خبير: تحسن مخزون السدود إيجابي على المدى القريب لكنه غير كافٍ
ساهمت التساقطات المطرية الأخيرة التي شهدتها مناطق واسعة من المغرب في تحسين وضعية الموارد المائية، حيث انعكس ذلك بشكل إيجابي على حقينة السدود الوطنية، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في النسبة الإجمالية للملء، مقارنة بفترات سابقة اتسمت بتراجع مقلق في المخزون المائي.
ووفق معطيات رسمية محيّنة، بلغ الحجم الإجمالي للمياه المخزنة بالسدود حوالي 5400 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء إلى 32,2 في المائة إلى غاية يوم الأربعاء 17 دجنبر 2025، مدعومة بالواردات المائية التي سجلتها عدد من المنشآت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، بحسب معطيات صادرة عن منصة “ما ديالنا” التابعة لوزارة التجهيز والماء.
وأبرزت هذه المعطيات تسجيل ارتفاعات مهمة في حقينة عدد من السدود بعدد من الأقاليم. ففي إقليم بني ملال، سجل سد أحمد الحنصالي ارتفاعا بلغ 10,6 مليون متر مكعب، لتصل نسبة الملء به إلى 14,1%.
وبإقليم تاونات، عرف سد الوحدة ارتفاعا قدره 13,8 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء به إلى 42%.
أما بعمالة الرباط، فقد شهد سد سيدي محمد بن عبد الله ارتفاعا مهما في موارده المائية بلغ 24,9 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء به إلى 73,4%، وقد أشارت المنصة إلى أن السد يستفيد من تدفقات مائية إضافية بشكل مستمر بفضل مشروع الربط المائي بين حوضيْ سبو وأبي رقراق.
وفي إقليم الحوز، سجل سد مولاي يوسف زيادة قدرها 4,8 مليون متر مكعب، مع بلوغ نسبة الملء 54,9%.
كما عرف سد القنصرة بإقليم الخميسات ارتفاعا في الموارد المائية بلغ 4,7 مليون متر مكعب، لترتفع نسبة الملء به إلى 23,8%، فيما سجل سد أولوز بإقليم تارودانت، ارتفاعا قدره 6,5 مليون متر مكعب، لتصل نسبة الملء به إلى 39,1%.
وفي تعليقه على هذه المعطيات، قال جواد الخراز، مدير شبكة خبراء المياه والطاقة والمناخ، إن الأرقام المسجلة يجب قراءتها من زاويتين، موضحا أن “المنظور الإيجابي يتمثل في كون هذه الارتفاعات تعكس تحسنا على المدى القصير أو مؤشرا على انتعاش، خاصة بعد معدلات متدنية تاريخيا خلال سنوات الجفاف، بحيث كانت نسبة ملء السدود قد اقتربت في فترات سابقة من 23 في المائة”.
واعتبر في هذا السياق، أن “بلوغ 32,2 في المائة يمثل تحسنا ملموسا ومهما على المدى القريب، وهو ثمرة التساقطات المطرية الأخيرة التي شملت عدة مناطق”.
وأشار الخراز إلى وجود تباين جغرافي في هذا التحسن، موضحا أن “بلوغ بعض السدود نسب ملء مرتفعة، مثل سد الدورات وسد الشريف الإدريسي، يخفف الضغط الإقليمي ويوفر هامشا للأمن المائي في تلك المناطق”.
وفي المقابل، نبّه المتحدث إلى أن “قراءة الأرقام من منظور بعيد المدى تظل تحذيرية، مبرزا أن نسبة 32,2 في المائة تبقى متواضعة وتعني أن المملكة ما تزال بعيدة عن منتصف سعة التخزين الإجمالية للسدود، مقارنة بالمعدلات التاريخية لفترات الرخاء المائي”.
وأضاف أن “سنوات الجفاف الخمس أو الست المتتالية السابقة استنزفت المخزون الجوفي وأثرت على الفلاحة”، مؤكدا أن “عاما واحدا من التحسن، حتى وإن كان جيدا، لا يمكنه تعويض سنوات العجز الطويلة”.
كما شدد الخراز على أن “التوزيع غير المتجانس للتحسن، خاصة بين الشمال والوسط من جهة، والمناطق الجنوبية والشرقية الأكثر جفافا من جهة أخرى، يجعل من غير الممكن قياس الأمن المائي الوطني اعتمادا على المتوسط الوطني فقط، بل بقدرة أضعف الحلقات على الصمود”.
وبخصوص انعكاسات هذا التحسن، أوضح مدير شبكة خبراء المياه والطاقة والمناخ أن “هناك بالفعل زيادة حقيقية في الموارد السطحية، من شأنها تأمين أفضل لماء الشرب في المدن المرتبطة بهذه السدود، وتخفيف الضغط، ولو بشكل جزئي ومؤقت، على الفلاحة المسقية، إضافة إلى إعادة شحن جزئي للفرشات المائية في المناطق المجاورة”.
غير أن الخبير اعتبر “هذا التحسن هشا وموسميا، لكونه مرتبطا بمناخ متقلب قد لا تتكرر فيه الأمطار بنفس الوتيرة خلال المواسم المقبلة، فضلا عن ارتفاع الطلب المستمر على المياه، خاصة من طرف القطاع الفلاحي الذي يستهلك أكثر من 80 في المائة من الموارد المائية، إلى جانب الضغط السكاني والسياحي المتزايد”.
وفي هذا الإطار، أكد المتحدث أن “الاستدامة لا تتحقق بزيادة المخزون وحدها، بل بتحويل هذه الزيادة إلى رصيد استراتيجي، من خلال تدبير حذر للكميات المتوفرة، وإعادة تأهيل النظم البيئية، وتسريع التحول نحو الفلاحة المرشدة، وتنويع مصادر التزود بالماء عبر تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة، والربط بين الأحواض المائية، إضافة إلى تعزيز الحوكمة والتوعية”.