story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
إعلام |

إعلاميون وحقوقيون يجمعون على رفض مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة 

ص ص

أجمع عدد من الصحافيين والنقابين والحقوقيين على رفض مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي صادق عليه مجلس النواب بالأغلبية يوم الثلاثاء 22 يوليوز 2025، معتبرين أنه يُمثل “تراجعًا خطيرًا” عن المكتسبات الدستورية والمهنية، و”يهدد جوهر التنظيم الذاتي للقطاع، ويفتح الباب أمام التحكم السياسي والاقتصادي في المشهد الإعلامي المغربي”.

جاء ذلك خلال مائدة مستديرة نظمتها منظمة حريات الإعلام والتعبير “حاتم” يوم الخميس 24 يوليوز 2025 بالرباط، تحت عنوان: “حوار الجسم الإعلامي لتأطير المهنة وصون حرية التعبير”، بمشاركة تنظيمات مهنية وحقوقية وفعاليات أكاديمية ومدنية.

“فضيحة سياسية وقانونية ودستورية”

وفي السياق، اعتبر عبد الواحد الحطابي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للإعلام والصحافة، أن تمرير مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة بصيغته الحالية يُعدّ “فضيحة سياسية وقانونية ودستورية”، بسبب ما وصفه بـ”الخرق السافر” لكل المساطر التي كان ينبغي اتباعها عند طرح المشروع للتشاور والنقاش.

وقال الحطابي، إن الحكومة “تجاوزت كل الأعراف”، حيث كان من المفترض أن تعرِض المشروع على مختلف المهنيين، من منظمات مهنية، وممثلين عن النقابة الوطنية للصحافة، والناشرين، غير أن ذلك لم يتم، ما يشكل في نظره “خرقًا دستوريًا خطيرًا”، ويعكس تمرير المشروع في إطار “صفقة سياسية” مع فئة محدودة من الناشرين المستفيدين من الريع العمومي.

ووصف هذا السلوك بأنه “انتهاك صريح للدستور والقانون”، مشددًا على أن التصويت على المشروع داخل البرلمان تم في “مشهد مثير للسخرية”، نظراً لحضور عدد محدود من النواب “يُعدّون على رؤوس الأصابع”، معربًا عن يقينه بأن معظمهم “لم يطّلع على مضامين النص، ولم يقرأه أصلًا”، ما يكشف بحسب قوله عن “خلل عميق” في البنية السياسية والنيابية بالمغرب.

وأكد المتحدث، أن النقابة الوطنية للإعلام والصحافة تُطالب بـ”السحب الفوري للمشروع” وإعادته إلى طاولة الحوار، مع فتح نقاش حقيقي مع المهنيين والناشرين في إطار شفاف ومسؤول، بغرض معالجة الأعطاب التي تعيق تطوير القطاع، خصوصًا في ظل التحولات الرقمية الراهنة.

وفي سياق الحديث عن الخطوات المقبلة، أوضح الحطابي أن المشروع عُرض على مجلس النواب، ومن المرتقب أن يُعرض قريبًا على مجلس المستشارين، خلال دورة أكتوبر أو في دورة لاحقة، مشيرًا إلى أن المسار التشريعي “يتّجه نحو المصادقة النهائية”، ما يُحتم على الجسم الإعلامي الدخول في “مرحلة تصعيدية جادة”.

وفي هذا الإطار، أعلن المتحدث أن النقابة باشرت التنسيق مع مختلف الهيئات والتنظيمات المهنية من أجل بلورة أجندة نضالية حقيقية، تشمل أشكالًا مختلفة من الاحتجاج والتصعيد، لإسقاط ما وصفه بـ”مشروع المهزلة” الذي يُقيد حرية الصحافة ويهدد مستقبل آلاف الصحافيين.

وأضاف أن الحكومة باتت “تتحكم في المشهد الإعلامي” بتنسيق مع “كبار المقاولات الإعلامية”، التي رغم امتلاكها لرأسمال ضخم يُقدّر بمئات الملايين من الدراهم، فإنها تعيش على الدعم العمومي وتعاني من أعطاب هيكلية، متسائلًا: “كيف يمكن اعتبار هذه المقاولات ناجحة؟”.

وختم الحطابي تصريحه بالتشديد على أن النقابة ستسعى إلى جعل هذه المعركة قضية وطنية، بل وقضية رأي عام دولي، باعتبار أن تمرير هذا القانون يُعد “تراجعًا خطيرًا” عن المكتسبات الحقوقية والمهنية، ويماثل في خطورته قانون الإضراب الذي صادقت عليه الحكومة، والذي وصفه بـ”الخطأ التاريخي والسياسي” في حق الطبقة العاملة والشعب المغربي وأجيال المستقبل.

