“توفي في مخفر للشرطة”.. ملف شبلي يصل إلى لجنة التعذيب بالأمم المتحدة
توصلت الأمم المتحدة بشكاية جديدة حول ظروف وفاة الشاب ياسين شبلي “داخل مخفر للشرطة” بمدينة بنجرير أثناء احتجازه في أكتوبر 2022، تضمنت “أدلة على التعذيب” وما وصف بـ”عيوب جسيمة في التحقيق الرسمي”.
وقد تقدمت كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومجموعة “مينا رايتس” – مقرها جنيف بشكاية إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة باسم أسرة شبلي، إذ نددت المنظمتان بـ“ظروف التعذيب التي سبقت وفاة شبلي”، وما وصفته بـ“الخروقات الجسيمة” على مستوى التحقيق والإجراءات القضائية.
وطالبت المنظمتان، بحسب بلاغ مشترك صدر يوم الخميس 11 دجنبر 2025، بإعادة المحاكمة وإعادة تكييف الوقائع باعتبارها أعمال تعذيب، وذلك “انسجاماً مع المادة 231-1 من القانون الجنائي المغربي ومع اتفاقية مناهضة التعذيب”.
ورغم مصادقة المغرب على اتفاقية مناهضة التعذيب سنة 1993، وتجريم التعذيب في القانون الجنائي، يشير البلاغ إلى أنه “لم يتم اعتماد هذا التكييف القانوني في قضية شبلي، رغم توفر العناصر المكوّنة للجريمة وفق القانون الداخلي والمعايير الدولية”، بحسب المنظمتين الحقوقيتين.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إنه “ما دامت الحقيقة مطموسة وما دامت الأسرة تتعرض لضغوط بسبب مطالبتها بالعدالة، فإن الثقة في قدرة القضاء على التصدي لأعمال التعذيب ستظل متزعزعة بشكل عميق”.
أما مجموعة “مينا رايتس” فقد شددت على أن “قضية شبلي تظل اختباراً حاسماً لمدى التزام المغرب بتعهداته الدولية. إن الإصرار المستمر على عدم توصيف العنف الذي تعرض له ياسين شبلي كأعمال تعذيب يعكس إرادة في التقليل من خطورة الوقائع والتهرب من المسؤولية الجنائية الملائمة”.
وتطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومجموعة “مينا رايتس”، من خلال هذه الشكاية، بضمان تحقيق العدالة الكاملة لياسين شبلي، واعتماد ضمانات فعلية لحماية السلامة الجسدية للأشخاص الموضوعين رهن الاحتجاز بالمغرب، حتى لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.
ليست الشكاية الأولى
وكانت عائلة شبلي قد أعلنت في ماي 2025 لجوءها إلى الهيئات الأممية للمطالبة بالكشف عن الحقيقة في وفاة ابنها، بعد ما وصفته بـ“تنكر الجهات المعنية” في المغرب.
وفي هذا السياق، قالت سهام شبلي، شقيقة الضحية، في حديث سابق مع صحيفة “صوت المغرب”، إنه بعد “الظلم والتدليس” في ملف وفاة ياسين، “لم نجد أمامنا اليوم سوى طرق أبواب القانون الدولي”.
وأوضحت أن العائلة ستتوجه إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمناهضة التعذيب، بدعم من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي بدأت الاشتغال على الملف وفق الآليات الأممية، بعدما انتصبت طرفاً مدنياً أمام القضاء.
وتابعت سهام: “العدالة في هذا الوطن لبست زي الجلاد، وسخرت من دموع أمّ ثكلى. نحن لا نطلب الانتقام، بل استجلاء الحقيقة، ونصر على تحقيق العدالة. نريد أن يعرف الجميع أن أخانا لم يكن مجرد رقم في محاضر مخافر الشرطة، بل كان روحاً وحياة”.
وأكدت أن العائلة ستسعى بكل ما أوتيت من قوة كي لا تكون دماء أخيها “مجرد نقاط حبر في تقرير مزور، بل صوتاً يلاحق الضمير حتى يقال للظلم: كفى!”.
