خبراء طب بأمريكا يحذرون من مخاطر التوقيت الصيفي ويطالبون بإلغائه

مع اقتراب الولايات المتحدة من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في نونبر المقبل، تجددت الدعوات من قبل ائتلاف من خبراء طب النوم لإنهاء العمل بالتوقيت الصيفي واعتماد التوقيت القياسي الدائم طوال العام.
ويأتي ذلك في ظل دعمٍ متزايد من خبراء النوم، وأدلةٍ علميةٍ تُظهر الفوائد الصحية والسلامة العامة لهذا الخيار، إلى جانب تفضيلٍ شعبيٍّ واضح.
ويدعو ائتلاف التوقيت القياسي الدائم، الذي تقوده الأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM)، صُنّاع القرار إلى إلغاء تغييرات التوقيت الموسمية، واعتماد التوقيت الذي يستند إلى العلم ويُعطي الأولوية للصحة العامة والسلامة والكفاءة.
ويشير الخبراء إلى أن الرأي العام أصبح مستعدًا للتغيير، وفقًا لمسح حديث أجرته الأكاديمية الأمريكية لطب النوم، والذي أظهر أن نصف الأمريكيين يدعمون تشريعاتٍ تُنهي تغييرات التوقيت الموسمية، في حين أن 26 في المائة فقط يعارضون ذلك.
وترى كارين جونسون، رئيسة ائتلاف التوقيت القياسي الدائم وعضو لجنة المناصرة في الأكاديمية الأمريكية لطب النوم، أن التوقيت القياسي يتماشى بشكل أفضل مع البيولوجيا الإيقاعية البشرية (الساعة البيولوجية)، ويقدم فوائد واضحة للصحة العامة والسلامة.
وتشير إلى أنه يتوافق بدرجة أكبر مع موضع الشمس في السماء، وهو أمر حيوي للجسم لأن ضوء الشمس يُعد أقوى منبّه خارجي للإيقاع اليومي البشري.
أما التوقيت الصيفي، الذي يقدّم الساعة بمقدار ساعة إلى الأمام بشكلٍ مصطنع، فيؤدي – بحسب جونسون – إلى اختلالٍ بين الوقت الزمني والوقت الشمسي، مما يُعطل التوقيت الإيقاعي الداخلي للجسم.
وتوضح أن هذا الأخير ينظم مواقيت اليقظة والنوم والعديد من الوظائف الحيوية الأخرى، وأن الاضطراب الناتج عن التوقيت الصيفي يرتبط بزيادة مخاطر السمنة، ومتلازمة الأيض، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والاكتئاب.
ومن جانبه، يقول جاي بيا، رئيس منظمة “أنقذوا التوقيت القياسي” (Save Standard Time)، إنه قد يبدو التحول إلى التوقيت الصيفي في الربيع أمرًا بسيطًا، “لكن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير”.
ويوضح أن ذلك “يخلّ بالساعات البيولوجية، ويؤثر على جودة النوم، ويزيد من مخاطر الحوادث الصحية والسلامة التي يمكن تجنبها، مثل حوادث السيارات، والنوبات القلبية، وحتى الأخطاء في أماكن العمل خلال الأيام التي تلي تغيير التوقيت”.
أما اعتماد التوقيت القياسي الدائم، فيقدّم – بحسب بيا – “حلًّا أفضل للرفاهية على مدار العام”. فالتوقيت القياسي يتماشى بشكل أفضل مع الإيقاعات اليومية الطبيعية للجسم التي تنظم دورات النوم والاستيقاظ، إذ يوفر مزيدًا من ضوء الشمس في الصباح، مما يساعد الناس على الاستيقاظ والشعور باليقظة، بينما يحلّ الظلام تدريجيًا في المساء، فيرسل إشاراتٍ للجسم بأن وقت الراحة قد حان، وهو ما يدعم نومًا أكثر راحة وانتظامًا.
وخلال فترة التوقيت الصيفي، فإن التعرض الطويل لضوء المساء – بحسب الخبراء – قد يؤخر موعد النوم ويعطل أنماطه، كما أن ظلمة الصباح المتزايدة، خصوصًا في الشتاء لو طُبّق التوقيت الصيفي الدائم، قد تؤدي إلى مخاطر إضافية، مثل ظروف غير آمنة للركاب والأطفال في طريقهم إلى المدارس.
