story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دين |

خطبة الجمعة تثير جدلا واسعا خوفا من “علمنة المجال العام باسم الدين”

ص ص

أثار موضوع خطبة الجمعة ليوم 21 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق لـ 12 دجنبر 2025م، والذي تمحور حول “الحرص التام على احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة“، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف عدد من الأساتذة والفقهاء الذين اعتبروا أن الأمر يدخل “ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل مرجعية دينية جديدة للمغاربة، عبر تقديم القوانين الوضعية بصفتها جزءا من المرجعية الشرعية”.

وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ في معهد الغرب الإسلامي للتكوين والبحث العلمي، رشيد بن كيران أن الخطبة الموحدة ليست مجرد موعظة بريئة، “بل حلقة ضمن ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل مرجعية دينية جديدة للمغاربة، عبر تقديم القوانين الوضعية بصفتها جزءا من المرجعية الشرعية بإطلاق، أو على الأقل لا تتعارض معها بإطلاق، وهو ما يمهد لتمكين العلمانية من المجال العام وباسم الدين المفترى عليه”.

وتساءل بن كيران، ” لمن وُجهت الخطبة؟ وما الرسالة المراد إيصالها؟”، مشيرا إلى أن المؤسسة الدينية الرسمية، (في إشارة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية)، توجه رسالة مفادها أنها “ليست عقبة أمام مشروع علمنة الحياة العامة، وبلغة غير مباشرة، تقول: نحن مستعدون لتكييف شرع الله مع القانون، وبالتالي، لا مانع من أن يتقدم القانون ليحل محل الشريعة في قيادة المجتمع ما دام منبر الجمعة نفسه وما يدور في فلكه سيقدمه للناس بصفته جزءا من الدين”.

وأوضح المتحدث، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع “فايسبوك”، أن هنا مكمن الخطورة؛ “حين يُحمَّل المنبر الجمعة عبر الخطبة الموحدة وظيفة سياسية ناعمة تهدف إلى تهيئة الرأي العام لقبول نموذج قانوني يفضي إلى تحريف الدين باسم الدين، وإلى تخفيف حساسية المتدينين تجاه التشريعات المخالفة للشرع، عبر خطاب يربط القانون بالدين ربطا مزيفا”.

ولفت إلى أن من اطلع على خطبة الجمعة الموحدة لهذا اليوم، “يدرك منذ الوهلة الأولى أن المايسترو الذي يدير خطة تسديد التبليغ في المغرب لم يكتبها لعوام المغاربة، ولا حتى للمتعلمين منهم من أصحاب التعليم المتوسط”.

وقال إن “الخطبة مشحونة بمصطلحات فلسفية وأصولية ودستورية لا يستعملها إلا المتخصصون، مثل: العقد الاجتماعي، المقاصد، الضروريات الخمس، فلسفة القانون، التجارب الحضارية، المصالح المرسلة، الحفظ الكليات من جانب الوجود…والعدم…، مبرزا أن “هذه لغة لا عهد للناس بها في خطبة الجمعة ولن يفقهوها، ولا يمكن أن تكون موجهة لعموم رواد المساجد”.

ويرى الأستاذ في معهد الغرب الإسلامي للتكوين والبحث العلمي، “أن الخطبة الجمعة جاءت لتقرر بصياغة ذكية مكرة أن القوانين الوضعية المغربية الجاري بها العمل اليوم هي من شرع الله، وأن الالتزام بها واجب تدينا، وأن مخالفتها مخالفة للدين ذاته”، لافتا إلى أن “هنا يبدأ الإشكال الحقيقي!!! “.

وضرب أمثلة من قبيل القانون الوضعي المتعلق مثلا بجريمة الزنا المعمول به في المحاكم المغربية، “هل هو من شرع الله!!؟مبرزا أن “هذا القانون يفرط في حق الله إذا تنازل أحد الزوجين لزوجه الذي وقع في الزنا . ناهيك عن العقوبة المقررة لمن أدين بذلك، فهي مخالفة لما جاء في الشريعة”، متسائلا، “فهل هذا القانون هو شرع الله؟ وهل هذا يمكن تقديمه للناس على أنه دين؟! وهل من استنكره مخالف للدين!!؟”

وأضاف، “ثم هل رخص بيع الخمور مثلا، التي يمنحها القانون، وحماية الدولة لمحلات الخمور والملاهي الفاجرة، من شرع الله؟ هل يمكن أن تدرج هذه التشريعات ضمن ما تسميه الخطبة القوانين المعبرة عن روح مقاصد الشريعة وحفظ الضروريات الخمس!!؟”.