وأضافت أن ياسين “لم تقتله رصاصة طائشة ولا حادث عرضي، بل مات بعد ساعات طويلة من التعذيب الوحشي في مكان يُفترض أن يكون ملاذاً للأمان، لا مسرحاً للانتهاك”. وأكدت أن جسده “تحول إلى لوحة مفزعة تحكي كيف تفتّتت آدميته على أرض الزنزانة”، مضيفة أن العائلة، حين لجأت إلى “دولة الحق والقانون”، لم تجد “إلا جدراناً صمّاء”.
ووصل ملف ياسين شبلي إلى أروقة الأمم المتحدة بعد نحو ثلاث سنوات على وفاته أثناء احتجازه داخل مخفر الشرطة ببنجرير، وذلك بمبادرة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة “منا لحقوق الإنسان” (MENA Rights Group) التي يوجد مقرها في جنيف.
وأفادت منظمة “منا”، في بلاغ صدر في غشت 2025، أنها قدمت، إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بلاغاً إلى “الإجراءات الخاصة” التابعة للأمم المتحدة، لحث السلطات المغربية على ضمان الشفافية الكاملة بشأن وفاة شبلي أثناء الاحتجاز، والامتناع عن عرقلة أفراد عائلته عند تنظيمهم تجمعات عفوية للمطالبة بالحقيقة والعدالة.
خلفية الملف
وبحسب الشكاية الموجهة إلى لجنة مناهضة التعذيب بداية دجنبر الجاري، تعرض ياسين شبلي منذ وصوله إلى مركز الشرطة يوم 5 أكتوبر 2025 لـ“صفعات متكررة من طرف أحد العناصر الأمنية”، قبل أن يُزج به في زنزانة رغم وضوح علامات الانهيار النفسي والجسدي عليه.
وخلال تلك الليلة، وبعد نقله لفترة قصيرة إلى المستشفى، “تم تقييده إلى قضبان زنزانته في وضعية مؤلمة، وتعرض للضرب المبرح من طرف عناصر الأمن”. وتشير الشكاية إلى أن تسجيلات كاميرات المراقبة تظهر أنه “تُرك لساعات طويلة دون مراقبة، ومحروماً من الرعاية الطبية رغم حالته الحرجة”.
وعُثر عليه جثة هامدة حوالي الواحدة بعد الزوال من يوم 6 أكتوبر داخل زنزانته، وكانت جثته تحمل آثاراً واضحة للتعذيب، حسب المصدر ذاته.
وعلى إثر ذلك، جرت محاكمة أربعة عناصر من الشرطة أمام الغرف الجنحية بكل من مراكش وبنجرير بين سنتي 2023 و2025. وكان القضاء الابتدائي قد صرح في البداية بعدم اختصاصه، معتبراً أن الوقائع تندرج ضمن جريمة التعذيب وكان ينبغي عرضها على الغرف الجنائية. وفي النهاية، تمت إدانة ثلاثة عناصر بأحكام سجنية “من دون الاعتراف بالأفعال كتعذيب”.
وظلت أسرة شبلي تناضل من أجل الحقيقة والعدالة، من خلال تقديم شكايات وتنظيم وقفات احتجاجية والمطالبة بالاطلاع على تسجيلات الفيديو الخاصة بفترة الحراسة النظرية. وفي المقابل، تعرض عدد من أفرادها لمتابعات وأحكام بتهم “الإهانة” و“الإخلال بالنظام العام” و“تنظيم تجمعات غير مرخصة”.
أسرة تطالب بالحقيقة
وفي سياق متصل، حددت محكمة الاستئناف بمراكش تاريخ 15 دجنبر الجاري موعداً للنطق بالحكم في قضية المتابعة الاستئنافية لخمسة أفراد من عائلة شبلي على خلفية وقفات احتجاجية للمطالبة بالحقيقة بشأن “مقتله داخل مخفر الشرطة” ببنجرير.
وخلال جلسة 1 دجنبر 2025، مثل أفراد العائلة المتابعون أمام المحكمة، وتم الاستماع إلى المرافعات التي شددت على مطالب الأسرة بالبراءة وبحقها في معرفة ملابسات الوفاة.
وأوضح المحامي رشيد أيت بالعربي، دفاع العائلة، في حديث مع “صوت المغرب”، أن هذه المتابعة تعود إلى سنة 2022 على خلفية سلسلة وقفات احتجاجية نظمت أمام المحكمة ومفوضية الأمن للمطالبة بالعدالة في قضية الفقيد.