“إلغاء التنظيم الذاتي”

من جانبه، أكد محمد العوني، رئيس “منظمة حريات الإعلام والتعبير – حاتم”، أن التعديلات الجارية على مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة تمت “في سياق غير ديمقراطي، وبعيد عن مقتضيات الدستور ومبادئ الحوار والمشاركة”، مشددًا على أن ما يحدث اليوم يعكس “إرادة سلطوية لتقويض مكاسب التنظيم الذاتي للصحفيين”.

وقال العوني إن جهة واحدة فقط داخل المجلس الوطني للصحافة، والتي بقيت في موقعها رغم اعتراض معظم الفاعلين، هي من اقترحت التعديلات الجوهرية، بدعم من وزير “لا علاقة له بالإعلام أو التواصل”، في إشارة إلى غياب الكفاءة القطاعية والمهنية في التعاطي مع الملف.

وأضاف أن هذا الوزير يسعى إلى إنشاء مجلس جديد يُلغي بشكل صريح آلية التنظيم الذاتي، وهي إحدى الضمانات الأساسية لحرية الصحافة، إلى جانب القضاء، مبرزًا أن الهدف هو “خلق هيئة تتحكم في الصحفيين قبل أن يُحكم عليهم قضائيًا”، وذلك من خلال نقل سلطة القرار إلى أيدي الناشرين، بناءً على معايير اقتصادية محضة مثل رقم المعاملات، “دون اعتبار لصلتهم الحقيقية بالمهنة أو التزامهم بأخلاقياتها”.

وأعرب المتحدث داته، عن قلقه من الواقع الحالي للمهنة، قائلاً إن معظم الشكايات والمتابعات القضائية تُوجَّه ضد الصحفيين والصحفيات، في انتهاك لروح قانون الصحافة والنشر، مؤكدًا أن هذا التوجه يكشف عن “نوايا غير بريئة” للهيمنة على الفعل الإعلامي وتحويله إلى مجرد “جهاز دعاية سياسي”.

وشدد على أن الجسم الإعلامي المغربي بات مهددًا من كل جانب، وأنه من الضروري اليوم طرح أسئلة عميقة وجادة داخل المهنة، داعيا إلى إطلاق حوار داخلي حقيقي بين مختلف مكونات هذا الجسم المهني، بهدف التصدي لهذه التهديدات، التي لم تعد تقتصر على الهياكل، “بل باتت تمس جوهر حرية التعبير ووجود المهنة نفسها”.

وأضاف العوني أن العديد من الفاعلين السياسيين في المغرب لا يدركون جوهر العمل الإعلامي، ويسعون إلى التحكم فيه بدل تطويره، وتحويله إلى أداة موجهة تخدم أجندات معينة، بدل أن يكون سلطة رابعة مستقلة تراقب وتواكب وتُعبّر عن المجتمع.

“إقفال لملف الحرية”

من جانبه، قال الصحافي والفاعل الحقوقي رشيد البلغيتي إن كل ما يرتبط اليوم بتقنين المجال المتعلق بالحريات، وعلى رأسها حرية الصحافة، يشهد “تراجعًا مقلقًا”، في مسار لا ينفصل عن التحولات التي عرفها المغرب خلال السنوات الماضية.

وأوضح البلغيتي أن الهوامش التي توسّعت في لحظة تاريخية سابقة، وخصوصًا خلال حراك 20 فبراير، لم تكن توسعًا طوعيًا من الدولة، بل نتاجًا لضغط الشارع وتطلعات المجتمع نحو مزيد من الديمقراطية والانفتاح في الربيع العربي، مؤكداً أن الصحافة كانت دومًا “العنوان الأبرز لتلك الهوامش”.

وأضاف المتحدث أنه، وبعد مرور نحو 13 إلى 14 سنة على تلك اللحظة السياسية التي رفعت سقف المطالب والحريات، يبدو أن هناك اليوم اتجاهاً من بعض الجهات إلى تقليص تلك المكتسبات، وخاصة ما يرتبط بالإطار القانوني للصحافة وحرية التعبير، مع سعي واضح إلى التضييق على العمل الإعلامي.

واعتبر البلغيتي أن ما نشهده اليوم هو حلقة جديدة في مسلسل التضييق، بدأت بالمساس بالتنظيمات المهنية، سواء النقابات، أو الجمعيات المهنية، أو حتى جمعيات الناشرين، وتستكمل اليوم عبر مشروع القانون المتعلق بالتنظيم الذاتي ومجلس الصحافة.

وأكد أن هذا المشروع لا يُمكن فصله عن السياق العام الذي يُراد فيه إغلاق قوس التنظيم الذاتي والحريات الإعلامية، معتبراً أن النص المقترح “لا يهدف إلى الإصلاح أو الهيكلة، بل هو بمثابة إعلان نهائي يقول: لقد أقفلنا هذا الملف بطريقتنا، وبالطابع السلطوي الذي نريده”.