دخول ربيعي مضطرب

زخم كبير يميّز “الدخول الربيعي” الذي نعيشه هذه الأيام. ليس البرلمان وحده من افتتح دورته الربيعية على وقع ساخن وغير معتاد في هذا الجزء من السنة التشريعية، بل هناك تسخين على جميع الواجهات. كأننا أمام دخول سياسي واجتماعي مكرّر.
مجلس الأمن الدولي يجتمع اليوم بشأن ملف الصحراء، والمحيط الإقليمي يموج من حولنا بالتطوّرات المتسارعة والنوعية، والقِدر الداخلي يبدو وقد وصل إلى مرحلة غليان تقترب من مرحلة إنضاج الطبق (أو حرقه لا قدّر الله).
تعالوا نقرأ المشهد الحالي من خلال عيّنة من الأحداث والوقائع:
غزّة تنتصر فينا
شهدت شوارع الرباط صباح أمس الأحد 13 أبريل 2025، مسيرة شعبية هي الثانية على التوالي بعد أسبوع واحد من مسيرة مماثلة شهدها المكان نفسه يوم الأحد 06 أبريل الجاري.
التمرين الذي اهتدى جناحا المعسكر الإسلامي في المغرض خوضه كانت نتيجته إيجابية. كل من فريقي الجماعة (العدل والإحسان) والحركة (التوحيد والإصلاح) نظّم مسيرته الخاصة، في سياق الجدل الذي فجّره تناقض حاد وقع بين الجانبين في الفترة الأخيرة بشأن من يحقّ له أن يحوز شرعية الدفاع عن القضية الفلسطينية في الشارع المغربي.
كما لو تم الاحتكام إلي استفتاء شعبي، أو مباراة بقواعد حازمة ومفعمة بالروح الرياضية. وتماما كما كان الحال مع ديربي الدار البيضاء هذا الأسبوع، انتهت المبارزة بالتعادل، وغرفة التحكيم (الفار) خلصت إلى أن القضية الفلسطينية ليست قضية تنظيم أو معسكر، بل هي قضية المغاربة.
شخصيا لم أتمكّن من حضور وتغطية مسيرة أمس، لكنني في الأسبوع السابق التقيت وجوها محسوبة على معسكر “الحركة” الذي تظاهر أمس، وقالت لي إنها ستخرج مع فلسطين كيفما كانت هوية الجهة الداعية للخروج.
غزة تنتصر فينا كما تنتصر فينا ولنا، ومعسكر التضليل وخلط الأوراق أكبر الخاسرين.
القرصنة النائمة
استيقظنا أمس على وقع حالة قرصنة جديدة شملت الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة الفلاحة والصيد البحري. والمعلومات المتداولة في الكواليس، تقول إن الهجومات متواصلة وتستهدف مواقع وأنظمة عدد من المؤسسات والهيئات العمومية. وبعضها يعمد إلى وقف الولوج إلى النظام المعلوماتي لصد هذه الهجمات.
أخطر ما في القصة ليس الاختراقات التي حصلت، وفي مقدمتها الاختراق الذي تعرّض له النظام المعلوماتي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ بل الأخطر هو هذا التطبيع الذي نتعامل به مع هذه الأحداث.
في مقال سابق، شبّهت الهجوم الذي تعرض له CNSS بالهجوم الصاروخي للأسلحة النارية. وما يحصل معنا حاليا هو بالفعل حرب مكتملة الأركان، بما أن البيانات هي بترول العصر وأساس الحياة المعاصرة.
لا يمكن أن نكون بهذا التبلّد في الأحاسيس، وتكون القرصنة نائمة في ذهنيتنا الجماعية تماما كأي خلية نائمة، ونستهتر بحادث اختراق وسرقة معطيات الملايين من المغاربة، تتضمن أخطر وأثمن ما يملكه الانسان: المعطيات الشخصية.
الناطق الرسمي باسم الحكومة ربط الواقعة بالمكاسب الجديدة التي حققها المغرب في قضية الصحراء. هل هذا مبرّر أم عذر أقبح من زلة؟ حلل يا دويري!
الجهل يقتل
توفّيت أمس الأستاذة التي كانت قد تعرّضت لهجوم بسلاح أبيض (شاقور) يوم 27 مارس الماضي، في مدينة أرفود.
الضحية كانت أصلا في غيبوبة منذ ذلك الحين، ووفاتها أعلنت مرات عديدة قبل أن تتأكد يوم أمس، أي أن الضربة كانت قاتلة.
الفاعل لم يكن سوى طالب يفترض أنه كان يحصل من الضحية على العلم والمعرفة في مجال التواصل واللغة الفرنسية، في أحد معاهد التكوين المهني. خلاف لا نعرف تفاصيله، وهي ليست مهمة على الإطلاق، تحوّل إلى جريمة نكراء دوت في الشارع العام وأمام عدسات الكاميرات.
مرة أخرى، هذا التبلّد في الأحاسيس وضعف ردود الفعل هو ما يخيف في القصة. الراحلة في “دار الحق” وذنب قتلها في رقبة الجاني الذي سيواجه حكم القضاء. لكن ماذا عنّا نحن كمجتمع وكدولة؟
لقد تعاملنا جميعا مع الواقعة على أنها من نوع الأخبار المتفرّقة (faits divers)، لا استنكار ولا خروج لمسؤولين عموميين كبار، ولا زيارة للضحية أو أسرتها، ولا تبئير إعلامي، عبر التلفزيون العمومي خصوصا، لتثبيت فكرة رفض واستنكار الفعل الجرمي والحفاظ على الحد الأدنى من المكانة الاعتبارية للأستاذ… وفي مثل هذه الظروف لا يمكننا إلا توقّع المزيد.. الله يحفظ الجميع.
البوليساريو وإيران
تساءلت هنا قبل شهور حول الدلائل التي يحوزها المغرب حول وجود دعم إيراني لجبهة البوليساريو الانفصالية. تساءلت وطالبت، كأي متطلّع إلى حقوق المواطنة، بحدّ أدنى من المعطيات يسمح لي ببناء قناعتي على أسس صحيحة.
لم يجبنا أحد، ووحدهم بعض المتنطّعين استكثروا علينا طرح السؤال. واليوم، ونحن ننتظر جلسة مجلس الأمن حول قضية الصحراء، تجيبنا صحيفة واشنطن بوست، وما أدراك ما واشنطن بوست، وتخبرنا أن هناك المئات من مقاتلي الجبهة الانفصالية في قبضة النظام السوري الجديد، بعدما كانوا قد التحقوا بالمعسكر المدعوم من إيران في سوريا بشار الأسد.
التقرير يحمل توقيع صحافيتين تتمتّعان بسمعة “ما تخرّش الميّة” كما يقول أخوتنا المصريون. وهما إلى جانب تخصصهما في المنطقة العربية وقضايا الإرهاب بمعناها الغربي، تحوزان تجربة بحثية تمنح كتاباتهما الكثير من المصداقية.
ويقول التقرير إن ايران قامت بتدريب مقاتلين من صفوف جبهة البوليساريو، في سياق تعزيزها لجبهة نظام بشار الأسد في سوريا، وإن المئات منهم رهن الاعتقال حاليا لدى نظام السلطة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع.
شكرا “واشنطن بوست”، وشكرا سعاد المخنت (مغربية الأصل ألمانية الجنسية) وزميلتها لوفداي موريس، اللتان وقّعتا التقرير.