تقرير: التعليم والتشغيل والصحة في مقدمة أولويات الشباب المغربي
كشفت جمعية المواطنون، من خلال مبادرة مقاهي المواطنة “باش كايحلمو المغاربة”، عن دينامية شبابية ترفض دور المتفرج وتسعى إلى أن تكون فاعلًا في التغيير، لافتة إلى أن هذه التطلعات المعبر عنها تلاقت حول أربع أولويات أساسية، تتمثل في تعليم فعّال وعادل ومندمج، وفرص عمل كريمة ومتاحة، ونظام صحي مجاني عالي الجودة، إضافة إلى مشاركة مواطنة حقيقية ومنظمة.
واعتمد التقرير على أجوبة 2399 مشاركًا، تم جمعها عبر تنظيم 101 مقهى مواطنة “أحلام المغاربة” في 66 مدينة وقرية موزعة على اثنتي عشرة جهة بالمملكة، إلى جانب أربع لقاءات مع مغاربة العالم.
وبلغ متوسط عمر المشاركين 21 سنة، فيما توزّع المشاركون حسب الفئات على النحو التالي، 79 في المائة طلبة، 4 في المائة رواد أعمال، 7 في المائة من شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعوم أي تكوين “NEET”، و10 في المائة أجراء.
أما بخصوص النتائج التي أفرزتها المبادرة، فقد عبّر المشاركون عن أربع تحديات هيكلية كبرى، في مقدمتها التعليم الفعّال والعادل والشامل، إذ عبّر الشباب عن استيائهم من هشاشة البنيات التحتية، وعدم ملاءمة البرامج التعليمية، واستمرار الفوارق بين الوسطين الحضري والقروي، داعين إلى مدرسة حديثة، دامجة وتشاركية، قادرة على تحفيز الإبداع وتحسين قابلية التشغيل. ويُنظر إلى التعليم باعتباره الأساس لكل تحول اجتماعي.
وفي ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي، فقد احتل التعليم موقعًا محوريًا في مختلف المناطق، إذ أصبحت المدرسة بالنسبة للعديد من الشباب ممرًا نحو البطالة، ففي جهة درعة–تافيلالت، صرّح 65 في المائة من الشباب المستجوبين بأنهم بدون عمل، رغم مساراتهم الدراسية الطويلة.
أما في جهة بني ملال–خنيفرة، فقد ربط العديد من الشباب بشكل مباشر بين التكوين والهجرة، ما يعكس اعتبار الرحيل السبيل الوحيد أمام منظومة تعليمية متعثرة، ويطالب المشاركون بمدرسة مندمجة قادرة على تقديم توجيه ملائم، ومسارات متنوعة، وبيداغوجيا تنمي الكفاءات المهنية والمواطنة في آن واحد.
ويتجلى المطلب الثاني، في توفير فرص عمل كريمة ودعم حقيقي لريادة الأعمال، بحيث أورد التقرير أنه يُنظر إلى البطالة وعدم الاستقرار المهني على أنهما مصدر قلق عام، إذ يطالب الشباب بوظائف مستقرة، إلى جانب آليات تمويل ودعم حقيقية لإنشاء مشاريعهم الخاصة، معتبرين أن العمل شرط أساسي للكرامة والاستقلالية.
المطلب الثالث الذي تكرر كثيرا، هو الولوج العادل إلى نظام صحي مجاني وذي جودة، إذ أشار المشاركون إلى ضعف نظام الرعاية الصحية، واستمرار الفوارق بين المناطق، إضافة إلى غياب المتابعة في مجال الصحة النفسية، في ظل تنامي مظاهر العزلة والتوتر والمعاناة النفسية.
وتظل الصحة من أولويات الشباب في مختلف الجهات، وتعكس إحباطًا واسعًا تجاه نظام يُنظر إليه على أنه غير عادل وغالبًا غير متاح، بحيث أنه في جهة درعة–تافيلالت، يواجه الشباب صعوبات في الوصول إلى المراكز الصحية، بينما تبرز في بني ملال–خنيفرة الفوارق بين المناطق القروية والحضرية، إلى جانب غياب المتابعة في مجال الصحة النفسية.
ويطالب الشباب بخدمات صحية حديثة وشاملة تجمع بين الوقاية والعلاج والدعم النفسي، للحد من التفاوتات الإقليمية وضمان المساواة والرفاه الجماعي.
أما في ما يخص المشاركة المواطنة النشطة والمنظمة، التي تشكل المطلب الثالث، فعبر الشباب عن إحباطهم من إقصائهم عن دوائر اتخاذ القرار، مطالبين بآليات مؤسساتية، من قبيل المجالس الشبابية، والميزانيات التشاركية، ومنصات رقمية للتشاور، معتبرين أن المشاركة المواطنة تشكل محركًا أساسيًا لديمقراطية حية وشاملة.
وتُذكر المشاركة المواطنة في جميع المناطق، لكنها غالبًا ما تُطرح من زاوية اللاثقة، حيث يعبر الشباب عن شعورهم بأنهم يُستشارون دون أن يُصغى إليهم فعليًا، كما ورد في أحد التصريحات “القرارات التي تخصنا تُتخذ بدوننا”، فيما يتجسد هذا الإحساس في مناطق أخرى مثل كلميم واد نون، في حلم الرحيل، حيث تتحول الهجرة والانسحاب من الشأن المدني إلى رد فعل مباشر على الإقصاء.
وإلى جانب هذه الركائز الأربع، برزت ستة احتياجات عرضانية تتكرر باستمرار، تتمثل في نظام توجيه ومرافقة فردية للحد من الفشل الدراسي ومواءمة المهارات مع الحاجيات الاقتصادية، وإطار عيش مستدام يحترم البيئة، وعدالة اجتماعية وترابية واقعية، وحكامة مفتوحة وتشاركية ورقمية، إضافة إلى الولوج الشامل إلى رعاية صحية عالية الجودة، وبنيات تحتية تعليمية وثقافية ورياضية موزعة بشكل عادل.
وتكشف هذه النتائج وفق المصدر، عن سعي واضح نحو الكرامة، سواء من خلال التعليم أو العمل أو العدالة الاجتماعية، بحيث يطالب الشباب بأن يُنظر إليهم كمواطنين كاملي الحقوق، كما تعكس مطالبة قوية بالثقة، إذ تُعد الشفافية والمشاركة السبيلين الوحيدين لإعادة التوفيق بين المؤسسات والمواطنين.
وفي الوقت ذاته، يظهر الانفتاح على المستقبل من خلال بروز المخاوف المرتبطة بالصحة النفسية والبيئة، ما يدل على أن الشباب المغربي يتطلع إلى ما هو أبعد من الأزمات الراهنة، نحو تحديات القرن الحادي والعشرين.
أما في ما يخص تطلعات مغاربة العالم، فقد أكد التقرير أنهم “عبّروا عن ارتباطهم العاطفي بوطنهم الأم، غير أن رغبتهم في العودة تظل مشروطة بتوقعات واضحة وطموحة، إذ يحلمون ببلد منسجم، شفاف ومفعم بالأمل، تُقدَّر فيه كفاءاتهم، وتُعتبر عودتهم قيمة مضافة فردية وجماعية للوطن”.
ويضع مغاربة العالم، وفق التقرير، مطالب أساسية قد تشجعهم على العودة للاستقرار بالمغرب، في مقدمتها تحسين الحكامة، وتوفير فرص اقتصادية حقيقية وميسّرة، إلى جانب نظامين تعليمي وصحي حديثين، فضلاً عن إطار عيش آمن، عصري ومحترم.