خبراء: مبادرة الحكم الذاتي طبيعتها تفاوضية وتقدم تصورا كاملا

حلّل مختصون في العلاقات الدولية والقانون الدولي مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل سياسي نهائي لقضية الصحراء المغربية، مؤكدين جديتها وقابليتها للتطبيق، ومبرزين التحديات المرتبطة بتنزيلها، سواء على المستوى الداخلي أو في سياقها الإقليمي والدولي.
وتعليقا على الموضوع، قال عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لا يمكن تنزيلها من طرف واحد، كما قد تتصور بعض النخب السياسية أو العلمية، معتبرًا أن الأمر يتعلق بمبادرة ذات طبيعة تفاوضية، أطلقتها الرباط للمساعدة في خلق بيئة مناسبة لحل النزاع تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يضمن قبولًا متبادلًا بين مختلف الأطراف.
وأوضح البلعمشي، أن أي تصور أحادي أو دراماتيكي قد تكون له “انعكاسات سلبية” على المنطقة، مؤكدًا أن “الصحراء اليوم بحاجة إلى نظام ترابي وطني شامل، يُعيد تنظيم العلاقة بين المركز والجهات على أسس واضحة ومتوازنة”.
وجاء ذلك في مائدة مستديرة نظمتها مؤسسة علي يعته الخميس 12 يونيو 2025، حول موضوع الوحدة الترابية المغربية ومقترح الحكم الذاتي كآلية للحل النهائي.
وشدّد الخبير في العلاقات الدولية على ضرورة التمييز بين المسارين الداخلي والدولي في تسوية هذا الملف، معتبرًا أن نجاح أي مقاربة يقتضي فهمًا عميقًا لطبيعة التحديات الإقليمية والدولية المرتبطة بالنزاع.
وفي هذا السياق، طرح البلعمشي جملة من التساؤلات الجوهرية، أبرزها: “ما هو موقف الجزائر من المقترح؟ وهل سيتغير هذا الموقف في حال قبلت جبهة البوليساريو بالمبادرة المغربية؟”، مبرزًا أن “استمرار الموقف الجزائري المتصلب سيظل عائقًا أمام أي تقدم، في حين أن تغييره قد يفتح آفاقًا جديدة أمام التسوية”.
كما تساءل الأستاذ الجامعي عن موقف مكونات جبهة البوليساريو نفسها من المبادرة المغربية، متسائلًا: “هل سنشهد إجماعًا داخل الجبهة أم انقسامًا بين من يقبل ومن يرفض؟” معتبراً أن “التعاطي مع هذه الثنائية سيكون تحديًا دقيقًا يتطلب مقاربة متزنة بين من انخرط في الحل ومن اختار الرفض”.
أما داخليًا، فقد أشار البلعمشي إلى أن الصحراويين في الأقاليم الجنوبية سيكون لهم دور محوري في المرحلة المقبلة، متسائلًا: “ما موقعهم في المنظومة السياسية والاقتصادية الجديدة؟ هل سيكون التمثيل عدديًا فقط أم نوعيًا أيضًا؟ وهل سنتبنى منطق التمييز الإيجابي أم المساواة التامة؟”.
وتوقف البلعمشي عند أحد أبرز التحديات، والمتعلق بإعادة هيكلة القطاعات الحكومية، مشددًا على ضرورة التفكير في صيغ تدبيرية تشاركية، قائلاً: “هل سنعتمد لجانًا مشتركة تدرس كل قطاع على حدة وتُعد تصورات مخصصة؟ أم أن الدولة ستفرض تصورًا مركزيًا عامًا؟”.
وختم البلعمشي مداخلته بالتأكيد على ضرورة الحرص على عدم وقوع ظلم في حق الصحراويين الأصلاء، خاصة في ظل ما وصفه بـ”النسيج غير المتجانس داخل مخيمات تندوف”، مشيرًا إلى أن “الخليط القائم هناك قد لا يُعبّر بدقة عن الهوية الصحراوية، وقد يُسهم في تعقيد المشهد ما لم تتم مراعاة خصوصية السكان الحقيقيين للمنطقة”.
من جانبه، اعتبر عبد الفتاح نعوم، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب ليست مجرد مناورة سياسية أو تكتيك تفاوضي، بل “ورقة تفاوضية جادة، قائمة على أسس تاريخية وإدارية راسخة، وقابلة للتطبيق على أرض الواقع”.
وأكد نعوم أن “المغرب لا يطرح هذه المبادرة للهروب إلى الأمام أو لكسب الوقت، بل يقدّمها بوعي سياسي ومؤسساتي عميق، نابع من إرث طويل في تدبير الشأن الترابي، ومن تقاليد إدارية تمتد لقرون”، موضحًا أن هذا النموذج ليس غريبًا عن بنية الدولة المغربية، بل يشكّل امتدادًا طبيعيًا لتجربتها في اللامركزية.
وفي هذا الإطار، أشار إلى أن “المغرب لا يخشى الحكم الذاتي، عكس بعض الدول التي تتحفظ أو تخشى تقديم مثل هذه النماذج، خشية أن تفتح الباب أمام مطالب مشابهة داخل ترابها”، مبرزًا أن “منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لم تعرف تجربة مماثلة سوى في حالة إقليم كردستان، بينما ظلت باقي الدول عاجزة عن تقديم حلول مماثلة بالجدية نفسها”.
وشدد نعوم على أن الدبلوماسية المغربية لا تطرح مبادرة الحكم الذاتي كـ”خطة غامضة أو مفتوحة على التأويل”، بل تقدمها كنقطة وصول واضحة المعالم، “وليست مجرد بداية لعملية تفاوضية مفتوحة على المجهول”.
وأوضح أن كل من يطالع بنود هذه المبادرة سيجد فيها “تصورًا متكاملًا يضبط العلاقة بين جهات الحكم الذاتي والدولة المركزية، من حيث تقاسم الصلاحيات، وتحديد مجالات السيادة، والتنظيم المؤسساتي، والاختصاصات التدبيرية، وفق رؤية قانونية وسياسية واضحة”.
فيما، أكدت كجمولة ابي، رئيسة المبادرة الصحراوية للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، أن أي مقترح لحل قضية الصحراء، كيفما كانت تسميته أو طبيعته، “لن يكتب له النجاح أو الاستمرارية ما لم يكن له سند شعبي وقاعدة جماهيرية متجذرة”، معتبرة أن “القبول الشعبي هو أساس كل حل قابل للتطبيق”.
وشددت ابي، على أن “الملف الصحراوي ليس وليد الأمس، بل هو ملف مستمر منذ أكثر من خمسين عامًا”، مذكّرة بأن “القضية أُدرجت في جدول أعمال الأمم المتحدة سنة 1963، وفي سنة 1965 تم تصنيف الصحراء ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو ما يشكل جوهر الإشكال السياسي والقانوني القائم إلى اليوم”.
وأضافت أن إحالة الملف على اللجنة الرابعة، المختصة بتصفية الاستعمار، قد عمق التعقيد السياسي المحيط بالنزاع، مما يجعل من الضروري الدخول في نقاش عميق وموضوعي، خالٍ من الحسابات الضيقة والخوف من قول الحقيقة.
واستحضرت المتحدثة البُعد الإنساني والاجتماعي للقضية، قائلة: “لسنا أمام مجرد نزاع سياسي؛ بل هناك عائلات مفككة، وأسر تقاسمت الألم والمعاناة على مدى عقود، وهناك إخوة، وأبناء عمومة، وأطباء، وأصدقاء، قضوا حياتهم في ظروف صعبة داخل المخيمات، ونعرف أسماءهم ونعرف قصصهم”.