تقرير: هشاشة التنظيم والتعبئة تهدد استقرار البنية الحزبية في المغرب

أفاد تقرير حديث أن واقع البنية الحزبية في المغرب اليوم يطرح أسئلة كبرى حول مآلات التعددية السياسية وقدرتها على التجدد والاستجابة لمتغيرات السياق المجتمعي والسياسي، خاصة في ظل التحولات العميقة التي أعقبت انتخابات 2021 وما رافقها من إعادة ترتيب لموازين القوى داخل الحقل الحزبي بالمغرب.
وأوضح التقرير الصادر عن مركز المؤشر للدراسات والأبحاث، أنه في الوقت الذي أفرزت فيه صناديق الاقتراع تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار للمشهد، بدا أن الأحزاب التقليدية تعيش نوعا من الأزمة البنيوية المعقدة، سواء على مستوى القواعد التنظيمية أو على مستوى القدرة على التأطير والإنتاج السياسي.
وأبرز أن المعطيات التي أفرزتها نتائج انتخابات 2021 أظهرت أن عددا من الأحزاب التاريخية فقدت جزءا كبيرا من قاعدتها الانتخابية، وتقهقرت بشكل غير مسبوق، في مقابل بروز قوى حزبية جديدة أو مجددة نسبيا استطاعت أن تستثمر في الديناميات المجتمعية والتحولات السياسية لما بعد الجائحة.
وأشار في هذا السياق إلى حزب العدالة والتنمية الذي ظل لعقد من الزمن رقما مركزيا في المعادلة الحكومية، لكنه تلقى هزيمة مدوية لم يكن سببها فقط تآكل شعبيته نتيجة التدبير، بل أيضا هشاشة بنيته التنظيمية التي لم تستطع الصمود.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي، يضيف التقرير، فرغم محاولاته استعادة موقعه ضمن المعارضة البناءة، فإنه لا يزال يعاني من ضعف الامتداد الشعبي وتراجع إشعاعه الإيديولوجي.
كما أشار إلى أن الصعود السريع لأحزاب مثل التجمع الوطني للأحرار، سلط الضوء على ظاهرة صعود النماذج الحزبية ذات الطبيعة الهجينة، والتي تجمع بين الحضور المؤسساتي القوي وضعف الامتداد الإيديولوجي، مما يجعلها عرضة للارتداد في حال فقدان السلطة أو تراجع الموارد.
وفي هذا الإطار، أكد الوثيقة ذاتها أن أزمة البنية الحزبية لا تنحصر في الأداء الانتخابي، بل تمتد إلى ضعف بنيات التأطير والتعبئة والتموقع داخل المجتمع، مبرزة أن الأحزاب، سواء التقليدية أو الجديدة، تواجه أزمة عضوية حادة، تتجلى في ضعف انخراط الشباب وغياب ديناميات داخلية قادرة على تجديد النخب والأفكار.
كما شددت على أن ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية ما تزال في مستويات متدنية، حيث أظهرت دراسات ميدانية أن نسبة معتبرة من الناخبين لا تميز بين البرامج الحزبية، وأن التصويت يتم غالبا على أسس شخصية أو محلية ضيقة.
ولفت التقرير إلى أن المغرب يوجد في مرحلة انتقال حزبي غير مكتمل، إذ لم تعد الأحزاب التقليدية قادرة على تأطير المشهد، في حين لم تنجح الأحزاب الصاعدة في بلورة بدائل سياسية فعالة، ما أفرز أشكالا هجينة من التعبئة عليها الطابع المناسباتي والانتهازي.
وأضاف المصدر أن التآكل التنظيمي يتجلى في غياب الديمقراطية الداخلية وضعف عقد المؤتمرات واحتكار القرار من طرف الزعامات، إضافة إلى انتشار الترحال السياسي الذي مس أكثر من 30% من البرلمانيين بين 2016 و2021، وهو ما أثر سلبا على مصداقية الأحزاب.
ولفت إلى أن بعض الأحزاب تبذل محاولات خجولة للتجديد من خلال تغيير قياداتها أو إدماج كفاءات جديدة، غير أن هذه الخطوات تظل محدودة وغير كافية لإحداث التحول المطلوب، الذي ينبغي أن يشمل طبيعة الخطاب وآليات العمل وعلاقة الحزب بالمجتمع.
وخلص التقرير إلى التأكيد على أن البنية الحزبية في المغرب تقف عند مفترق طرق حاسم، فإما أن تخوض إصلاحا عميقا يمكنها من استعادة دورها الوسيط بين الدولة والمجتمع، أو أن تستمر في التآكل التدريجي الذي قد يفتح المجال أمام أشكال غير ديمقراطية من التمثيل، مشيرا إلى أن انتخابات 2026 تعد محطة فاصلة في إعادة تعريف مفهوم الحزب السياسي في السياق المغربي.