تقرير برلماني يدعو إلى ربط محو الأمية بالمشاريع المدرة للدخل ومحاربة الفقر

دعا تقرير برلماني حديث إلى جعل محاربة الأمية ضمن الأهداف الاستراتيجية للمنظومة التعليمية وتعزيز دور وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في إعداد السياسات والبرامج المتعلقة بمحاربة الأمية.
وأكد التقرير، الذي أعدته وقدمت توصياته مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقييم برامج محو الأمية بمجلس النواب، خلال جلسة عمومية انعقدت يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، ضرورة إعداد سياسة عمومية وطنية شاملة ومندمجة وفق مقاربة تشاركية تشمل جميع الفاعلين والمتدخلين من قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية، ومجتمع مدني، وقطاع خاص.
وأوصى التقرير بإعداد هذه السياسة وفق أهداف واضحة، وبمؤشرات قياس محددة، وأجندة زمنية مضبوطة لتفعيلها سواء على الصعيد المركزي أو الترابي، وتعزيز آليات التتبع والتقييم على هذين الصعيدين.
ومن جانب آخر، شددت الوثيقة على ربط برامج محو الأمية الوظيفية بسياسات التشغيل والتكوين المهني، وتوفير مسارات انتقال المستفيدين من التعلم إلى التأهيل المهني والتمكين الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، تم التأكيد على إرساء آلية تنسيق دائمة بين مختلف الفاعلين لضمان انسجام والتقائية التدخلات، وتعزيز آليات دراسة الأثر التربوي والاجتماعي للبرامج على المستفيدين وفق مؤشرات علمية واضحة.
أدوار الوكالة الوطنية
من جهة أخرى، سجلت الوثيقة ذاتها ضرورة تقييم فعالية ونجاعة إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، داعية إلى إعادة تحديد المهام بين الوكالة والجمعيات، مع التركيز على دور الوكالة التنسيقي والرقابي بدل “الانشغال بالتنفيذ الميداني”.
وأوصى التقرير بتعديل المادة 3 من القانون رقم 38.09 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، وذلك من خلال التنصيص على تخصيص الموارد اللازمة التي من شأنها ربط عمليات محو الأمية بالمشاريع المدرة للدخل ومحاربة الفقر، بالإضافة إلى تعزيز آليات تتبع وتقييم برامج محو الأمية.
كما تم التأكيد على ضرورة تعديل المادة 24 من القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لتخصيص الموارد اللازمة لتمويل المشاريع الخاصة بتمكين الأشخاص المتحررين من الأمية من الاندماج المهني والاقتصادي، والزامها بضمان استمرارية هذه المشاريع.
إلى جانب ذلك، دعا التقرير إلى إضافة إمكانية تولي مهمة تأطير الدروس بالمناطق القروية للأشخاص المتوفرين على مستوى تعليمي أقل من المطلوب في الحالات الاستثنائية، وذلك بتعديل المادة 7 من الظهير الشريف رقم 1.14.101 في شأن وضع برنامج لمحو الأمية بالمساجد.
وبخصوص المقررات، خلصت توصيات التقرير إلى الدعوة لإعداد دليل مرجعي للمقررات يتضمن على الخصوص كلا من المهارات الأساسية، الحياتية، والمهنية، مع إمكانية تكييفها حسب نوعية البرامج وخصوصيات الفئات المستهدفة.
وسجل المصدر ضرورة تكييف المحتوى الأندراغوجي (منهجية علمية لتعليم وتعلم الكبار)، مع الخصوصيات الثقافية واللغوية والجغرافية لمختلف المناطق من خلال تطوير مقررات وموارد تعليمية محلية محدثة وشاملة، والحرص على توفيرها، بما يراعي الحاجيات النفسية للمستفيدين، خاصة ما “يتعلق بتعزيز الثقة بالنفس والتغلب على مشاعر التهميش أو الفشل”.
كما تم التأكيد على تعزيز الجانب التطبيقي والعملي في المقررات من خلال إدماج مهارات التواصل والمشاركة في الحياة الاجتماعية، والتمكين الاقتصادي والمالي ككفاية أساسية، وذلك من خلال إدراج مكونات حرفية ومهنية متعددة وفعالة داخل برامج محو الأمية، مع تشجيع إحداث مقاولات صغيرة للمستفيدين لربط التعليم بالإنتاج والتمكين الاقتصادي.
في السياق ذاته، تضمنّت توصيات التقرير تطوير المقاربات الأندراغوجية، مع الاستفادة من وسائط الاتصال والإعلام لتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان المساواة وتكافؤ الفرص اليقظة الدينية وإذكاء الشعور بالأمن الروحي للحماية من الاستلاب الفكري المتطرف، إلى جانب إذكاء الوعي بالمشاركة السياسية والمسؤولية المدنية، وربطها بشعور الفخر والاعتزاز بالانتماء للوطن.
تحولات عميقة رغم محدودية الأثر التنموي
كشف التقرير، الذي أعدته مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقييم برامج محو الأمية بمجلس النواب، عن الأثر متعدد الأبعاد لبرامج محور الأمية بالمغرب سواء على المستوى التعليمي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي، بالرغم من محدوديته على مؤشر التنمية البشرية.
وسجل المصدر فعالية واضحة في تحسين الكفايات الأساسية من خلال معدلات نسب النجاح في الامتحانات الاشهادية، مبرزا أن برامج محو الأمية لها أثر إيجابي واضح في مستوى تعليم المستفيدين.