وتابع أيضا، “هل المعاملات البنكية الربوية التي ترعاها القوانين وتمنحها الحماية وتنظمها بالتفصيل الدقيق هي من شرع الله؟ هل الربا (الفائدة على القرض) يصبح حلالا لأن القانون أباحه ووفر له الضمانات القانونية!!؟”

واستطرد، “أم أن الخطبة تريد إقناع الناس أن كل ما يصدر عن الدولة مهما كان مخالفا للقطعيات بدعوى المصلحة المرسلة المفترى عليها، وبدعوى طاعة ولاة الأمر في غير محلها الشرعي يمكن إدراجه في الدين بمجرد صياغته بخطاب وعظي من مؤسسة دينية رسمية وإلزام الخطباء بقوله وإن كان لا يقوم على أسس شرعية سليمة!!؟”

واعتبر بن كيران أن من المكر بالناس، بل ومن التدليس عليهم، “أن تُقدم القوانين التقنية المتعلقة بحوادث السير مثلا باعتبارها من شرع الله ، ليتم تمرير قاعدة خطيرة مفادها: أن جميع القوانين الوضعية، دون تفريق أو تحقيق مناط، هي شرع واجب الطاعة تدينا”.

وخلص رشيد بن كيران في تدوينته إلى أن “الخطبة تنتقي مثالا لا خلاف فيه في الجملة (قوانين السير أو قوانين البناء) لتفتح الباب أمام تعميم خطير يشمل كل القوانين الوضعية التي سنتها الدولة، بما فيها ما يخالف نصوص القرآن والسنة والإجماع.

ومن جهته، اعتبر رئيس رابطة علماء المغرب العربي، الحسن بن علي الكتاني، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع “فايسبوك”، أن خطبة الجمعة الموحدة (…) “تتضمن جملة من المغالطات الخطيرة والمعاني المناقضة لشرع الله تعالى، وقد هالني مضمونها”.

ويرى الحسن الكتاني “أن خطبة الجمعة تريد اقناع المسلمين في المغرب بأن ما نحكم به هو عين الشريعة الإسلامية وأن هذا أمر يجب أن نقر به ونقبله”، لافتا إلى أن هذا الأمر “في الواقع تغيير لشرع الله من أصله وتلبيس على الناس خطير”، مستشهدا بقوله تعالى : {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا }.

وأهاب رئيس رابطة علماء المغرب العربي، بالعلماء جميعا “بأن يجهروا باستنكار هذا الأمر”، عَادًّا تعطيل الشريعة المحمدية “مصيبة ولكن الأعظم منها إسباغ الشرعية على القوانين الوضعية الجاهلية”.

ومن جانب آخر، أوضح المتحدث أن المغرب منذ استقلاله عن الاحتلال الفرنسي الإسباني “ورث تركة ثقيلة من القوانين الجاهلية المناقضة للشريعة الإسلامية، مبرزا أنه “كان من المفترض فور استقلال المغرب أن يوضع قانون إسلامي مستمد من الشريعة الإسلامية التي حكمت المغرب منذ فجر الإسلام إلى أن ابتلي بالاحتلال”.

ويرى المتحدثن في هذا الصدد، أن “تعطيل الشريعة بدأ بالتدريج حتى وصلنا لقانون علماني لا يستمد أحكامه من المذهب المالكي ولا من غيره من مذاهب المسلمين، بل هو قانون غربي محض، علماني صرف”.

وذكر في هذا الصدد، أن رابطة علماء المغرب طالبت منذ نشأتها “بالرجوع للشريعة الإسلامية وطالب بذلك العديد من العلماء واعتبروا الاستقلال المغربي ناقصا ما دامت قوانين فرنسا تحكمنا”.