سياسيون وحقوقيون يحذرون من تحوّل قانون “السوشل ميديا” إلى أداة لتقييد الحريات

بعد أن أعلنت الحكومة عن شروعها في وضع آخر اللمسات على قانون ضبط “السوشل ميديا” مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، تصاعدت أصوات عدد من الحقوقيين والسياسيين معبّرة عن قلق متزايد من أن يتحول هذا القانون إلى “أداة جديدة للرقابة وتقييد حرية الرأي والتعبير”، بدل أن يكون إطارًا قانونيًا يواكب التحولات الرقمية ويحمي الحقوق الرقمية للمواطنين.
وفي هذا السياق، قالت النائبة البرلمانية والفاعلة السياسية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إنه رغم أن أي مجال يحتاج إلى نوع من التقنين، إلا أنه “لا ينبغي الخلط بين التقنين وبين الضغط أو التحكم”.
وأضافت منيب أن “تقنين شبكات التواصل الاجتماعي مجال حديث مقارنة بوسائل الاتصال التقليدية، ومن الطبيعي أن يُساء أو يُحسن استخدامه”، مبرزة أن “الحكومة تسلك من خلال القانون المرتقب مساراً يبدو أنه يستهدف ضرب المكتسبات والتضييق على الحريات”.
وشددت على أن “القوانين التي تُعد حالياً تتضمن توجهات نحو تقييد الحريات، والدليل الأكبر على ذلك هو أن الحكومة لم تنتظر صدور هذه القوانين، بل شرعت في متابعة عدد من المدونين بسبب تدوينات بسيطة، وأيضاً متابعة أشخاص لا تربطهم أي علاقة واضحة بما يُنسب إليهم”.
وأوضحت أن هذه التحركات تأتي “في إطار إجراءات غير مفهومة من قبل الشرطة القضائية، مما يثير قلقاً حقيقياً بشأن احترام حرية التعبير والحقوق الرقمية في المغرب”، مضيفة أنه “يبقى من الضروري انتظار مضامين هذا القانون لمعرفة توجهه الحقيقي، وما إذا كان سيحترم حقوق المواطنين في التعبير الرقمي”.
من جانبه، أكد الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي خالد البكاري، أن “هناك حاجة ملحة وموضوعية اليوم لوضع قانون ينظم منصات التواصل الاجتماعي وجميع فضاءات البث الرقمي”، مشددًا في الوقت ذاته على وجود “مخاوف حقيقية” من أن يتحول هذا التنظيم إلى أداة لفرض قيود على حرية الرأي والتعبير في المغرب.
وقال البكاري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن الضبط والتقنين يجب أن يستند إلى نقاشات عالمية حول التشريعات التي تراعي التحولات التكنولوجية من جوانب قيمية وحقوقية ومالية، متخوّفًا من أن يكون الهدف الحقيقي في السياق المحلي هو التضييق على المجال الرقمي، خصوصًا بعد السيطرة شبه الكاملة على قطاع الصحافة والإعلام التقليدي.
وأشار إلى أن الفضاء الرقمي، وعلى رأسه منصات التواصل الاجتماعي وبث الفيديو، يمثل اليوم آخر منبر مفتوح نسعى للحفاظ على استقلاليته وحرية التعبير فيه، محذرًا من استغلال مشروع القانون المرتقب لمحاصرته.
ورغم ذلك، أوضح البكاري أن هناك “مبررات موضوعية” لإصدار قانون ينظم الخدمات الرقمية، منها مكافحة المحتوى الذي يحرض على العنف والكراهية، وحماية القاصرين من المخاطر النفسية والقيمية، بالإضافة إلى ضبط الفضاء الذي أصبح مصدر دخل لمجموعة من “المؤثرين” الذين يجب تحقيق العدالة الضريبية بينهم وبين باقي المواطنين.
وأشار إلى أن المغرب يشهد واقعًا متزايدًا للتهرب الضريبي، سواء من شركات كبرى أو من بعض المؤثرين الذين يحققون دخولًا عالية، مؤكدًا على أهمية تنظيم الإعلانات الرقمية التي باتت تستحوذ على أكثر من 80% من ميزانيات الإشهار، وهو ما يتطلب وضع قواعد عادلة ومنصفة.
ونبه إلى أن الدول الأوروبية التي سبقتنا في المجال الحقوقي والقانوني والتكنولوجي اضطرت بدورها إلى سن قوانين خاصة بالخدمات الرقمية، مشيرًا إلى أن المنظومة القانونية المغربية الحالية “لم تعد قادرة على مواكبة التطورات السريعة في هذا المجال، مما يحتم مراجعة شاملة للتشريعات ذات الصلة”.
وختم البكاري بأن تنظيم المجال الرقمي يجب أن ينبع من نقاش مجتمعي واسع، داعيا إلى “تنظيم مناظرة وطنية تضم الفاعلين الحكوميين، الجمعيات الحقوقية، الخبراء الماليين والاقتصاديين، ومتخصصي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لضمان صياغة قانون يحترم الحقوق والحريات ويحد في الوقت نفسه من الجريمة الإلكترونية، مع توضيح مفهوم الجريمة الرقمية لتجنب التأويلات التي تقيد الحريات”.