وقال بيا: “لقد جرّبنا التوقيت الصيفي الدائم من قبل، ولم ينجح. هذه المرة، دعونا نفعل الصواب من خلال إعطاء الأولوية للصحة والسلامة باعتماد التوقيت القياسي الدائم”.
أما على المستوى السياسي، فقد أثار مشروع قانون “حماية أشعة الشمس” (Sunshine Protection Act) جدلًا داخل لجنة التجارة في مجلس الشيوخ الأمريكي، إذ يقترح بعض المشرعين اعتماد التوقيت الصيفي الدائم، بينما يدعو آخرون – من خلال تعديل “لنجعل أمريكا مرتاحة مجددًا” (Make America Rested Again) الذي تقدم به السيناتور الجمهوري تود يونغ – إلى اعتماد التوقيت القياسي الدائم.
ويهدف هذا التعديل إلى وضع الولايات المتحدة على التوقيت القياسي الدائم وإنهاء التحويل السنوي إلى ومن التوقيت الصيفي، لتحسين صحة الأمريكيين.
ويُذكر أن مشروع قانون “حماية أشعة الشمس”، الذي طُرح لأول مرة عام 2018 من قبل السيناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا)، ثم أُعيد طرحه هذا العام من قبل زميله السيناتور ريك سكوت، يسعى إلى وضع البلاد على التوقيت الصيفي الدائم.
وكان المشروع قد أُقرّ في مجلس الشيوخ عام 2022 بصمتٍ وبإجماعٍ غير معلن، لكنه لم يمرّ في مجلس النواب، بعد شهادة أخصائية النوم في جامعة فاندربلت بيث مالو، التي حذّرت من أضرار التوقيت الصيفي الدائم على الصحة البدنية والنفسية، بما في ذلك زيادة خطر الأمراض المزمنة مثل السمنة وأمراض القلب والسرطان.
وفي حين لم تناقش لجنة التجارة اقتراح السيناتور يونغ لاعتماد التوقيت القياسي الدائم، صوّتت على تعديل آخر لمشروع القانون قدّمه السيناتور تيد كروز، يقترح بدء التنفيذ عام 2027 لمنح الولايات وقتًا لتقرير ما إذا كانت ترغب في التوقيت الصيفي الدائم أو القياسي الدائم.
وجاءت نتيجة التصويت 16 مقابل 12 لصالح التعديل، لكنه لم يُعتمد رسميًا لأن العديد من الأصوات كانت بالوكالة، فيما تطلّب الأمر 15 صوتًا مباشرًا بالموافقة. ويرى خبراء طب النوم أن هذه النتيجة المتقاربة تمثل تحولًا كبيرًا عن الإجماع التام في تصويت عام 2022، إذ عبّرت حتى السيناتورة الديمقراطية ماريا كانتويل – التي كانت قد دعمت المشروع سابقًا – عن مخاوفها من آثاره.
وتُظهر استطلاعات الرأي الحديثة، مثل استطلاع غالوب، أن نحو 48 في المائة من الأمريكيين يؤيدون اعتماد التوقيت القياسي الدائم، في حين يفضل 24 في المائة فقط التوقيت الصيفي الدائم، وأكثر من 70 في المائة يرغبون في إنهاء التغيير نصف السنوي للساعة.
ويُذكر أن ائتلاف التوقيت القياسي الدائم تأسس عام 2023، وهو مجموعة من منظماتٍ وأفرادٍ يدعمون إنهاء تغيير الساعة مرتين سنويًا في الولايات المتحدة من خلال العودة إلى التوقيت القياسي الدائم.
وتشمل الجهات المؤسسة للائتلاف الأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM)، والمؤسسة الوطنية للنوم (National Sleep Foundation)، ومنظمة أنقذوا التوقيت القياسي (Save Standard Time)، وجمعية أبحاث النوم (Sleep Research Society)، وجمعية أبحاث الإيقاعات البيولوجية (Society for Research on Biological Rhythms).
وعلى مستوى المغرب، لا يزال الجدل حول اعتماد التوقيت الصيفي يتجدد في كل مرة، رغم مرور أكثر من ست سنوات على اعتماد هذا التوقيت بشكل دائم.
وخلال السنة الجارية، تصاعدت الأصوات المطالبة بإلغاء الساعة الإضافية، وبلغت حد مناشدة الملك محمد السادس للتدخل، وذلك نظرا تداعياتها السلبية على الصحة النفسية والجسدية، خاصة لدى الأطفال والموظفين.