وأوضح التقرير أن برامج محو الأمية، التي انطلقت منذ تولي قطاع الشباب والرياضة نهاية الخمسينيات شؤون محو الأمية، قد ساهمت في رفع معدلات مؤشر الإلمام بالقراءة والكتابة خاصة لدى فئة الشباب المستفيدين من برامج محو الأمية (فئة 15-24 سنة).
ورغم ذلك، نبّهت الوثيقة إلى ضعف الأثر المباشر لبرامج محو الأمية في تحسين ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية ما بين 2023-2020 ، كونه مؤشرا يشمل ثلاث مجالات، هي الصحة والتعليم ومستوى الدخل، ولا يمكن حصر هذا التحسن في برامج محو الأمية فقط.
كما توقف التقرير عند ضعف الأثر المباشر على معدلات البطالة والنشاط بالرغم من التحسن في المؤشرات التعليمية والذي يكشف أن فعالية البرامج ستظل جزئية ما لم تدمج بمنظومات تدعم التشغيل والتكوين المهني، تعزيز الثقة بالنفس، والمشاركة الأسرية والمجتمعية.
من جهة أخرى، رصد التقرير تحولات كبيرة في أدوار النساء المستفيدات من برامج محو الأمية داخل الأسرة والمجتمع، إلى جانب المساهمة في تعزيز استقلالية المستفيدين، خاصة النساء، من خلال تمكينهم من مهارات أساسية ساعدتهم على تدبير شؤونهم اليومية واتخاذ قرارات ذاتية داخل الأسرة.
على مستوى آخر، رصدت خلاصات التقرير، “الاندماج الرقمي” للمستفيدين من برامج محو الأمية وتحسن في قدرة النساء، خاصة بالعالم القروي، على التواصل واتخاذ القرار داخل الأسرة، بالإضافة إلى تحولات نوعية في السلوكيات الصحية تلقيح، تنظيم الأسرة، الاستشارات الطبية).
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن هذه السلوكيات شهدت تحسنا ملحوظا وتغييرا إيجابيا وذلك من خلال الدراسة الميدانية حول أثر برامج محو الأمية الذي تسيرها الجمعيات على الوعي الصحي لدى المرأة القروية، فضلا عن تراجع واضح في الممارسات التقليدية غير العلمية في التعامل مع الصحة.
الرقمنة وتعزيز الولوجيات
وتضمّنت توصيات التقرير البرلماني الدعوة إلى تعزيز إدماج محاربة الأمية في السياسات الحكومية المستقبلية، بما يعكس التزاما سياسيا واضحا يضمن استمرارية الجهود المبذولة، ويرسخ محاربة الأمية كخيار استراتيجي يندرج ضمن منظومة تنموية مستدامة تقوم على التمكين المعرفي والعدالة الاجتماعية.
ودعت المجموعة الموضوعاتية في تقريرها إلى تطوير منظومة التقييم والمتابعة من خلال اعتماد تقييمات دورية مستقلة لبرامج محو الأمية واستثمار نتائجها لتجويد الأداء وتحقيق الأثر الفعلي على الفئات المستهدفة، في أفق ضمان فعالية واستمرارية البرامج وتحقيق أهدافها على المدى البعيد.
وأكدت المجموعة على أهمية تحفيز استخدام الوسائل الرقمية، عبر تحديث التطبيقات التعليمية الرقمية، وتوسيع استعمالها في التكوين، خاصة في المناطق النائية، مع مراعاة ضمان الولوجية لجميع الفئات لهذه التطبيقات، فضلا عن توسيع التغطية الإعلامية بأهمية برامج محو الأمية، وترسيخ ثقافة التعلم مدى الحياة كرافعة لتحقيق تنمية بشرية مستدامة.
وفي ما يتعلق بالمستفيدين، أوصى التقرير بتحيين خريطة استهداف البرامج بإعادة ضبط الفئات المستهدفة وفق نتائج الإحصاء العام وبيانات المندوبية السامية للتخطيط الأخيرة، لضمان تركيز الجهود على الفئات الأكثر هشاشة، خصوصا في العالم القروي.
وفي هذا الإطار، تم التأكيد على توفير آليات للمواكبة الأندراغوجية والاجتماعية للمستفيدين بعد تخرجهم وتعزيز مكتسباتهم ومهارتهم لتفادي الرجوع إلى الأمية، وتعزيز الجسور بين مستوي محو الأمية وما بعد محو الأمية من خلال تطوير برامج تحفيزية تضمن استمرارية المستفيدين في المسار التعلمي، وربط المستوى الثاني بتكوينات مهنية بشهادات معترف بها وطنيا.
وأكد التقرير على توجيه الجهود نحو تعزيز برنامج “ما بعد محو الأمية”، نظرا لملاءمته لطبيعة تدخل مؤسسة التعاون الوطني، وتوفر مراكزها على تجهيزات مناسبة للتكوين الحرفي وتأهيل المستفيدين للتمكين السوسيو اقتصادي.
كما تضمنت التوصيات الارتقاء بمكانة شهادة محو الأمية لتصبح أداة عملية تمكن المتحررين من الأمية من الولوج إلى برامج التكوين والتأهيل والاستفادة من خدمات اجتماعية محددة، بما يجعل منها حافزا ملموسا ومشجعا على الانخراط في البرامج.