story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حيرة نائب من الأغلبية: خطاب معلّق في فراغ الثقة

ص ص

أجد نفسي اليوم، بوصفي نائبًا من الأغلبية، أمام معضلة حقيقية تتمثل في الفجوة العميقة بين الخطاب السياسي وانتظارات الشباب. لقد تآكلت الثقة إلى درجة تجعل أي كلمة صادرة عن ممثل سياسي مهددة بالرفض المسبق أو بالتأويل السلبي. وهذه الحقيقة تضعني في حالة حيرة صادقة: كيف يمكن أن أخاطب جيلًا لم يعد مستعدًا أصلًا للإصغاء؟

وأنا هنا لا أُلقي اللوم على الشباب في موقفهم؛ فرفض الإصغاء ليس نزوة عابرة، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من الوعود غير المنجزة، ولإحساس عميق بأن المؤسسات لم تعد قادرة على ملامسة حياتهم اليومية أو تخفيف أعبائهم. ومن بين الأسباب الأساسية لذلك، عدم تفعيل الآليات التشاركية التي يتيحها القانون، خصوصًا على مستوى الجماعات الترابية الأقرب إلى المواطن والتي يفترض أن تكون فضاءً دائمًا للحوار والتشارك. إنهم لا يرفضون الحوار لذاته، بل يرفضون تكرار خيبات الماضي حين بقيت هذه الآليات حبرًا على ورق.

إنني أعي أيضًا أنني أواجه جيلًا مختلفًا: جيل Z. جيل تربّى في الفضاء الرقمي، منفتح على العالم، سريع النفور من الخطاب المكرّر، ولا يقبل الوساطات التقليدية. إنه جيل يتواصل بلغة جديدة، يقارن أوضاعه بما يراه يوميًا عبر منصات التواصل، ولا ينتظر أن يخاطبه السياسي من على المنصات الرسمية، بل يبحث عن صدق مباشر، ونتائج ملموسة، وأشكال مشاركة تمكّنه من أن يكون فاعلًا لا مجرد متفرّج.

أدرك أن موقعي يضاعف من صعوبة المهمة؛ فأنا مكلّف بالدفاع عن سياسات عمومية يعتبرها كثيرون سببًا مباشرًا في معاناتهم، وفي الوقت ذاته لا أستطيع التنصّل من مسؤوليتي كممثل للأمة. وهكذا يصبح خطابي معلّقًا بين واجبين متناقضين: واجب الولاء السياسي وواجب الإنصات الأخلاقي.

خوفي الحقيقي لا يكمن في أن يُساء تأويل ما أقوله، بل في ألّا يُمنح كلامي أصلًا فرصة أن يُقال. إنها حالة من العجز الرمزي تسبق العجز العملي: السياسة لم تعد قادرة على إنتاج لغة تصل إلى قلوب من خاب أملهم فيها. ومع ذلك، أؤمن أن هذه الحيرة يمكن أن تتحول إلى لحظة صدق. أن أقول علنًا: “أعرف أنكم لا تثقون بنا، وربما لا تريدون سماعي، لكن مؤلم جدًا أن أواصل ممارسة دوري وكأن هذه الهوّة غير موجودة”.

إنّ أزمتنا اليوم لا تختزل في تعثّر الإصلاحات فقط، بل في استحالة المخاطبة ذاتها: حين يصبح الكلام محجوبًا قبل أن يُسمع. ويقيني أن المسؤولية تقتضي مواجهة هذه الحقيقة، لا التنصّل منها؛ لأن السياسة لا تُستعاد إلا بالاعتراف والإنصات والعمل المشترك، ولا سيما عبر تفعيل القنوات التشاركية التي تجعل المواطن شريكًا لا مجرد متلقٍ. وأؤمن أن أول خطوة في هذا المسار تبدأ بالاعتراف، ثم بالعمل الجاد لردم هذه الهوة، وبوجه خاص مع جيل Z الذي سيحمل هو كذلك مستقبل الثقة أو انهيارها