أثبتت أن الدعم النقدي الموجه أقل فاعلية في خدمة الفقراء مقارنة بالدعم السلعي المعمم”.
وأكدت في ضوء هذا التحليل، على ضرورة إعادة الاعتبار لنظام المقاصة كأداة لتثبيت أسعار المواد الأساسية، ضمن مقاربة جديدة تُراعي حماية القدرة الشرائية للفئات الضعيفة وتحد من الهدر المالي، كما شددت على أن “نجاعة الدعم العمومي ترتبط بوجود سياسات اجتماعية شاملة، لا تكتفي بمعالجة أعراض الفقر، بل تذهب نحو اجتثاث جذوره البنيوية”.