خبير: الملك يضع الوساطة السياسية أمام اختبار تجديد مشروعيتها

اعتبر خبير الشؤون السياسية والعلاقات الدولية هشام معتضد، أن جوهر الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية يتجاوز البعد الإجرائي إلى هندسة سياسية شاملة تهدف إلى إعادة ضبط علاقة الدولة بالمجتمع على قاعدة الجدية والمسؤولية والنتائج، معتبرا أن الخطاب يضع الوساطة السياسية أمام اختبار تجديد مشروعيتها داخل منظومة الملكية المواطِنة.
أوضح معتضد في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، جاء في لحظة مفصلية تتقاطع فيها رهانات السياسة الداخلية مع محددات التحول الاستراتيجي للدولة المغربية نحو نموذج جديد للقيادة التنموية.
وأضاف الخبير أن دعوة الملك إلى “العمل بروح المسؤولية واليقظة” ليست مجرد لغة وعظية، بل إشارة دقيقة إلى حاجة النسق السياسي المغربي لإعادة تأهيل داخلي قبل أي إصلاح هيكلي، مشيرًا إلى أن المؤسسة الملكية تعتبر أن “فعالية الدولة لا تتحقق بكثرة البرامج، بل بجدية الفاعلين وقدرتهم على تحويل السياسات العمومية إلى أثر ملموس”.
وأكد معتضد أن الخطاب الملكي يؤسس لمرحلة جديدة من “التدبير الاستراتيجي” للدولة، تُجسّد رؤية المغرب الصاعد كخيار واقعي وليس مجرد شعار تنموي، مضيفًا أن هذا التحول يعكس انتقال فلسفة الحكم من منطق “التنمية كمشروع حكومي” إلى “التنمية كعقد وطني شامل”، وهو ما يعيد التأكيد على استمرارية الدولة باعتبارها الإطار الثابت الذي تتغير داخله الحكومات.
وأشار المتحدث إلى أن الملك في خطابه وضع البرلمان أمام مسؤولية جديدة كفاعل تشاركي داخل هندسة الدولة، وليس فقط كسلطة رقابية، معتبرًا أن الخطاب حمل أيضًا بعدًا تربويًا سياسيًا واضحًا من خلال إعادة تعريف وظيفة التمثيل البرلماني، ليس فقط في التشريع، بل في تأطير المواطن وتثقيفه بحقوقه وواجباته.
وأوضح أن الملك أعاد الاعتبار للوساطة السياسية التي تآكلت في السنوات الأخيرة بسبب ضعف الأحزاب وانغلاق النخب، مضيفًا أن الخطاب الملكي لا ينتقد هذه النخب بقدر ما يضعها أمام اختبار تجديد مشروعيتها داخل منظومة الملكية المواطِنة، أي الملكية التي تؤطر المواطن وتشرح له قرارات الدولة لا أن تتوارى خلفها.
وفي الجانب الاقتصادي، اعتبر الخبير أن إشارة الملك إلى ضرورة تسريع “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية” تعبّر عن تحول نوعي في بوصلة الدولة، من التركيز على الاستثمارات الكبرى إلى الاهتمام بالأثر المحلي والعدالة المجالية، موضحًا أن نجاح المغرب الصاعد لن يُقاس بعدد المشاريع العملاقة، بل بمدى انعكاسها على حياة المواطن في الجبل والواحة والساحل.
وشدد معتضد على أن الخطاب الملكي يربط بين العدالة المجالية والعدالة الاجتماعية في رؤية موحدة، ترمي إلى ترميم العقد الاجتماعي وبناء الثقة بين المواطن والدولة من خلال توزيع عادل للثروة والفرص، معتبرًا أن ذلك يمثل مدخلاً استراتيجيًا لإعادة ترسيخ الانتماء الوطني في زمن تتسع فيه الفوارق الاجتماعية.
كما لفت الخبير إلى أن دعوة الملك إلى “تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النتائج” تمثل إعلانًا عن مرحلة جديدة من الحَوكمة الذكية للدولة المغربية، حيث تتحول الإدارة من منفذة للتعليمات إلى منتجة للمعرفة والتقييم، مبرزًا أن المرحلة المقبلة ستقوم على الكفاءة والأثر، لا على المبادرة فقط، وعلى التحليل الميداني والرقمي كأساس لاتخاذ القرار العمومي.
وأشار معتضد إلى أن الخطاب الملكي دمج البعد البيئي ضمن منطق التنمية المستدامة، بإعطاء عناية خاصة للسواحل والجبال والواحات، معتبراً أن ذلك يتجاوز البعد التقني إلى بعدٍ سيادي يكرس حماية الموارد الوطنية كجزء من منظومة القوة الشاملة للدولة المغربية.
وأكد الخبير بالقول إن الاستشهاد القرآني في ختام الخطاب، “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره”، يحمل دلالة عميقة تربط السياسة بالأخلاق والحكم بالضمير، مضيفًا أن الملك يوجه رسالة مزدوجة إلى النخب والمواطنين على حد سواء: فـالجدية ليست خياراً بل التزام، والتنمية ليست منحة بل شراكة.