دراسة: الإعلام في المغرب يعاني نقص العوائد المالية المستدامة

سلطت دراسة حديثة الضوء على الوضع الراهن للمؤسسات الإعلامية المغربية، مشيرة إلى أن أغلبها لا يزال يبحث عن نموذج اقتصادي بديل، قادر على إنقاذها من أزمتها المتفاقمة، وسط بيئة إعلامية متغيرة ومداخيل إعلانية غير مستقرة.
وحسب الدراسة التي صدرت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن تجارب الاشتراكات المدفوعة التي اعتمدتها بعض المؤسسات، لم تُفضِ إلى النتائج المأمولة، كما أن الاعتماد على المبيعات الورقية والإعلانات التجارية، أثبت محدوديته، بل وفشله في كثير من الأحيان في ضمان الاستمرارية المالية.
وأبرز المصدر ذاته، أنه بالنسبة للإعلام الرقمي، فإن الاعتماد على عائدات “أدسنس” أو نسب المشاهدة وحده لا يكفي لتغطية التكاليف التشغيلية المتزايدة.
ولفتت الدراسة إلى أن أزمة كوفيد-19 عمّقت جراح القطاع، إذ تراجعت مبيعات الصحف إلى ما لا يتجاوز 100 ألف نسخة يوميًا، مقابل 25 ألفًا بالنسبة للمجلات والدوريات، حسب بيانات ما بعد الجائحة، مبرزة أنه وفي الوقت الذي توفر فيه الدولة دعماً عمومياً للقطاع، إلا أن هذا الأخير يظل مشروطاً ومرتبطاً بضوابط كثيرة، ما يجعل المؤسسات في موقع هش لا يُمكّنها من بناء استقرار مستدام.
وفي موضوع آخر أشارت الوثيقة، إلى أن نسبة الثقة في وسائل الإعلام المغربية لا تتعدى 31%، وهو ما وضع البلاد في المرتبة 38 من بين 47 دولة شملها استطلاع دولي حول الثقة في الأخبار.
وبالمقابل، تؤكد وزارة الشباب والثقافة والتواصل “أنها تبذل جهودًا للحد من هشاشة القطاع وتقوية بنيته الاستثمارية، عبر دعم الموارد البشرية وتحفيز المقاولات الإعلامية لتكون قوية، مستقلة، ومواطِنة”، قادرة على تقديم خدمة عمومية إعلامية ذات جودة، والمساهمة في التصدي للأخبار الزائفة، وفي تعزيز صورة المغرب خارجيًا.
لكن، وبالرغم من هذه الجهود، تشير الدراسة إلى أنه لا يمكن الرهان فقط على الدعم العمومي أو الإعانات الخارجية، بل من الضروري البحث عن نماذج مبتكرة تُدرّ مداخيل ثابتة تساعد المقاولات الإعلامية، خاصة الناشئة منها، على الصمود والاستمرار.
وتخلص الدراسة إلى أن معركة الإعلام في المغرب، لم تعد فقط في مواجهة الرقمنة، بل هي بالأساس معركة من أجل البقاء الاقتصادي، مبرزة أن المقاولة الإعلامية، كي تضمن استقلاليتها التحريرية، تحتاج إلى مصادر دخل ذاتية، دون انتظار دعم حكومي قد ينقطع في أية لحظة.
تراجع الإعلام التقليدي
وأفادت الدراسة بأن الصحافة الرقمية في المغرب بدأت تظهر بشكل تدريجي منذ سنة 2007، حيث شهدت صعوداً سريعاً على حساب الصحافة الورقية.
وأوضحت أن هذا التحول الكبير في طريقة استهلاك الجمهور للأخبار والمعلومات قد أدى إلى تراجع دور الوسيط الإعلامي التقليدي، في وقت أثرت فيه وسائل الإعلام الرقمية بشكل كبير على تفاعل الجمهور، “مما يعكس تغيراً في أنماط التفاعل الإعلامي حسب نظرية الاستخدامات والإشباعات في السوسيولوجيا الوظيفية”.
وأشارت إلى أن الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كوفيد-19 سنة 2020، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث ساهمت في تسريع انتقال الجمهور إلى متابعة الأخبار عبر أجهزتهم المحمولة بعد توقف الصحف الورقية بقرار حكومي، مضيفة أن مبيعات الصحف شهدت انخفاضًا كبيرًا تجاوز 70% بعد رفع الحجر الصحي، كما تراجعت عائدات الإعلانات التجارية بنسبة 65%، ما أثر بشكل سلبي على الوضع المالي للمؤسسات الإعلامية التقليدية.
وإلى جانب ذلك، أظهر المصدر ذاته أن الصحافة الإلكترونية تعاني من معضلة في تخصيص مخصصات الإشهار الرقمية، بحيث لا تحصل سوى على 25% من الحصة بينما تستحوذ شركات الويب العالمية على 75%.
تحدي التكنولوجيا
وأكدت الوثيقة أن المشهد الصحافي التقليدي في المغرب يعاني من عدة إكراهات، أهمها صعوبة مواكبة التطورات الرقمية السريعة التي طرأت على القطاع، موضحة أن العديد من المؤسسات الإعلامية المكتوبة تواجه تحديات في استغلال التكنولوجيا الحديثة مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عملها اليومي، “إذ لا توجد أي مؤسسة صحافية ورقية تستخدم هذه الأدوات”.
كما أن العديد من الصحف الورقية لا تتوفر على نسخة رقمية، أو إذا كانت تتوفر، فإنها تتغير في اسمها وفريق عملها ومحتواها، “ما يحرمها من فرصة تحسين استراتيجيات تسويقية تعتمد على منصات التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها، وبالتالي ضمان انتشار أوسع للمحتوى حسب الدراسة”.
وأظهرت نتائج استبيان حول قراءة الصحف الورقية، الذي تم إجراؤه على 306 مستجوبين، أن 25.8% من المشاركين يقرؤون الصحف الورقية بانتظام، بينما أفاد 17.6% بعدم قراءتهم للصحف الورقية.
ولفتت الدراسة إلى أن هذه النتائج تعكس بشكل واضح التحديات التي تواجهها الصحافة الورقية، ليس فقط في المغرب، بل في العديد من دول العالم، حيث تفاقمت أزمة الصحافة التقليدية منذ ظهور الإنترنت وثورة الاتصال، مما أدى إلى ظهور الصحافة الإلكترونية كمنافس قوي.
وأبرزت الدراسة، من خلال رسم بياني آخر حول تفضيلات الجمهور الذي أُجري عبر استمارة إلكترونية، أن الصحافة الإلكترونية تظل الأكثر تفضيلاً لدى الجمهور، بحيث اختارها 58.8% من المشاركين، تليها الصحافة التلفزيونية بنسبة 18%، ثم الراديو بنسبة 12.1%، وأخيراً الصحف الورقية بنسبة 11%.
وخلصت إلى أن هذا التوجه يبرز تفضيل الجمهور للمحتوى الرقمي لما يتمتع به من مزايا مثل السرعة، والتفاعل المباشر، والمجانية، وإمكانية متابعة الأحداث في الوقت الفعلي عبر تقنيات البث المباشر.