حقوقيون يحذرون من “انهيار” القطاع الصحي العمومي بسبب آليات تمويل “أمو-تضامن”

حذر مدافعون عن الحق في الصحة من “الخطر المحدق بالمنظومة الصحية العمومية” نتيجة لآليات التمويل الحالية ضمن نظام “أمو-تضامن”، مطالبين بتحويل الغلاف المالي المخصص للتغطية الصحية (9.5 مليار درهم) بشكل مباشر ومستدام للمستشفيات العمومية.
وقالت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في مراسلة وجهتها إلى رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، توصلت صحيفة “صوت المغرب” بنسخة منها، إنها تثمن تخصيص المبلغ السنوي المذكور لضمان التغطية الصحية لحوالي 11 مليون مستفيد في إطار “أمو-تضامن”.
غير أنها سجلت، في الوقت ذاته، بقلق بالغ أن “التحديات المالية والهيكلية التي تواجه المستشفيات العمومية قد تفاقمت بسبب آليات الصرف المعتمدة”، مشيرة إلى أن النظام الحالي، الذي يمنح المستفيدين “حرية الاختيار”، يسمح للمصحات الخاصة بالاستفادة من حصص مالية كبيرة من الميزانية المخصصة للتغطية الصحية.
وفي هذا الصدد، أوضح علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن المستشفيات العمومية، بما فيها المراكز الاستشفائية الجامعية، “تعاني خصاصاً حاداً على مستوى الميزانية”، مما أدى إلى “نقص حاد في الأدوية وتعطل الأجهزة”، فضلاً عن أن “المراكز الصحية لم تعد تتوفر حتى على اللقاحات الضرورية للمواليد الجدد والأطفال”.
وقال لطفي: “ميزانية وزارة الصحة ارتفعت من 19 مليار درهم إلى 32 ملياراً، لكنها على مستوى التنفيذ لا تتجاوز 50%”، مشيراً إلى أن السبب يعود إلى تمويل الحكومة الحالية للقطاع الخاص بشكل مباشر، في “سابقة هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الإدارة العمومية والوزارات”.
وأوضح أن ذلك يتم عبر تخصيص نسبة كبيرة من الميزانية المخصصة لتغطية نفقات علاج الفقراء، عبر نظام “أمو-تضامن”، لفائدة المصحات الخاصة، وهو ما يجعل المليارات التي كان يفترض توجيهها لتأهيل المستشفيات العمومية وتوفير حاجياتها تُصرف، بحسب لطفي، على القطاع الخاص.
وشدد المتحدث على أن هذا التحول، خلافاً لنظام “راميد” السابق الذي كان يضمن تحويل التمويل كاملاً للمستشفيات العمومية، أدى إلى “ضعف حاد” في تمويل القطاع العام ونقص مستمر في الأدوية والتجهيزات الأساسية، مشيراً إلى أن 44 في المائة من المستفيدين يتوجهون اليوم إلى العلاج في القطاع الخاص الذي يوفر جميع الإمكانيات، “بسبب ضعف المستشفيات العمومية والخصاص الذي تعانيه”.
وحذر لطفي من أن “هذا الوضع قد يدفع المستشفيات العمومية إلى إغلاق أبوابها بسبب غياب الإمكانيات من أدوية وأجهزة وغيرها”، مطالباً الحكومة بإعادة النظر في سياستها المالية.
كما شدد رئيس الشبكة الحقوقية على ضرورة توجيه مبلغ 9.5 مليار درهم كاملاً إلى المستشفيات العمومية لتوفير الأدوية، وصيانة الأجهزة، وضمان إمكانيات العلاج، محذراً من أن “استمرار الوضع الحالي يعني عملياً القضاء على القطاع العمومي مقابل تمويل القطاع الخاص”.
ولمعالجة هذا الخلل وضمان استدامة التمويل، دعت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من بينها تحويل مبلغ 9.5 مليار درهم مباشرة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) إلى حسابات المستشفيات العمومية (المجموعات الصحية الترابية والمراكز الاستشفائية الجامعية).
كما دعت إلى تحديث الأطر القانونية والتنظيمية لربط التمويل بمؤشرات الأداء والكفاءة وجودة الخدمات المقدمة في المستشفيات العمومية، إلى جانب تحديث التعريفات الوطنية المرجعية للعلاجات، وإلزام القطاعين العام والخاص بالالتزام بها للحد من تجاوزات الأسعار.
وطالبت الشبكة أيضاً بـتفعيل آليات الرقابة على تدبير المالية العمومية المرصودة للمستشفيات، وتفعيل آليات حوكمة مؤسسية تضمن الشفافية وتمنع سوء التسيير، مع تكليف المجلس الأعلى للحسابات بإجراء تدقيق مالي وعملياتي مستمر.
واختتمت الشبكة مراسلتها بالتأكيد على أن “هذا التحول في آلية التمويل هو السبيل الوحيد لحماية الميزانية المخصصة للصحة من الاستنزاف وضمان قدرة القطاع العمومي على تقديم خدمات متكاملة وذات جودة عالية للمواطنين”.