وفي مقابل ذلك، تؤكد الحكومة المغربية أن التوقيت الصيفي الدائم، الذي بدأ العمل به بشكل دائم في عهد حكومة سعد الدين العثماني، “يُعتبر إصلاحًا يهدف إلى الاقتصاد في الطاقة وتسهيل الارتباط مع الشركاء الاقتصاديين الدوليين”. إلا أن عددا من المغاربة يرون أن مبررات الحكومة لا تعكس الواقع اليومي للمواطن، بل يعتقدون أنها تُعلي من شأن المصالح الاقتصادية الأجنبية، وخاصة الفرنسية، على حساب راحة المواطن واحتياجاته وإيقاع حياته اليومية.
وتتخذ مطالب المغاربة بإلغاء الساعة الإضافية عدة أشكال، من بينها منشورات وتغريدات عبر منصات التواصل الاجتماعي تناشد الملك محمد السادس التدخل لإنهاء ما يصفه البعض بـ”الاعتداء على الراحة النفسية والجسدية للمواطنين”، كما ظهرت عبارات مثل: “أرحنا منها يا ملكنا” و”الساعة قهرتنا”، التي تعكس حجم التذمر الشعبي جراء العمل بهذا التوقيت.
وفي سياق متصل، بدا وزير الصناعة والتجارة متردداً في تقديم إجابة حاسمة بشأن الجدوى الاقتصادية للساعة الإضافية، وذلك خلال استضافته في برنامج “من الرباط“، حيث أقر بعدم امتلاكه معرفة دقيقة بالموضوع، مشيراً فقط إلى وجود دراسات تتحدث عن إمكانية تحقيق وفرة في استهلاك الطاقة يعادل ما تستهلكه مدينة بحجم مدينة مكناس، لكنه شدد على أنه لم يطلع على التفاصيل الكافية التي تؤكد صحة هذه المعطيات.
وفي هذا السياق، أوضح الوزير أن تأثير الساعة الإضافية على قطاعات الصناعة والخدمات والتجارة يبدو “هامشياً”، حيث أوضح أن التركيز منصب أكثر على القضايا الداخلية المرتبطة باقتصاد الطاقة بدلاً من الانشغال بالتأثيرات الخارجية، مشيرا إلى أن المغرب يستورد أكثر من 80% من احتياجاته الطاقية، مما يستدعي العمل على الانتقال الطاقي من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ولم تكف الأصوات الحقوقية بالمغرب، منذ إقرار الحكومة السابقة اعتماد الساعة الإضافية بشكل دائم سنة 2018، عن المطالبة بإلغاء الساعة الإضافية والعمل بتوقيت غرينيتش، مبرزة أن “التخلي عن هذه الساعة المشؤومة صار ضروريا”.
وكانت حكومة سعد الدين العثماني سنة 2018 قد نشرت تفاصيل الدراسة التي بررت من خلالها قرار العمل بالساعة الإضافية بشكل دائم، باستثناء شهر رمضان.
وأوضحت الدراسة أن، “عدم اعتماد توقيت واحد طيلة السنة يسبب اختلالات في الساعة البيولوجية واضطرابات هرمونية للأفراد”.
وأضافت الوثيقة ذاتها أن “77 في المئة من المستجوبين أكدوا أن تغيير الساعة القانونية يؤدي إلى اضطرابات في النوم خلال الأيام الأولى بعد العودة إلى الساعة القانونية، بينما اعتبر 70 في المئة منهم أنهم قد فقدوا ساعة إلى ساعتين من النوم”.
فضلا عن ذلك، أكد المصدر ذاته أن، “54 في المئة من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، انخفاضا في التركيز واليقظة خلال الفترة الأولى من تغيير التوقيت”، مبرزا أن “نسبة حوادث السير ارتفعت بنسبة 10 في المائة عند التغيير المتكرر للساعة”.
ويُؤطر هذا التغيير السنوي، للساعة القانونية، مقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.18.855 الصادر في 16 صفر 1440 (26 أكتوبر 2018) المتعلق بالساعة القانونية ولقرار رئيس الحكومة 3.17.23 الصادر في 13 من شعبان 1444 (06 مارس 2023) بتغيير الساعة القانونية للمملكة.