“جيل Z” وانتخابات 2026.. الديمقراطية ترياق الإحباط الجماعي

في الحقيقة ان عبد الإله بنكيران، ومعه حزب العدالة والتنمية، لم يعد في حاجة للحديث عن اعطاب الحياة السياسية بالمغرب، والتنبيه والتحذير من تداعيات ممارسات وسلوكات بعض نخب الحكم وممثلي مراكز النفوذ داخله.
إن حزب العدالة والتنمية وزعيمه بنكيران على وجه التحديد، استطاع ان يبني سردية سياسية صلبة وأطروحة متماسكة إلى حد كبير، أو على الأقل متميزة مقارنة مع السائد، مزج فيها بين ثمين عناصر قوة المغرب دولة ومجتمعا، وتبنيها، وتشخيص مكامن الضعف ومداخل الاضعاف بدقة، واقتراح مقومات الحل، واجوبة على الإشكالات العميقة وكذا المستجدة.
لذلك لم يجد صعوبة في بلورة موقفه المتوازن مما سمي احتجاجات جيل Z، والدعوة إلى مطالب موضوعية، منسجمة مع اطروحته خلال مختلف الأزمات التي عرفتها البلاد، وعلى رأسها أزمة “20 فبراير” سنة 2011، التي ظهرت ثمارها وعائدها الإيجابي، وتجاوب معها النظام وكتلة عريضة من الشعب، مما ممكن المغرب من تجاوز تلك الفترة العصيبة بأقل الخسائر، قبل أن تتم إعادة انتاج نفس الأعطاب ونفس الممارسات لاعتبارات تداخلت فيها عوامل خارجية وداخلية، موضوعية وذاتية، لا شك ان الحزب يتحمل جزء من المسؤولية فيها، لكنها مسؤولية ناتجة أساسا عن افراط في حسن النية، وتردد في الصمود والمواجهة، وليس عن انخراط إرادي في عملية إعادة انتاج الأعطاب المؤثرة على العلاقة بين المجتمع والسلطة.
وظلت مواقف الحزب صامدة على مطلب الإصلاح الحقيقي في هذه العلاقة، من خلال المدخل الديمقراطي، لأنه مقتنع بأنها الحل الوحيد والاخف ضررا، لتدبير الخلافات وتسقيفها وجعلها عنصر قوة وتكامل، فضلا عن كونها “الحبل السّري” الذي يمكن أن يضمن إشراك المجتمع في معادلة الحكم، وبالتالي ضمان مشاركة الشعب في السياسة من خلال ممثليه الذين يختارهم بنزاهة وبحرية، ويقترحهم، افرادا وأحزابا، للمساهمة في الحكم وفي تدبير شؤون البلاد.
ولا غرابة في كون الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي عرفته البلاد، كان دائما نتاج الانفتاح الديمقراطي، الذي يؤدي إلى ضخ جرعات من الديمقراطية على الانتخابات، والعكس بالعكس، بحيث أن فترات “المطبات” كان دائما منطلقها انتخابات مشوبة بالتدخل والتعسف، بالآليات المعهودة.
وهذا ما يحدث اليوم في البلاد، اذ ان التوتر الذي تشهده علاقة الشعب مع السلطة والحكومة، وتكشف موجات الاحتجاج التي ترتفع شيئا شيئا، من المحلي إلى الوطني، ومن الفئوي إلى العام، ليس وليد حدث معين، ولا تعبير جيل محدد، لكنه نتيجة حالة إحباط نقطة انطلاقها كانت هي الشعور الجمعي بأن هناك من داس على الثقة التي مُنحت خلال فترات الأزمات السياسية التي هددت الوطن، ومنها فترة 2011 بكل مخاوفها، وتجرأ على الاختيار الحر الذي عبرت عنه انتخابات 2016، من خلال تشكيل حكومة حافظت على الشكل، لكنها في الممارسة شكلت استدراكا على النتائج الحقيقية للانتخابات.
على كل حال، المغرب يعيش منذ 2017، تداعيات هذا الاستدراك، الذي تراكم مع فشل البديل المقترح الذي أُريد له التتويج والتنصيب وفق مسار الانتخابات، وهو ما ما كان موضوع انتخابات 2021، تمثيلا لا حقيقة.
ومن تلك اللحظة وتراكم الاحباط ينفجر في أشكال وصيغ مختلفة، وعوض الانتباه له، لايجاد مسالك تحتويه وتخفف من أعراضه في افق علاجه، تمت مواجهته بالانكار وبمحاولة التغطية عليه بتعميم صور ومشاهد مغشوشة، ربما أجلت رد الفعل قليلا، لكنها لم تخفِ أن ما كان مغشوشا حقيقة هي انتخابات 2021، وطبيعي ان ينتج عن انتخابات مغشوش حكومة مغشوشة.
وربما ليس مناسبا ولمصلحة المغرب، ان يتم تصوير الاحتجاجات التي عرفتها البلاد خلال شتنبر، على أنها تعبيرات جيل فقط، إنها صرخة شعب بكل أجياله وبكل فئاته، لأن التعليم والصحة، لا يهم جيلا دون اخر أو فئة دون أخرى، وإنما قد يكون التركيز عليهما في المطالب المعلنة، مجرد بداية او جسر احتجاجي نحو ما أكبر وأعم، وهو كذلك، لأن القرار العمومي المؤثر في التعليم والصحة هو نتاج قرار سياسي بالأساس، ونتاج تداول في مؤسسات ومجالس سياسية.
بكلمة، وللاستفادة، من دروس التاريخ، على أصحاب القرار، والنخب الوطنية المؤثرة فيه، أن يبادروا إلى تنظيم انتخابات تشريعية في أقرب وقت ممكن، وعدم التدخل في اختيارات المواطنين، واعطائهم الفرصة، ليقترحوا على الملك وفق منطوق الفصل 47 من الدستور، الحزب الذين يعتقدون أن خطابه ينهل من مرجعيتهم، وأن عموم أعضائه يشبهونهم، ويقدرون معاناتهم ويعيشونها معهم، لكي تكون نتائج الانتخابات جسرا آمنا للعبور مجددا نحو مرحلة انفتاح تحقق فيها البلاد مكاسب إضافية، خاصة مع الاستحقاقات التي تنتظرها في مجالات مختلفة، ومنها كأس افريقيا وكأس العالم، اللذان لا مشكلة في استضافتهما، بل من المفيد تنظيمهما، لكن المشكل في من يستفيد من عائداتهما الاقتصادية المفترضة، هل عموم الشعب، أم فئة قليلة فقط لا علاقة لها بما يعيشه هذا الشعب من معاناة وحرمان في مجالات حيوية، وهذا ما ظل بنكيران والعدالة والتنمية يدندن حوله منذ سنوات.