وأشار إلى أن العائلة رفعت خلال تلك الوقفات شعارات تحمل الشرطة المسؤولية، وهو ما “اعتبرته النيابة العامة شعارات مسيئة”، فقامت بمتابعة أفراد العائلة بتهمة “إهانة موظفين عموميين”.
وأضاف أن العائلة انتقدت أيضاً بلاغاً صادراً عن الوكيل العام، واعتبرته “محرفاً للحقيقة”، إذ تضمن معطيات تبرّئ الشرطة، بينما أورد نائب الوكيل العام في محضر المعاينة معطيات تُناقض البلاغ الرسمي.
ويرى المحامي أن هذا التناقض كان من أبرز النقاط التي أثارتها العائلة في احتجاجاتها، ليُعتبر ذلك أيضاً “إهانة لموظفين عموميين” و“إهانة لرجال القضاء” و“محاولة للتأثير على القضاء”.
وأكد أفراد العائلة خلال الجلسة أنهم “لم يطالبوا إلا بحقهم المشروع دون أي فوضى أو عنف”، مشيرين إلى أن احتجاجاتهم “كانت سلمية ومطالبهم واضحة: الحقيقة والعدالة”.
وركز أيت بالعربي على إشكاليات البحث الميداني، موضحاً أنه “لا يعقل أن تكون للعائلة خصومة مع شرطة بنجرير، ثم تتولى هذه الأخيرة إنجاز محاضر البحث والمعاينة في القضية نفسها”، معتبراً أن ذلك “يفقد المحاضر شرط الحياد”.
كما توقف عند وثائق الملف التي يرى أنها تؤكد صحة رواية العائلة، مشيراً إلى حقها في انتقاد بلاغ الوكيل العام، خاصة أن معطيات الملف — سواء المتعلقة بالتشريح أو معاينة الجثة — “تناقض ما ورد في البلاغ الرسمي وتؤكد تعرض الفقيد لاعتداء قبل وفاته”.
وبخصوص تهمة “التأثير على القضاء”، قال أيت بالعربي إنه “لا يمكن لشخص يطالب بالإنصاف أن يُتهم بالتأثير على القضاء”، مؤكداً أن القضاء “لا يتأثر بالشعارات ولا بالوقفات السلمية”.
وكانت المحكمة الابتدائية ببنجرير قد قضت سنة 2024 بأحكام موقوفة التنفيذ تتراوح بين شهر وأربعة أشهر، إضافة إلى غرامات وتعويض مدني لفائدة المديرية العامة للأمن الوطني.
وفي وقت سابق، أفادت والدة ياسين شبلي بأن العائلة توصلت يوم 23 أكتوبر 2025 بخمس استدعاءات من محكمة الاستئناف بمراكش، قائلة: “أصبحنا نعيش في جحيم مستمر”. وشملت الاستدعاءات سعيد وأيمن شبلي اللذين غادرا السجن في شتنبر 2025، ومحمد رشيد ابن أخت ياسين الذي غادر السجن في يوليوز بعفو ملكي، إضافة إلى سهام وغزلان شقيقتَي ياسين.
ووجهت للمستدعين تهم تتعلق بـ“المساهمة في تنظيم مظاهرة غير مصرح بها” و“عرقلة السير” و“إهانة موظفين عموميين”.
وقالت والدة ياسين إن ابنها “تعرض لأبشع أنواع التعذيب”، مؤكدة وجود خمسة أقراص مدمجة توثق ما جرى له، مضيفة: “لكنهم يرفضون تسليمها لنا حتى لا يرى العالم الحقيقة والجرائم التي ارتُكبت في حقه”.
وشددت على أن العائلة “لن تسكت ولن تتنازل عن حق ابنها مهما طال الزمن”، معتبرة أن “من شاركوا في قتله ما زالوا في مناصبهم”.
وأكدت العائلة في بيان أنها لا تطالب سوى بـ“نسخ من الأقراص المدمجة التي توثق ما جرى داخل غرف الأمن ليلة وفاة ابنها”، مشددة على رفضها “أي مساومة على دم ابنها الشهيد أو على كرامتها أو حقها في العدالة والحقيقة”. وقالت: “نريد السيديات لا الاستدعاءات، نريد الحقيقة لا الأكاذيب، ولن نسكت ولن ننسى دم ياسين”.